حدود التحرك: كيف سيتأثر الاقتصاد الإيراني بإلغاء الإعفاءات الأمريكية؟
الإدارة الأمريكية تضع أسواق النفط العالمية في ورطة.. وتوقعات بانكماش الاقتصاد الايراني بشكل كبير يفرض القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة الأمريكية بإلغاء الإعفاءات الممنوحة لثماني دول بمواصلة شراء النفط الإيراني، جملة من التداعيات على الاقتصاد الإيراني، حيث سيعود للانكماش مجددًا بحسب التوقعات الدولية، بالتوازي مع تزايد احتمال تدهور الريال وارتفاع معدل التضخم إلى مستويات قياسية خلال الفترة المقبلة، وهو ما سوف يجعل أداء الاقتصاد الإيراني أسوأ بكثير من الأعوام التي فرضت فيها العقوبات الدولية (2012-2015)، وهى الفترة التي سبقت الوصول للاتفاق النووي، الذي رفعت بمقتضاه تلك العقوبات. خطوة مفاجئة: فاجأت الإدارة الأمريكية أسواق النفط العالمية بقرارها، في 22 إبريل 2019، بإلغاء الإعفاءات التي منحتها في السابق لثماني دول، من بينها الصين والهند، لمواصلة شراء النفط الإيراني، حيث يأتي في وقت تخطت فيه أسعار النفط العالمية حاجز 70 دولارًا للبرميل في الشهر الجاري، بسبب اضطرابات الإنتاج في كل من ليبيا وفنزويلا، بجانب اتفاق أوبك والمنتجين المستقلين الخاص بوضع سقف للإنتاج. ورغم ذلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية مُصرَّة على تنفيذ أهدافها الخاصة بالوصول بصادرات النفط الإيراني إلى مستوى صفر، وذلك من أجل حرمان إيران من عائداتها، وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، في اليوم نفسه، بقوله: "إن البيت الأبيض يهدف لحرمان إيران من إيرادات نفطية حيوية تبلغ 50 مليار دولار سنويًا، وذلك بهدف إجبار طهران في نهاية المطاف على كبح برنامجها النووي واختباراتها للصواريخ الباليستية وتدخلها في شئون الشرق الأوسط". وفي مقابل ذلك، أكدت إيران قدرتها على تصدير النفط وعدم جدوى القرار الأمريكي. وفي الوقت نفسه هدد العديد من المسئولين الإيرانيين بتعطيل مسار الملاحة في مضيق هرمز ما لم تعبر شحنات النفط الإيراني إلى الأسواق الدولية، حيث قال علي رضا تنكسيري قائد قوات البحرية بالحرس الثوري في هذا السياق: "وفقًا للقانون الدولي فإن مضيق هرمز ممر بحري، وإذا مُنعنا من استخدامه فسوف نغلقه". أما بالنسبة للدول المُعفاة، فقد أبدى معظمها، باستثناء الصين وتركيا والعراق، استعدادًا للتجاوب مع القرار الأمريكي، وتعهدت بالبحث عن بدائل أخرى للنفط الإيراني مستبعدة أى تأثير للقرار على وارداتها من النفط. تداعيات عديدة: قبل إلغاء الإعفاءات الأمريكية، بلغت صادرات إيران من النفط والمكثفات في مارس الماضي مستوى قياسيًا قدره 1.7 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2018، بشكل يمكن تفسيره في ضوء مسارعة الدول المُعفاة للحصول على كميات كبيرة من النفط الإيراني قبل انتهاء مهلة الإعفاءات الأمريكية في بداية مايو المقبل. وعلى الأرجح، سوف تتصاعد خسائر الاقتصاد الإيراني بعد إلغاء الإعفاءات الأمريكية، حيث سيحرم من عائدات سنوية من النقد الأجنبي تقدر بنحو 50 مليار دولار، الأمر الذي سوف ينتج تداعيات سلبية على النشاط الاقتصادي في البلاد وكافة المتغيرات الاقتصادية. وكان صندوق النقد الدولي قد قدر، في تقرير "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في 9 أبريل الجاري- أى قبل الإعلان الأمريكي عن إلغاء الإعفاءات- أن الاقتصاد الإيراني سوف ينكمش بنسبة 6% في عام 2019، وهو أعلى من تقدير سابق له كان يصل إلى 3.6%، وكان قد توقع حينها بلوغ معدل التضخم نحو 37.2%. ولكن مع الأخذ في الاعتبار القرار الأخير، فمن المرجح أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بثلاث أو أربع نقاط إضافية على الأقل، على نحو سيجعل أدائه أسوأ بكثير من فترة العقوبات الدولية (2012-2015). وفي الوقت نفسه، من المرجح أن يقفد الريال الإيراني مزيدًا من قيمته في الفترة المقبلة على ضوء نقص النقد الأجنبي، علمًا بأن سعر الصرف الرسمي في إيران يبلغ 42 ألف ريال مقابل الدولار في حين يصل في السوق السوداء إلى نحو 144 ألف ريال مقابل الدولار، بما يعني أنه مع دخول القرار حيز التنفيذ، فمن المحتمل أن تزيد الفجوة بين السوقين بمستويات كبيرة. وبالتوازي مع ذلك، من الواضح أن إلغاء الإعفاءات سيكون له تأثير سلبي آخر على معدل التضخم في البلاد، حيث قد يصل إلى 50% أو حتى أكثر من ذلك في العام، وفقًا لتوقعات جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بصندوق النقد الدولي، وهو ما يعني أن أسعار السلع والخدمات سترتفع بشكل كبير في الأسواق خلال الفترة المقبلة، وأن الاقتصاد مقبل في النهاية على مرحلة من الركود التضخمي. خياران محتملان: يفرض القرار الأمريكي بإلغاء الإعفاءات خيارين أمام إيران لكى تتمكن من تصدير نفطها للأسواق الدولية: يتمثل أولهما، في تهريب النفط للخارج، وذلك على غرار فترة العقوبات الدولية، حيث كانت إيران تقوم، في العادة، بنقل شحنات النفط عبر مسارات بحرية غير مكشوفة، مستعينة في ذلك بآليات مثل تغيير أسماء السفن أو تسجيلها لدى دول أخرى وإيقاف أجهزة تحديد مواقع السفن ونقل الشحنات من سفينة إلى أخرى في عرض البحر وغيرها، فضلاً عن التهريب عبر الطرق البرية. وهنا، تشير بعض التقديرات إلى أن إيران بمقدرتها تهريب نحو 200 ألف برميل يوميًا للأسواق الدولية. وينصرف ثانيهما، إلى إقناع طهران بعض شركائها للتوسط لدى الإدارة الأمريكية من أجل السماح لهم بشراء النفط الإيراني حتى لو بكميات محدودة، وهو ما يبدو جليًا في حالة تركيا، حيث أشارت وزارة الخارجية التركية إلى أنها تسعى لإقناع الولايات المتحدة بالسماح لشركة "توبراش" للتكرير بمواصلة شراء النفط الخام من إيران بدون التعرض لعقوبات. ولا شك أن نجاح أنقرة أو غيرها من مشتري النفط في تحقيق ذلك سيعود عليها بمكاسب أقلها الحصول على إمدادات رخيصة من النفط الإيراني. وختامًا، يمكن القول إن قرار إلغاء إعفاءات شراء النفط الإيراني سوف ينتج ضغوطًا اقتصادية غير مسبوقة على إيران، على نحو قد يضطرها، في نهاية المطاف، إلى إبرام صفقة جديدة مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الأخيرة في 8 مايو 2018.