اهم الاخبار
الجمعة 26 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

الضيف ... سينما عالية الجودة ترسخ قيم اخلاقية قاربت الانقراض

78
78

كتبت : داليا محمد

قد يحق للانسان أن يعترض على افكار غيره و أن يعبر هو عن رأيه المعارض للرأي الآخر حتى في الدين الاسلامي الذي يتضح للجميع و ليس به شيئاً مبهماً أو نقاط يمكن الخلاف عليها إلا في بعض الأحاديث الشريفة التي قد يكون بعضها غير موثوق من صحته، و لكن بلا شك النصوص القرآنية صحيحة مائة في المائة لا جدال فيها و لا خلاف عليها، فقال تعالى " لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" و معنى الآية الكريمة : لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا .

https://youtu.be/J_Czy4FINRc?t=61

فهذا بالنسبة للكافر و المشرك فمبالك بالمسلم العاصي، فالجميع يعرف جيداً الحلال و الحرام و الفروض و المسلمات، و لا يحق لشخص أن يكفر آخر او يحكم عليه بالقتل نتيجة لافكاره التي سيحاسبه الله عليها إذا كانت خاطئة، فأنت انسان و ليس رسولاً أو نبياً، ولا دخل لثالث في علاقة شخص بالله، انها علاقة خاصة جداً بين الله و كل انسان من عباده على حدى لا دخل لثالث بينهم فيها، فالأب عليه ان ينصح ابنته و ابنه و يعلمهم الحلال من الحرام و لكن في النهاية كلاً منهم مسؤول عن تصرفاته فلا يحق لاب أن يجبر ابنته مثلاً على ارتداء الحجاب رغم انه فرض من فروض لاسلام و ليس ركناً من اركانه، و لكن عليه نصحها و توجيهها فقط و في النهاية القرار لها دون اجبار أو اكراه.

هذا هو ما يريد قوله ابراهيم عيسى من فيلمه الجديد "الضيف" الذي يتبنى مشروع تجديد الخطاب الدينى الذى تدعو إليه رسميا الدولة.

 بدأ مساء الأربعاء الماضي الموافق 9 من الشهر الجاري عرض الفيلم المصري “الضيف” في سينمات القاهرة ، وذلك بعد شدّ وجذب مع الرقابة تخوفا من ردود أفعال إسلاميين أو مؤسسات دينية قد تُسيء تفسيره، لأنه يوغل بعمق في قراءة صورة الكاتب لدى العقل الديني المتطرف، سواء كان إرهابيا مباشرا أم إرهابيا مستترا، يكتفي باللعن والدعاء والتحريض.

فهو حقاً فيلم جيد بامتياز و نموذج لعمل فني عميق الدلالة والتأثير بإمكانيات مادية بسيطة قد لا تتجاوز نصف ميزانية أي من الأفلام الكوميدية سطحية التناول، والتي صارت ثيمة شائعة في السينما المصرية مؤخراً.

تحذير : يوجد تفاصيل قد تحرق أحداث الفيلم في الفقرة التالية :

يعيش يحيى التيجاني/ خالد الصاوي في أسرة بسيطة سعيدة تضم زوجته ميمي/ شيرين رضا، وابنته فريدة / جميلة عوض، ويوحي ديكور البيت بحُبّ الثقافة والفكر وغلبة روح التسامح في الديكور ومدى اهتمام الأسرة بالفن والجمال.

تكشف محاورات الأسرة، سواء الكاتب وزوجته، أو الكاتب وابنته، عن مناخ حرية ولطف واحترام مُتبادل بين أفراد الأسرة، وحتى مع الخادمة أو الحارس، تبدو الألفة طاغية.

تبلغ ميمي زوجها ذات يوم بأن أحد زملاء ابنتهما في الجامعة الأميركية سيزورهم في المساء على العشاء، ويفهم يحيى من زوجته إعجاب الابنة بالزائر الذي يعمل معيدا في الجامعة، مُتخصصا في مادة التكنولوجيا الحديثة، فيوافق على استقبال الضيف و التضحية بالمباراة، ويعتبره عريس المستقبل.

يصل أسامة/ أحمد مالك الشاب الوسيم، الأنيق، صاحب الابتسامة الهادئة، و معه هدية للأسرة عبارة عن لوحة كبيرة عليها الآية القرآنية “قُم فأنذر”.

على العشاء يستغرب الكاتب عبارة اسامة أنه يحب فريدة في الله ويسأله عن المعنى، ليجد الشاب الأنيق، الذي تعلم في أميركا، وينتمي إلى عائلة برجوازية مثقفة، إنه تعلم أن يحب في الله ويكره في الله، ويمتد الحوار ليكتشف الكاتب المستنير أن الزائر سلفي التوجهات.

 بعد العشاء يتحدث الزائر مع فريدة، حديثا جانبياً يعكس إعجابها الشديد به، وسيطرته الكاملة على رأسها، عندما يقول لها إنه سيخبر أهلها باتفاقهما على تحجبها.

تبدأ الصدمات تنفجر في وجه الأبوين، فور سماعهما قول العريس العصري بأنه اتفق مع فريدة أن ترتدي الحجاب، فيدخلون في نقاش عقيم يدور بين الكاتب و اسامة حول ان الحجاب فريضة إسلامية فيما يُصر اسامة أنه ركن من أركان الاسلام.

يبدو الزائر سعيداً، وهو يؤكد للكاتب أن تسليمه بالحرية لابنته يعني أن من حقها أن ترتدي الحجاب والنقاب لو أرادت.

صدمة الكاتب تدفعه أن يترك الزائر ويذهب لمشاهدة المباراة، غير أنه لا يلبث أن يلحق به في غرفة المكتب ليناقشه بشكل أوسع في أمور الدين، ويسأله إن كان يشعر بتأنيب الضمير أم لا، لأنه حرض على الداعية حامد عبدالصمد الذي مات تحت تعذيب أجهزة الأمن له.

ورد يحيى بأنه واجهه بالكلمة، ورد على سبه للأقباط وتحريضه عليهم بالفكر، وأنه غير راض بتعذيب أي شخص لأي سبب، وموته تحت التعذيب جريمة مثلما هي جريمة لو مات يساري أو ليبرالي أو حتى لص تحت التعذيب.

محاورات الرجلين، تفيض بالجرأة والعمق، وتعكس ثقافة مُتأصلة وحججا قوية لكلا الجانبين، غير أن ارتكاز يحيى التيجاني على العقل والمنطق يثير غضب المهندس أسامة تدريجياً، ويصدم يحيى زائره عندما يُسمعه اسطوانة لصوت أم كلثوم وهي تُرتل القرآن، ثُم يُسمعه اسطوانة للمطربة فيروز، وهي تترنم بترانيم مسيحية.

ويسأل العريس غاضباً “كيف تسمعون ترانيم مسيحية في بيت أسرة مسلمة، ويفاجئ يحيى زائره بأن زوجته ميمي مسيحية”.

يقول يحيى لزائره أنه يتوقع منه صرف نظره عن خطبة ابنته، لكن العريس يراوغ ويؤكد احترامه للأسرة ويعتذر عن أي سوء فهم.

يقطع المشهد قدوم هاني (ماجد الكدواني) شقيق الزوجة، ويحتضن فريدة بمودة وصداقة، ويفهم من الجلسة أن أسامة عريس، فيرحب به و قبل أن يغادر يختلي بيحيى ويقول له إن هذا العريس لا يحب فريدة، وجاء من أجلك أنت، لأن عينه لم تفارقك.

تصل الفيلم  إلى ذروته عندما ينقلب الوجه الهادئ للفنان أحمد مالك إلى شعلة غضب ويُخرج من الهدية اللوحة مُسدسا مزوّدا بكاتم صوت، ويحتجز الأسرة كلها في غرفة المكتب صارخاً بجنون أنه سيقتلهم جميعاً إن لم يمتثلوا.

تبدأ محاكمة الكاتب أمام زوجته وابنته المذعورتين، ويطلب منه يحيى أن يهدأ، لكنه يرد بشرر من عينه، ويخبره أن موته نصر للإسلام وعبرة لكل مَن تسوّل له نفسه الطعن في السنة، ويفتح له كاميرا هاتفه ليتحدث عن رفضه ورجوعه عن كل ما كتب ونشر وأُذاع، ويمتثل الكاتب تحت التهديد بقتل ابنته.

يدق جرس المنزل فيزداد هياج الإرهابي المتخفي في هيئة عريس متديّن، ويطلب من يحيى أن يصرف الزائر المفاجئ وإلاّ قتل ابنته و زوجته، ويمتثل يحيى، ليجد ضابط الحراسات في المنطقة (محمد ممدوح) يستأذنه للسلام عليه.

و يتحدث معه على الباب قليلاً طالباً منه بدعوى محبته عدم الطعن في البخاري وأن يخفف من غلواء نقده وكلامه، لأن ما يقوله ضد الدين يمنح الإرهابيين حق التخريب، ثُم يقول له إنه يحبه، لكنه يراه متجاوزاً بعض الشيء، ويعاتبه على تصوّره بمواجهة الإرهاب فكرياً، ويقول له إنه يرى نسف الإرهابي أولاً ثم محاورته بعد ذلك، فلا يرد التيجاني ويشكر الضابط ويعود للداخل.

هُنا يقرّر أسامة التغيير في الخطة ويخرج سكيناً يضعها على رقبة الابنة ويقول للكاتب إنه لو قتله سيجعله رمزا للحرية والوطنية، وانه من  الأفضل أن يجبره على الانتحار.

يعطيه المسدس طالباً منه إطلاق الرصاص على رأسه بينما يُهدد بسكينه رقبة الابنة فريدة، ويبكي الكاتب خوفاً على ابنته و زوجته ويسأل الإرهابي عن ضمان عدم قتل زوجته وابنته حال انتحاره، فيرد الإرهابي بأنه لا يوجد ضمان لشيء، وأن أعداء الدين يجب أن يذلوا.

و بحركة مفاجئة يُطلق الكاتب رصاص المسدس على زائره قبل أن يتمكّن من سحب سكينته المرفوعة على رقبة فريدة، ويسقط الإرهابي لكنه يقوم طاعنا يحيى بسكينته، ليردّ يحيى بالرصاص ممزقا جسد اسامة.

الكاتب يُصاب في نهاية الفيلم ويخرج محتضنا زوجته وابنته، بينما تسقط مكتبة مليئة بالكتب فوق جسد الإرهابي القتيل، وكأن الكاتب يقول إن الفكر انتصر على الإرهاب، غير أنّ مشهد لجوء يحيى إلى السلاح لحسم المعركة يرمز كذلك إلى صحة مقولة ضابط الحراسات (محمد ممدوح) بأنه لا حوار مع الإرهابيين ويجب محوهم أولاً.

الفيلم يحاول الترسيخ من جديد لقيم اخلاقية عالية قاربت الانقراض في عقول و قلوب المشاهدين و الاعلاء من قيمة التسامح الديني و احترام الآخر و تقبله و محو العنصرية الفكرية و التطرف، فكيف يمكن لعائلة متفاهمة بين افرادها المسلم و المسيحي أن يعيشون سنوات و سنوات دون مشاكل أو خلافات بسبب الدين، كذلك إذا كنت تعترض على وجهة نظر شخص و تختلف معه يمكنك ذكر اعتراضك بطريقة مهذبة غير جارحة فقد تقنعه بوجهة نظرك أكثر من أن تمسك له سلاحاً و تحاول تهديده بالقتل لترجعه بالقوة عن افكاره (مثال موقف ضابط الحراسات و اعتراضه على وجهات نظر الكاتب بطريقة متحضرة و بعقل و حكمة)، و أيضاً كون المظاهر خداعة و ليس بالضرورة أن يكون المتعلم مهما فاقت درجة تعلمه أو كونه انهى دراسته في أمريكا أو ان يكون معيد بالجامعة الأمريكية ليس دليلاً ابداً على تحضره الفكري فأصحاب العقول المغلقة و الذين يسهل على اي شخص اللعب بأفكارهم و السيطرة عليهم (الشاب أسامة) قد ينتمون لأي فئة أو أي طبقة اجتماعية فالارهاب ليس له دين أو وطن أو جنسية أو مؤهل علمي.

من العناصر الايجابية و القوية في الفيلم الموسيقى التصويرية التي أبدعها الموسيقار هشام نزيه بشكل مثالي و عبرت بدورها عن تطور الأحداث من البداية الهادئة إلى المناقشات المتصاعدة رويدا حتى ذروة الأحداث، كذلك  أداء الممثلين الأكثرمن الرائع حيث كان أغلبهم في أروع حلاته الفنية و الابداعية،  فقد يكون هذا الفيلم الأفضل في تاريخ كل فنان شارك فيه، خاصة أحمد مالك الذي ابدى قدرات فنية هائلة منذ مشهده الأول الذي اظهر كم هو شاب هادئ و مثقف و تدريجه في اظهار تطرفه الفكري وصولاً لارهابه للعائلة بسلاحه حتى موته في نهاية الفيلم، كذلك يُحسب  للمخرج هادي الباجوري عدم افلات سياق الفيلم منه في أي لحظة حيث كان تسلسل الأحداث مثير للغاية دون لحظة ملل واحدة رغم أن الفيلم تدور أحداثه في مكان واحد.

الشيء السلبي الوحيد الذي سأذكره عن الكاتب ابراهيم عيسى أن الفيلم لا يختلف كثيراً في هدفه عن الفيلم السابق للكاتب نفسه "مولانا"، فانا لا افضل أن يسير الكاتب على نهج واحد لا يغيره، فالكاتب لابد له و أن يختلف فيما يقدمه من عمل لآخر و ألا يتبنى وجهة نظر واحدة في كل أعماله فهو بذلك يفعل ما يحاول نقده في العمل و يقوم بتوجيه المشاهدين إلى فكرة معينة و محاولة السيطرة على رؤوسهم بها من خلال كل عمل يقدمه و لكن بطريقة ناعمة دون عنف أو تطرف.