مخاوف من إنهيار الإقتصاد الجزائري إثر الإحتجاجات
• «المستقبل للدراسات والأبحاث»: سوق العملات الجزائري يتعرض لضغوط متنامية
• الدينار الجزائري يفقد نصف قيمته أمام الدولار
أصدر مركز المستقبل للدراسات والأبحاث تقرير عن سوق العملات في الجزائر وتعرضه لضغوط متنامية في الآونة الأخيرة على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ فبراير الماضي.
ويبدو ان اتساع الفجوة في قيمة الدينار مقابل العملات الصعبة على غرار اليورو والدولار بين السوقين الرسمية والسوداء، وذلك في دليل على تزايد مخاوف المواطنين من اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية في الفترة المقبلة.
ومن شأن تصاعد اضطراب سوق الصرف، والذي يدعمه تراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي وتآكل الاحتياطي الدولي لدى البنك المركزي، أن يوسع من نطاق المخاطر المالية والاقتصادية التي ربما تواجهها البلاد في الأجل المنظور.
تحديات عديدة:
تواجه الجزائر تحديات اقتصادية جمة فرضها هبوط أسعار النفط منذ عام 2014، إذ تسبب بدوره في تراجع ملحوظ للأداء الاقتصادي، وانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى أدنى مستوياته في عام 2017 ليبلغ 1.7% قبل أن يرتفع إلى نحو 2.5% في عام 2018 بفضل تعافي أسعار النفط مرة أخرى.
وقد سجلت أسعار الخام الجزائري من النفط أدنى مستوياتها في عام 2016 عند حدود 45 دولارًا للبرميل قبل أن تتعافى مجددًا في العامين التاليين عند حدود 55 دولارًا و65 دولارًا.
ومع ذلك، فلا تزال أقل من مستوياتها قبل عام 2014 والتي تتراوح ما بين 100 إلى 120 دولار للبرميل.
وبناءً عليه، فقد هبطت قيمة صادرات النفط بحوالي الثُلث من مستواها البالغ 58.4 مليار دولار في عام 2014 إلى 37.9 مليار دولار في عام 2018، وكان أدنى مستوى لها في عام 2016 عندما بلغت 27.7 مليار دولار.
وعلى ضوء نقص موارد النقد الأجنبي، لم يكن هناك مفر أمام البنك المركزي من السحب من الاحتياطي للحيلولة دون الانخفاض السريع لقيمة الدينار أمام العملات الصعبة.
ولكن مع إتباع هذه السياسة، تآكل الاحتياطي بشكل كبير في الأعوام الماضية. وفي الفترة من عام 2014 وحتى عام 2018، سحب البنك المركزي نحو 90.3 مليار دولار من الاحتياطي ليهبط إلى نحو 88.6 مليار دولار بمنتصف عام 2018 مقابل 178.9 مليار دولار في عام 2014، وهو الأمر الذي حذر منه صندوق النقد الدولي في تقرير له حول الجزائر في يوليو الماضي.
وقد أشار الصندوق إلى أن تآكل الاحتياطي يفرض ضغوطًا قوية على سعر الصرف، مرجحًا أن يشهد الدينار بالسوق الرسمية مزيدًا من الانخفاض في الأجل المنظور، بالتوازي مع زيادة الطلب على العملات الصعبة في السوق السوداء.
وفي هذه الأثناء، لجأت الحكومة إلى تبني مجموعة من الإجراءات للحفاظ على موارد البلاد من النقد الأجنبي، وفي مقدمتها وضع قيود على الواردات من خلال حظر استيراد بعض السلع وفرض رسوم جمركية إضافية على قائمة من السلع المستوردة، بيد أنها لم تنجح في تقليص العجز التجاري للبلاد.
احتمالات قائمة:
وكان من نتيجة الأوضاع السابقة، أن تراجعت قيمة الدينار بأكثر من نصف قيمته أمام الدولار، من 78 دينار للدولار الواحد في بداية عام 2014 إلى 119 دينار في مارس الجاري، كما هبط سعره أمام اليورو من نحو 108 دينار إلى 135 دينار في الفترة نفسها.
هذا مع العلم بأن البنك المركزي تخلى، جزئيًا، عن دعم قيمة الدينار في يوليو 2017 وسمح بهبوطه بنحو 20% مقابل الدولار الأمريكي، وبـ 3.8% مقابل اليورو.
وبالتوازي مع ذلك، اتسعت الفجوة في سعر الدينار أمام العملات الصعبة بين السوق الرسمية والسوق السوداء بأكثر من 20%، وساعد في ذلك اتجاه قطاع من المواطنين لاستغلال هذه الأوضاع إما للمضاربة في سوق العملات سعيًا وراء الأرباح، أو للتحوط من انخفاض قيمة مدخراتهم مع الانخفاض المستمر لقيمة الدينار، وهو ما أنعش السوق السوداء.
وباندلاع الاحتجاجات الأخيرة، هبطت قيمة الدينار مجددًا في السوق السوداء، حيث ارتفع سعر الدولار الواحد من 185 دينار في فبراير الماضي إلى 192 دينار حاليًا، أما بالنسبة لليورو فقد قفز من 205 دينار إلى 214 دينار في الوقت الراهن.
ومن دون شك، فإن هذا التراجع يعكس مخاوف المواطنين من اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية في الفترة المقبلة، الأمر الذي دفع الكثير منهم إلى محاولة حماية مدخراتهم وتحويلها من العملة المحلية إلى العملات الصعبة مثل الدولار واليورو، جنبًا إلى جنب، بطبيعة الحال، مع تصاعد نشاط المضاربين في سوق العملات والراغبين في الحصول على أرباح كبيرة، وهو الأمر الذي قد يفرض مخاطر على السيولة المتوافرة لدى البنوك، لا سيما في حالة ما إذ اتجه العملاء إلى سحب مدخراتهم منها وتحويلها إلى العملات صعبة.
مخاطر تضخمية:
وعلى المدى القصير، من الطبيعي أن تؤدي التطورات السابقة إلى تصاعد الضغوط التضخمية في الفترة المقبلة، وقد تؤدي السياسة التي تبنتها الحكومة بالاعتماد على تمويل عجز الموازنة عن طريق طباعة البنكنوت إلى تعزيز هذا الاحتمال. وبحسب بعض الترجيحات، فقد قام البنك المركزي بتمويل الخزينة العامة عبر الطباعة، حتى نهاية يناير الماضي، بنحو 65 مليار دولار، وهو ما يفرض بالتأكيد مخاطر تضخمية واسعة بحسب المؤسسات الدولية.
وفي هذا السياق، أظهرت بيانات البنك الدولي، الصادرة في أكتوبر الماضي، ارتفاع معدل التضخم من 5.5% في عام 2017 إلى 6.6% في عام 2018، قبل أن ترتفع مجددًا إلى 6.7% في عام 2019.
وفي مسعى لامتصاص السيولة من السوق، أقر البنك المركزي، في مارس الجاري، زيادة الاحتياطي النقدي الذي تحتفظ به البنوك، حيث ألزمها بإيداع احتياطات مالية لديه تعادل 12% من قيمة الودائع بعد أن كانت 8% في السابق، وهى الزيادة الثانية بعد رفعها في يناير 2018 من 4 إلى 8%.
ورغم ذلك، لا يزال يتعين على السلطات الجزائرية، في ضوء التطورات السابقة، اتخاذ مزيد من الإجراءات لكبح التضخم في الفترة المقبلة، منها الاعتماد على مجموعة متنوعة من خيارات تمويل الموازنة العامة، بما فيها الحصول على قروض خارجية، بالإضافة إلى بذل جهود لتصحيح سعر الصرف الرسمي بشكل تدريجي للقضاء على السوق السوداء.
وفي الأجل الطويل، فإن عليها المضى قدمًا، مع تحقيق مزيد من استقرار الأوضاع السياسية، في إجراء إصلاحات جذرية لتحسين بيئة الأعمال، وتعزيز الحوكمة والشفافية والتنافسية، وفتح الاقتصاد أمام الاستثمارات الأجنبية، على نحو سوف يصب في صالح تعزيز موارد البلاد من النقد الأجنبي ويؤدي بالتالي إلى استقرار العملة المحلية.