اهم الاخبار
السبت 20 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

جريمة الايموبيليا ... تجربة طموحة خذلها ضعف السيناريو

44
44

كتبت : داليا محمد

يُعرض فيلم "جريمة الايموبيليا" حالياً بقليل من دور العرض في مصر منذ 20 فبراير الماضي، أي انه اقترب من 6 اسابيع عرض، و رغم مشاركته في عدة مهرجانات، إلا أنه لم يحصد طوال فترة عرضه في السينمات إلا  646,020  الف جنيه مصري فقط، و يعود السبب في ذلك هو الضعف العام لمستوى الفيلم في عدد من النواحي.

عندما  تقرأ اسم جريمة الايموبيليا ومع مشاهدة التريلر الخاص بالفيلم والمليء بالعناصر التشويقية والرعب يرتفع سقف توقعاتك كمشاهد، و تظن انك بصدد عمل سينمائي يمتلك جميع مقومات النجاح، و لكن مع مشاهدة الفيلم تجد الكثير من العوامل التي تشعرك بالخذل من الفكرة الطموحة.

تُعد عمارة "الإيموبيليا" أضخم عمارة في القاهرة الكبرى، صممها المهندسان المعماريان ماكس أذرعي وجاستون روسي عام 1938 عند نقطة التقاء شارعي شريف و قصر النيل، وكانت السكن المفضل لمشاهير المجتمع من السياسيين والفنانين والرياضيين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، وبلغت مساحتها ٥٤٤٤ متراً مربعاً، و تكلفت 1.2 مليون جنيه، وصُممت على هيئة برجين على شكل حرف "U"، وتضم 370 شقة، إلى أن اصبحت بين ليلة و ضحاها مسرحاً لجريمة قتل بشعة هزت ارجاء القاهرة عام 1995، إذ أتى سمسار بساكن جديد لإحدى الشقق، وبعدها طلب منه الساكن خادمة لتنظيف الشقة، فوقع فى علاقة معها، واختلفا على الأموال فقتلها الساكن هى والسمسار، و من هنا اقترن اسم العمارة بتلك الجريمة و ابتعد عنها السكان خاصة و ان الكثير منهم أكد رؤيتهم لاشباح و سماعهم لاصوات غريبة و حدوث اشياء أغرب، كان ابرزها المصعد الذي يتوقف يومياً مساءً في الطابق الخامس دون أن يقترب منه احد، حيث أن الطابق الخامس هو الذي توجد به الشقة مسرح الجريمة.

و لكن الفيلم لا يؤرخ لتاريخ عمارة الإيموبيليا التي تُعد من اعرق بنايات القاهرة و أطُلق عليها هرم مصر الرابع، ولا يستوحى الأحداث من الجريمة المذكورة أعلاه، وما احتوى عليه الفيلم من حبكة درامية ما هى إلا جريمة يمكن أن تحدث فى أى بناية أخرى من بنايات القاهرة أو أى مكان فى العالم، ولا نجد مبررا لإصرار مخرج العمل للربط بين أحداث فيلمه و"عمارة الإيموبيليا".

حيث لا يوجد في الفيلم ما يضفي أهمية خاصة على فرضية وقوع الحدث داخل شقة في “عمارة الإيموبيليا” تحديداً، على العكس مثلاً من فيلم “عمارة يعقوبيان” الذي شكلت العمارة به ركنا أساسياً في استقبالنا للشخصيات وعلاقتها بالعالم، حيث قام المبدع وحيد حامد بدور رائع فى تحويل مصر إلى عمارة، لنجدأن عدد كبير من طوائف المجتمع المصرى يختلفون في كل شيء في اعمارهم و مراكزهم و مستواهم الاجتماعي و المادي و الفكري و الثقافي و التعليمي، و لكن الشيء الوحيد الذي يربطهم هو العمارة السكنية التي يقطنون فيها.

 فو لنأتي لقصة الفيلم و حبكته الدرامية التي لا تحتوى على أي منطقية في الاحداث، ما جعل السيناريو مترهلاً بشكل كبير و يعج بالملل و الرتابة، فكي يستغنى المشاهد عن رؤية أماكن عديدة في العمل، و مناظر خارجية و أماكن جميلة، يجب أن تكون الفكرة التي بُني عليها الفيلم مليئة بالتشويق و الحوار القوي، ما يدفع المشاهدين للاستمرار بمشاهدة العمل رغم تصويره في مكان واحد، حتى لا يصاب المشاهد بالضجر العميق نظراً لعدم تغير البيئة المحيطة طوال الفيلم ، و لكن افتقد الفيلم لعنصري قوة القصة و الحوار معاً.

حيث يوجد خلل واضح في الحبكة الدرامية لسيناريو الفيلم و التي لم تخل بالقصة فقط، بل أخلت بنوعية العمل ذاتها كونه يندرج تحت قائمة افلام الغموض و الاثارة،  فألف باء أفلام الغموض و الاثارة، ألا ينكشف حل اللغز للمشاهد مبكرًا، لضرورة أن يكون  الفيلم أذكى من المشاهد، حيث يفرج السيناريو عن المعلومات المتاحة حول جريمة القتل و تقديمها تدريجيًا وكأننا نشاهد تكوين لوحة كبيرة مكونة من قطع صغيرة تظهر تدريجيًا، حتى تكتمل الصورة أمام المشاهد، ما يدفعه لافتراض معرفته بالقاتل قبل أن يكتشف في النهاية خطأ افتراضه، وأن القاتل هو آخر شخص كان يتوقعه.

ملحوظة : حتى نستطيع تناول الفيلم بالتحليل يجب التعرض لبعض جوانب الأحداث ومنها نهاية الفيلم ما بالطبع سيحرق احداث العمل.

https://youtu.be/AEW9oRwA7FM?t=12

تدور احداث العمل حول كاتب روائي شهير كمال حلمي/ هاني عادل، يعيش منعزلًا في شقته بعمارة الإيموبيليا، ومنذ وفاة زوجته و رحيل أبنائه عنه، يعاني من الاكتئاب والشيزوفرينيا، حتى إنه يسمع صوتاً داخلياً دائمًا ما ينتقده ويرشده إلى ما ينبغي القيام به (أداه باقتدار كالعادة الفنان أحمد كمال)، لم يمارس علاقة مع الجنس الآخر منذ سنوات، ولكنه أخيرًا ينتظر مجيء فتاة لشقته بعدما تعارفا على "فيسبوك".

الصوت الداخلي يحاول منعه من استقبال الفتاة، ولكنه يستجيب لاحتياجه لعلاقة، في محاولة لتخفيف الآثار السلبية لعزلته، تصل سماح/ ناهد السباعي منفلتة الاخلاق، ذات الجرأة الهائلة التي لا تهاب أحداً، ولا يردع تحررها حاجز، حيث مارست عليه الدلع مبكرًا منذ وصولها بالضحكة والعيون والفستان الأحمر القصير، و عملت على اثارته بشتى الطرق، و لم يسع كمال إلا مزيد من الارتباك الذي يحاصره سنوات و تجفيف عرقه الذي يتصبب منه.

كمال المضطرب وجد نفسه أمام معضلة حقيقية، خاصة بعدما هددته "سماح" بإلقاء نفسها من شرفة شقته لو لم يدخل معها في علاقة فوراً، فيرضخ لرغبتها و رغبته في آن واحد، و حين ذهبت إلى الحمام سقطت داخل المرحاض و اصطدمت رأسها في الحائط ليدخل كمال الحمام مسرعاً بعد سماعه صوت الارتطام ليجدها قتيلة غارقة في دمائها.

يلجأ "كمال" لجاره وصديقه الوحيد وناشر رواياته حبيب/ طارق عبد العزيز، فيخبره الأخير بأن الحل في التخلص من الجثة هو تقطيعها إلى قطع صغيرة لسهولة حملها و الخروج بها من العمارة ثم القائها من أعلى جبل المقطم، ويُساعدهما في ذلك "عبده حارس العقار" (يوسف إسماعيل)، وما إن ينجح الثلاثي في مهمتهم وتتوالى الأحدث بطريقة تصاعدية مثيرة، لتقع عدة جرائم متتالية لأشخاص قريبين بشكل أو بآخر من كمال.

منذ البداية نجد شخصيتين فقط يمكن أن تحوم حولهما الشبهات في جريمة قتل عبده حارس العقار، و هما كمال وصديقه حبيب، حيث تتوزع الاحتمالات بين كون أحدهما هو القاتل أو المدبر للجريمة بنسبة خمسين في المئة لكل منهما.

و كمال هو الأقرب لأن يكون منفذ الجريمة، نظراً لاضطرابه النفسي الشديد، كونه المستفيد المباشر من قتل حارس العمارة (يوسف إسماعيل) الذي ساعده في إخفاء جثة سماح، لكن السيناريو يجاهد حتى بداية الثلث الأخير في إقناعنا أن حبيب هو المدبر للجريمة، وينجح في هذا إلى حد ما، إذ نجد إصرارًا مريبًا من حبيب على أن يعمل كمال على كتابة روايته الجديدة و ينسى ما حدث بالكامل، ويساعد الأداء المتقن والأفضل في الفيلم لطارق عبد العزيز في جعلنا نشك أن هذه الشخصية المسالمة التي تساعد كمال تخفي وراءها شيئًا.

في الثلث الأخير يُقتل حبيب نفسه فنعود للشك في كمال مرة أخرى تلقائيًا ولا يخيب السيناريو التوقعات هذه المرة، لنكتشف أن كمال بالفعل هو من ارتكب الجرائم، وهكذا لا يصمد اللغز في بنائه طويلًا أمام المشاهد، وهذه كانت أول نقطة ضعف في سيناريو ”جريمة الإيموبيليا“.

فيجب في مثل هذه النوعية من الاعمال أن يظل المشاهد في حيرة من امره بين كل الشخصيات حتى لحظات الكشف قرب النهاية، وهو ما لا يتحقق في العمل.

هكذا عرفنا القاتل، لكن يبقى أن نعرف تفاصيل الجريمة، وهنا سنتوقف عند نقطتين مهمتين في السيناريو.

الأولى هي طريقة الاكتشاف، فجأة يقتحم شخص شقة كمال (أحمد عبد الله محمود) بدافع السرقة وقتل كمال انتقامًا منه على قتل سماح التي نعرف أنه كان على علاقة بها و ان هو من ارسلها له لتقوم بتصويره و ابتزازه فيما بعد، فيقتله كمال دفاعًا عن نفسه ثم ينتحر.

لسبب غير واضح قرر هذا العشيق اقتحام شقة كمال بعد مرور عدة أيام و وقوع جريمتين أخريين، بينما كان يمكنه الإقدام على هذا بعد يوم أو اثنين فقط من مقتل سماح ودفنها، لكن السيناريو فضل تأجيل هذا الاقتحام لأنه كان سيعجل بنهاية الفيلم، هكذا فضل تأجيل الكشف على حساب المنطق.

النقطة الثانية هي طريقة تعريف كمال كمرتكب جريمتي قتل حارس العمارة و حبيب، فبعد أن يقتل كمال مقتحم شقته، تخبره الوساوس التي يسمعها منذ بداية الفيلم أنه هو القاتل، ونشاهد لقطات فلاش باك لجريمتي القتل، لسبب غير معلوم أيضًا قررت هذه الوساوس أن تختار هذه المرة تحديدًا لتخبره أنه هو القاتل، وهكذا ينتهي الفيلم.

ملحوظة أخرى تتعلق بعنوان الفيلم الذي يوحي بوقوع جريمة تؤدي إلى سلسلة من الجرائم الأخرى، بينما لا توجد جريمة، بل موت قدري يحدث دون سبب واضح، ما يؤدي بدوره إلى ارتكابه سلسلة من جرائم القتل، وهو ما يجعل الفيلم من البداية يفتقد المنطق الدرامي ويصبح غير قابل للإقناع، فمثل تلك النوعية من الاعمال الفنية يجب على كاتبها حين يقوم بمحاكاة الواقع أن يصوّر ما يمكننا تصديقه مهما بدا غريباً أو “مستحيلاً”، فهو أفضل كثيراً من محاكاة أمرٍ يكون قد حدث حقا في الحياة، لكنك عندما تصوغه درامياً يصبح مستحيل التصديق أو مثيراً للسخرية.

كذلك لم يكن هناك معنى لوجود راوٍ في أحداث الفيلم، فكان مفتعلاً ويكشف عن استسهال في بناء السيناريو، كما يظل المط والتطويل أحد عيوب الإيقاع، وكان يجب تلافيه في المونتاج، و حذف بعض المشاهد وعلى رأسها مشاهد عيد ميلاد أبنة الناشر بأكملها، و التي لا أهمية لها على الاطلاق في الاحداث.

و بالرغم من كل هذه السلبيات التي خذلت العمل بشكل كبير إلا ان هناك بعض النقاط الايجاية بالطبع التي بتحلى بها العمل و أولها و اهمها هو أداء الابطال المشاركين حيث تألق جميعهم و قدموا افضل ما لديهم على الاطلاق، على رأسهم بطل الفيلم هاني عادل الذي تم تصنيفه منذ اقتحامه عالم التمثيل على أنه أحد رواد مدرسة الـ"No Reaction" اتباعا لمقولة "التمثيل هو اللا تمثيل" و لكن يفاجئنا "عادل" بتجسيد الشخصية على نحو مبتكر وجذاب بما يؤكد موهبته التمثيلية ، و قدم أداءً متلوناً لأبعد الحدود خاصة و انه يقدم شخصية تعاني عدة أمراض نفسية، فأحيانا نرى شخصاً مصاباً بـ" الشيزوفرينيا" يعانى من الهلوسة متمثلة فى صوت يحدثه ويقوده ويوجه أفعاله بالإضافة إلى اضطرابات فكرية وحركية، وفى أحيان أخرى نرى شخصًا مصابًا بـ"اضطراب الشخصية التجنبية" يعانى من القلق والكبح الاجتماعى، والشعور بالعجز والدونية، والحساسية الشديدة تجاه التقييم السلبى، وتجنب التفاعل الاجتماعى، و كل هذا قدمه هاني ببراعة شديدة و اتقان غير مسبوق، فلا يمكن تجاهل أن شخصية كمال حلمى شهادة ميلاد حقيقية لهانى عادل وأبلغ رد على المشككين فى موهبته كممثل.

ونجح طارق عبدالعزيز في خداعنا بأدائه المركب والبسيط في الوقت نفسه، وجعلنا نشك في تصرفاته في بعض اللحظات حتى يصبح ضحية القاتل الصديق.

و بالنسبة لناهد السباعي فموافقتها على لعب دور لا يتجاوز 15 دقيقة من عمر الفيلم ينم على نضجها الفنى، صحيح أن عمرها على الشاشة قصير ينتهى بموتها في بداية الفيلم، حيث لا يتجازو دورها الـ 5 مشاهد إلا أنك تشعر أنها لم تغب و موجودة طوال الأحداث، حيث فرضت نفسها كبطلة للقصة و تظل في ذاكرتنا حتى المشهد الأخير  بأدائها المميز الذي ترك بصمة جيدة في العمل.

 كما نلمح أداء جيد لدعاء طعيمة ويوسف إسماعيل وعزة الحسيني ومنحة زيتون ولطيفة فهمي وحسن حرب وياسمين الهواري وعلي خميس وعزمي داوود وأحمد عبدالله محمود.

كذلك نجح المخرج خالد الحجر في جعل المشاهد يتوحد مع الحالة البصرية  ذات الجماليات القاتمة  التي تركت انطباعًا بالقلق، حيث برع مدير التصوير المميز نستور كالفو في نقل تلك الصورة القاتمة نجاح منقطع النظير، و نجح المخرج أيضًا في استحضار أجواء محتقنة بالشك والتوجس، حيث توافرت العوامل التقنية لذلك بشكل مبهر للغاية، و كذلك الموسيقى التصويرية لخالد داغر كانت مناسبة تمامًا للأحداث و للجو العام للفيلم و للعمارة، لكن يبقى السيناريو هو العامل الأهم في هذه النوعية من الأفلام، وفي هذه النقطة كان الفيلم أبعد ما يكون عن إصابة هدفه.