اهم الاخبار
الخميس 25 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

في دراما رمضان ... الكتاب لا يعرفون كيفية استخدام الفلاش باك

91
91

كعادة كل عام لجأ عدد كبير من كتاب الدراما الى استخدام صيغة الفلاش باك فى التناول الدرامى كمحاولة لسرد أحداث المسلسل و ربط الماضى بالحاضر ليفاجأ المشاهد هذا العام بتكرارها فى اكثر من عمل وكان ابرز من استخدم اسلوب الفلاش باك هذا العام مسلسلات "زي الشمس" و "قابيل" و قمر هادي" و "علام استفهام".

و من المفترض أن يكون استخدام الفلاش باك في الاحداث لضرورة قصوى و قد تتمثل هذه الضرورة غالباً في الاعمال البوليسية التي عادة ما تبدأ أحداثها بنقطة ساخنة و هي جريمة القتل، ثم تعود الاحداث فلاش باك للماضي في محاولة لتفنيط علاقات المجني عليه و ايهم تحوم حوله الشبهات بشكل اكبر و وضع كل المعلومات المتاحة امام المشاهد و التي يمكنها مساعدته في حل اللغز.

و لكن اصبح كتاب الدراما في الاونة الأخيرة يستخدمون الفلاش باك بداعي و بدون داعي و دون معرفة قواعد استخدامه الصحيحة ما يُسمى بالفوضي الكتابية في الاعمال الدرامية.

و لنبدأ اولاً بتعريف الفلاش باك و ابسط قواعد استخدامه، فهو طريقة لعرض الأحداث التي حدثت قبل الإجراء الحالي.

يتم تنفيذه من خلال اخبار الراوي شخصية أخرى عن الأحداث الماضية، يتذكر الراوي فقط ما حدث معه أو أمامه أو ما قيل له، ولا يمكن بأي حال أن يعرف ما تفكر فيه الشخصيات التي يتم تذكرها، إلا لو صرحت هذه الشخصيات الأخرى بما في رأسها.

وعليه فإننا على سبيل المثال في مسلسل "قمر هادي" مشهد تذكر هادي / هاني سلامة لمشهد مواجهة زوجة أخيه كاميليا والذي هددها فيه بفضح علاقتها بمروان ابن عمه وكان نتيجته إقدام كاميليا على الانتحار قفزًا من الشرفة، في هذا الفلاش باك الطويل لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يعرف هادي ماذا تذكرت كاميليا وهي تسقط من الشرفة في لقطات سريعة بالأبيض والأسود عن علاقتها بزوجها عصام وحبيبها مروان، لأنها ببساطة ذكريات تخص كاميليا فقط عند موتها.

فكيف تمر ذكريات حياة كاميليا أمام عينيها، ولكن من ذاكرة هادي الذي يبدو من المضحك أنه اطلع على هذه اللحظات الداخلية أثناء سقوط كاميليا من الشرفة.

هذه الرغبة في استخدام الفلاش باك دون أخذ ذاكرة الشخصية التي تحكي في الاعتبار صنعت مثالًا من أمثلة السقوط في فخ الفلاش باك داخل الفلاش باك، وهي واحدة من المشكلات الأساسية التي يؤدي إليها استخدامه دون حساب لحساسية دوره، بل لمجرد إخفاء الماضي ثم كشفه من أجل تحقيق الإثارة، وكأنه هدف في حد ذاته وليس وسيلة من وسائل الحكي.

و هذا لم يحدث لمرة واحدة بل كان اسلوب سردي على مدار جميع حلقات المسلسل، حيث تتذكر الكثير من الشخصيات مواقف لشخصيات أخرى هي نفسها لم تكن حاضرة أثناء حدوثها، مثل أن تتذكر شهد ابنة عم هادي ذكريات تخص حديث زوجته مريم مع صديقتها سلمى في فرح مريم وهادي، ونكتشف من داخل ذكريات شهد طبيعة الكلام المعسول الذي أغوى به أخوها مروان كاميليا زوجة ابن عمه، ونكتشف غيرة عصام من جلوس مروان مع زوجته، كل هذا بينما لم تكن شهد حاضرة لأي من هذه المواقف ولم تستمع لأي من تلك الحوارات بشكل يجعلها تتذكرها فيما بعد.

ولكنها مجرد الرغبة في الكشف عن بعض التفاصيل التي تخص الشخصيات حتى ولو لم يكن ملتزمًا بالمنطق السردي الذي يجعلنا نتقبل أن هذه الشخصية تتذكر هذه المعلومة تحديدًا إلا إذا كانت حاضرة بالفعل في المشهد.

و كان على كاتب مسلسل "قمر هادي" استخدام الفلاش باك بطرق مختلفة تتيح ه له سد كل ما حدث في الماضي بالطرق المنطقية للسرد الصحيح عن طريق استخدام عنصر الذاكرة الجمعية – التي لا تلزم السرد بذكريات شخصية بعينها– أو الاستعانة بعنصر الانتقال الحر بين الأزمنة دون الالتزام بذاكرة شخص معين كل ما يفعله أنه يشخص بصره إلى الفراغ ثم يستغرق في ذكريات لم يعشها أو يعرف عنها شيئًا، بدلاً من الوقوع في أزمات الحكي غير الخطي عبر الفلاش باك.

كثيرًا ما يلجأ صناع الأعمال التي تحتوي على جريمة غامضة أو سر خطير إلى الهجوم على المشاهد من خلال نقطة ساخنة (كجريمة قتل فريدة) في مسلسل "زي الشمس" ثم تدريجيًا تبدأ رحلة العودة إلى الماضي كجزء من اكتشاف الحاضر وتمرير المعلومات التي لم تكن لتصنع حدثًا ساخنًا للبداية.

في «زي الشمس»، يعتمد السرد بشكل كبير على الفلاش باك، ومع ذلك هناك قدر كبير من الاستسهال والتقليدية في استخدامه. لا يغير الكثير من المشاهد التي تُستدعى من الذاكرة من وجهة نظر المشاهد في الحدث أو الشخصيات. هناك مثلًا عدد كبير من المشاهد المستعادة، والتي تكرر فقط حقيقة مشاعر الغضب والقطيعة بين نور وشقيقتها بسبب ما جرى بينهما في الماضي، تُستعاد مرارًا وتكرارًا دون إضافة مميزة، فقط من أجل الاستهلاك العاطفي لهذه المشاعر.

كما يسير السياق لدرامي في المسلسل من الحاضر إلى الماضي في لقطات «فلاش باك» وفقاً لتوالي الأحداث، لكنّه أفقد المشاهد ترابط العمل، حيث يسير الإيقاع على نمط تقطيع المشاهد واللعب بـ«الفلاش باك»، وهو ربما أضرّ بالمسلسل أكثر مما أفاده، لأن الإفراط في استخدامه طوال حلقات المسلسل مع كل الشّخصيات أرهق المشاهدين، وبالتأكيد أرهق صُنّاع العمل.

فبناء عمل درامي بهذا التسلسل لرواية قصة بسيطة أمر ممكن، لكنّه تحديداً في هذا المسلسل أشعر المشاهد بنوع من الفوضى الدّرامية، خصوصاً مع زرع أشخاص وأحداث فرعية كثيرة غطت على الحدث الرئيسي، وجعلت منه حدثاً باهتاً في خلفية الدراما.

فبعد أن كان استخدام أسلوب «الفلاش باك» مقصوراً على الهروب من المط والتطويل و ربط أحداث الماضى والحاضر ببعضها، فمع كثرة استخدامه في مسلسل "زي الشمس" أصبح استخدامه بغرض تطويل الأحداث وزيادة عدد الحلقات فقط، ما افقده وظيفته السردية  حوله لمجرد أداة كسولة وغير خلاقة للسرد الدرامي.

كما إننا في بعض الاحيان نفاجأ أن الحلقة انتهت أثناء الفلاش باك وهو أمر خطير جدًا، لأن المتلقي لا يسعه مع بداية الحلقة التالية أن يفرق بين الحاضر والماضي، فيصاب بدرجة من التشوش المزعج التي تستهلك –دون داعٍ فني– جانبًا من طاقته الذهنية في فصل الأزمنة عن بعضها.

من الذي يتذكر و لماذا يتذكر الآن ؟ قد يكون مسلسل "زي الشمس" استخدم هذه النقطة بوعي و بشكل جيد حتى الآن، و لكن إذا اتينا لمسلسل مثل "علامة استفهام" نجد أن النصف الاول من كل حلقة تدور احداثه في الماضي ، فيما نجد النصف الثاني من الحلقة تدور احداثه في الحاضر و يبدأ من نقطة نهاية الحلقة السابقة باستخدام وسيلة التنقل الحر بين الازمنة ، و لكن في احيان أخرى تعود الأحداث إلى الماضي فجأة دون تحديد هوية المتذكر أو العلاقة بين الحدث الذي تم تذكره و الحدث الجاري، و في محاولة لإضافة وجهات نظر مختلفة للحدث أو الشخصية، يتذكر شخص واحد حديث دار بينه و بين شخص آخر عدة مرات ففي المرة الأولى يقول هو بعض العبارات و في المرة الثانية يقول الطرف الآخر نفس العبارات دون أن نعرف أي شكل للحوار هو الذي حدث بالفعل، فإن لم يؤد الفلاش باك غايته في كشف الحدث الذي تم اخفائه عن المتلقي بصورته الصحيحة فلا يصح استخدامه من الاساس.

حيث استخدم كتاب الدراما هذا العام الفلاش باك باسهاب دون مراعاة شروط استخدامه و قواعده الصحيحة  ما جعلهم  يقعون في فخاخ تخص توظيف الفلاش باك بشكل تلتبس فيه وظيفته مع الفكرة فيحولونه إلى غاية وليس وسيلة حكي، أو يظهر كمجرد وسيلة تعطيل الإيقاع أو تعطل التدفق الزمني، أو تسكين الصراع لحين الانتهاء منه، وكلها من آفات استخدام هذه الوسيلة السردية الخطيرة دون وعي حقيقي أو حس جمالي.

داليا محمد

اقرأ ايضاً:

عدة اسباب وراء نجاح مسلسل “زي الشمس” … أهمها عقدة الخواجة

بعد منتصف رمضان … تعرف على الاعمال الدرامية الاعلى مشاهدة … و نظرة نقدية شاملة على مسلسلات الموسم

تعرف على مسلسلات رمضان 2019 المتوقع لها أعلى نسب مشاهدة