تحقيقات وحوارات
الإجابة على السؤال الصعب.. لماذا صعد «داعش» عملياته الإرهابية في تونس «تحليل»
الهجمات الإرهابية مرتبطة بما يحدث على الساحة الليبية تعرضت تونس لهجومين إرهابيين جديدين، في 27 يونيو 2019، وأعلن تنظيم "داعش" مسئوليته عنهما، وهو ما لا ينفصل، عن التحذيرات العديدة التي أطلقتها اتجاهات مختلفة، خلال الفترة الأخيرة، من احتمال عودة التنظيم بشكل أكثر خطورة عن ما كان قائمًا في الفترة الماضية، لا سيما في ظل محاولاته تعزيز نشاطه في القارة الإفريقية خلال المرحلة القادمة، عبر الاعتماد على بعض الخلايا النائمة التابعة له، فضلاً عن العديد من المجموعات الإرهابية التي أعلنت مبايعتها لقائده أبو بكر البغدادي. دلالات مختلفة الهجمتان الإرهابيتان على تونس لهما دلالات مختلفة، كما أن إعلان "داعش" مسئوليته عن التفجيرين الانتحاريين له دلالات عديدة يتمثل أبرزها مغزى التوقيت حيث وقع الهجومان قبل أشهر قليلة من إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في شهرى أكتوبر ونوفمبر القادمين، وبالتوازي مع الجهود التي تبذلها السلطات لتهيئة المجال أمام تنظيم هذه الاستحقاقات الهامة، وتنشيط القطاعات الاقتصادية الرئيسية، على غرار القطاع السياحي. ومن هنا، يبدو أن التنظيم يحاول عبر هذه النوعية من الهجمات عرقلة الجهود المبذولة لتكريس حالة من الاستقرار، على المستويين الأمني والاقتصادي، قبل إجراء الانتخابات. أحداث الساحة الليبية كما أنه لم تستبعد اتجاهات عديدة أن يكون الهجومان مرتبطين بالتطورات الميدانية التي تشهدها الساحة الليبية تحديدًا، لاسيما فيما يتعلق بالعملية العسكرية التي يشنها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر والرامية إلى مكافحة التنظيمات الإرهابية وطردها من العاصمة طرابلس. وقد كان لافتًا، على سبيل المثال، أن السلطات التونسية أبدت اهتمامًا خاصًا بالتقارير التي أشارت إلى احتمال وجود زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي على الأراضي الليبية، حيث رفعت مستوى إجراءاتها الأمنية على الحدود مع ليبيا تحسبًا لاحتمال انتقال أى من عناصر التنظيم إلى داخل أراضيها على ضوء العمليات العسكرية التي تجري على الساحة الليبية. احتمالية وقوع هجمات إرهابية ووجهت قوى دولية عديدة تحذيرات من احتمال وقوع هجمات إرهابية بالتزامن مع اتساع نطاق المواجهات المسلحة في ليبيا، على غرار بريطانيا، التي وجهت في 24 مارس 2019، تحذيرات إلى رعاياها من السفر إلى ليبيا، وهو ما أقدمت عليه دول أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا. وبالتوازي مع ذلك، أعلنت السفارة الأمريكية في تونس، في أول يوليو الجاري، إغلاق أبوابها أمام العموم باستثناء الخدمات العاجلة تحسبا لوقوع عمليات إرهابية جديدة، وهو ما يعود في قسم منه، إلى أن ثمة قلقًا لدى واشنطن من أن التنظيمات الإرهابية قد تحاول استغلال الظروف الحالية لتكرار ما حدث في 14 سبتمبر 2012، عندما اقتحم بعض عناصر تنظيم "أنصار الشريعة" السفارة احتجاجا على عرض فيلم "برسيبوليس"، حيث تعرض قسم من المبنى للاحتراق والتخريب. تصاعد حدة المواجهات كما أن ذلك لا ينفصل بدوره عن تصاعد حدة المواجهات المسلحة بين التنظيمات الإرهابية والقوات المحلية والدولية الموجودة في بعض دول منطقة الساحل والصحراء، خاصة بعد أن حاولت الأولى توسيع نطاق نشاطها ونقله إلى دول ومناطق أخرى في الفترة الأخيرة، وهو ما ردت عليه القوات المحلية والدولية بتوجيه ضربات قوية لها، على نحو ما حدث عندما قامت قوة "غرب إفريقيا" بقتل 42 عنصرًا من "داعش" في منطقة بحيرة تشاد، في 21 يونيو الماضي. وأيضا ألقى الهجومان الأخيران الضوء على قضية العناصر المتطرفة التي تحاول الانتقال إلى سوريا للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية التي ما زالت تنشط هناك، وهى القضية التي تصاعد الجدل بشأنها، بعد أن تحولت تونس إلى إحدى الدول التي ينتقل بعض مواطنوها إلى سوريا على مدى الأعوام الثمانية الماضية، ففي هذا السياق، أعلنت السلطات التونسية أن منفذ الهجوم على وحدة مكافحة الإرهاب معروف بتوجهاته المتطرفة وحاول السفر إلى سوريا للانضمام للتنظيمات الإرهابية هناك، إلا أن أجهزة الأمن ألقت القبض عليه وقامت بإيقافه، حتى تم إخلاء سبيله من قبل القضاء لعدم كفاية أدلة الإدانة التي قدمت ضده. استهداف مؤسسات الدولة وحول استهداف مؤسسات الدولة، فكان لافتًا أن الهجوم الأول استهدف سيارة شرطة بلدية بين شارعى شارل ديجول وفرنسا بوسط العاصمة، فيما تم تنفيذ الهجوم الثاني بعد دقائق في محيط مقر فرقة مكافحة الإرهاب بمنطقة القرجاني، وهى من المراكز السيادية الأمنية. ومن دون شك، فإن ذلك يعني في المقام الأول أن "داعش" يمنح الأولوية في الوقت الحالي لاستهداف المؤسسات الرئيسية في الدولة، خاصة المكلفة بالعمل على مكافحة نشاطه. وهنا، فإن التنظيم يحاول عبر ذلك استعراض إمكانياته والترويج لمزاعم تفيد أن لديه القدرة على استهداف "هيبة" الدولة. وبدأ "داعش" يعتمد على الفروع والمجموعات الإرهابية الموالية له، ومنها تنظيم "جند الخلافة" في تونس، الذي يستمد قسمًا كبيرًا من نشاطه خلال الفترة الأخيرة من العمليات التي يقوم بها تنظيم "داعش في الساحل والصحراء" الذي يقوده أبو الوليد الصحراوي. وكان لافتًا أن ملف تونس كان أحد الملفات التي ظهرت في التسجيل المصور لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، في 29 إبريل 2019، على نحو يشير إلى الأهمية التي يبديها التنظيم لتوسيع نطاق نشاطه في بعض دول شمال إفريقيا. وعلى ضوء هذه المعطيات، تواصل جهات عديدة إطلاق تحذيراتها من إمكانية تعرض تونس لعمليات إرهابية مشابهة خلال المرحلة القادمة، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية، وسعى التنظيم إلى تعزيز نشاطه في مناطق بديلة عن تلك التي منى فيها بخسائر بشرية ومادية غير هينة.