اهم الاخبار
الخميس 28 مارس 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

فخ الجحيم ينتظر مراكز إيواء اللاجئين الفارين من بؤر الصراعات العربية

مراكز الإيواء في
مراكز الإيواء في ليبيا

- استهداف المهاجرين المدنيين في ليبيا مؤشر خطير - غياب الرقابة عن مراكز الإيواء ينذر بكارثة   الأحداث لا تنتهي أبدا في المنطقة العربية والصراعات باتت عادة في السنوات الثمانية الأخيرة عقب الأحداث والثورات التي شملت معظم البلاد العربية، ولابد أن يكون هناك تأثيرات على تلك الدول التي شهدت هذه الأحداث والثورات خلال تلك الفترة. وتواجه مراكز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين والمهاجرين من بؤر الصراعات المسلحة العربية، وخاصة في ليبيا وسوريا، حزمة من المشكلات، التي تؤثر على أداء عملها، مثل استهداف المهاجرين المدنيين بغارات جوية من قبل أحد أطراف تلك الصراعات، خاصة مع تصاعد وتيرة الحرب بينها، والاحتجاز من قبل الميلشيات المسلحة والجماعات المتطرفة والعصابات الإجرامية، وغياب الرقابة الدورية عن بعض تلك المراكز مما يسهل من ارتكاب انتهاكات ضد اللاجئين، وتعزيز مصالح الأطراف الخارجية في الدول العربية التي مزقتها الصراعات التي لا يوجد مؤشرات دالة على توقفها أو الحد من تأثيراتها التي تشبه "كرة النار". وتتمثل أبرز التحديات التي يتعرض لها اللاجئون والمهاجرون غير الشرعيين في مراكز الإيواء، للفرار من نيران الصراعات المسلحة العربية، في: دوامة العنف الاستهداف من قبل أحد أطراف الصراعات المسلحة بغارات جوية: على نحو ما عكسه – وفقًا لما ذكره محمود الطوبر، مدير مكتب الإعلام والتوثيق بجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية بضاحية تاجوراء- مقتل 46 مهاجرًا وجرح أكثر من 88 آخرين، معظمهم أفارقة، بعد الغارة التي استهدفت، في 3 يوليو الجاري، مركزًا للمهاجرين غير الشرعيين في مدينة تاجوراء القريبة من وسط العاصمة الليبية طرابلس، وتبادل طرفا الصراع الليبي الاتهام بشأن المسئولية عن ذلك. وفي هذا السياق، تزايدت الانتقادات الدولية والإقليمية الصادرة عن منظمات متخصصة من مناطق جغرافية مختلفة لما حدث، حيث عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن غضبه ودعا إلى إجراء تحقيق مستقل، واعتبر المبعوث الأممي لشئون ليبيا غسان سلامة أن هذا القصف يرقى إلى جريمة حرب، إذ طال أبرياء آمنين شاءت ظروفهم القاسية أن يكونوا في ذلك المأوى. كما دعا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي إلى محاسبة المسئولين عن هذه الجريمة، ورأى الاتحاد الأوروبي في بيان مشترك لفيديريكا موغيريني الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد وجامعة الدول العربية أن الهجوم يشكل دلالة إضافية على التكلفة البشرية الباهظة للصراع الدائر في ليبيا، ويسلط الضوء على هشاشة وضع المهاجرين العالقين في هذا البلد، الذين وجدوا أنفسهم أسرى دوامة العنف. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها الاعتداء بالقصف على مركز الإيواء الذي يحتجز فيه قرابة 600 مهاجر، بل هى الثانية، طبقًا لما ذكرته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "انسميل"/ فقد حدث استهداف للمركز نفسه في مارس 2019، وتمخض عنه عشرات القتلى والجرحى، وفي الحالتين، أخفق مجلس الأمن في التوصل لإصدار بيان بشأن قصف المركز، واقتصر دوره على التنديد دون التجريم نظرا لما أعلنه بأنه لا يمكن التحقق من الجهة المسئولة عن قصف مركز المهاجرين في ليبيا بعد. الجيوش الموازية الاحتجاز من قبل الميلشيات المسلحة والجماعات المتطرفة والعصابات الإجرامية، وهو ما ينطبق بدرجة كبيرة على المهاجرين غير النظاميين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط، حيث يقعوا، في بعض الأحيان، تحت سيطرة الجماعات المسلحة التي تنشط في بعض الأقاليم والمناطق داخل ليبيا بعد انهيار نظام معمر القذافي في عام 2011، إذ يتم احتجاز المهاجرين بشكل تعسفي بدون تسجيل رسمي أو ضمان احتجاز الإناث بشكل منفصل عن الذكور. وتشير بعض التقارير الإعلامية إلى أنه قد يتم احتجاز المهاجرين في مراكز إيواء مؤقتة يقوم فيها المهربون وتجار البشر باحتجازهم أثناء عبورهم قبل نقلهم إلى الموقع التالي، وقد يتم استخدام المزارع والمخازن والمنازل والشقق التي تتولى الجماعات المسلحة تأمينها لهذا الغرض. أوضاع مأساوية غياب الرقابة الدورية عن بعض تلك المراكز: بشكل يسمح بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين. بعبارة أخرى، لم يقتصر العنف الذي تتم ممارسته ضد المهاجرين واللاجئين على الغارات الجوية بل يشمل أبعادًا أخرى تتمثل في التعرض للتعذيب والقتل، وعدم توافر المياه النقية والغذاء المناسب، فضلاً عن عدم توافر العلاج في غالبية الحالات، وهو ما يعكس الأوضاع المأساوية التي يواجهها اللاجئون. وفي هذا السياق، دعت ميشال باشيليت، المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في 3 يوليو الجاري، إلى إغلاق مراكز احتجاز المهاجرين في ليبيا، حيث وثّق موظفو حقوق الإنسان، التابعون للأمم المتحدة، ظروف الاكتظاظ الشديد والتعذيب وسوء المعاملة، والعمل القسري والاغتصاب وسوء التغذية الحاد، من بين انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة الأخرى، مطالبة بإطلاق المهاجرين واللاجئين المحتجزين بوصفه مسألة عاجلة، وتمكينهم من الحصول على الحماية الإنسانية أو الملاجئ الجماعية، أو غيرها من الأماكن الآمنة، بعيدًا عن المناطق التي يحتمل أن تتأثر بالأعمال العدائية. واللافت للنظر أن القوات الموالية لحكومة الوفاق تقوم بتخزين أسلحتها بشكل متعمد بجوار أهداف مدنية كالمساجد والجامعات والمستشفيات بهدف منح الحماية لتلك الأسلحة والمعدات على نحو يمثل خطرًا على أرواح المدنيين، وعبرت الأمم المتحدة عن قلقها أكثر من مرة بشأن المهاجرين واللاجئين المعرضين للخطر لوجودهم في مراكز إيواء قرب مناطق المعارك المستمرة في جنوب طرابلس. تسييس المساعدات تعزيز مصالح الأطراف الخارجية في الدول العربية التي مزقتها الصراعات، وهو ما ينطبق على روسيا، على سبيل المثال، التي تدخلت في مسار الصراع السوري لصالح دعم بقاء نظام بشار الأسد، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان أصدرته في 18 يوليو 2018، أنه في إطار الجهود الدولية لمساعدة اللاجئين السوريين للعودة إلى أماكن إقامتهم الدائمة أسس الاتحاد الروسي، بالتنسيق مع قيادة الجمهورية العربية السورية، على أراضي سوريا، مركز استقبال وتوزيع وإيواء اللاجئين. وطبقًا للبيان، فإن المهام التي يقوم بها المركز تتمثل في الآتي: مراقبة إعادة جميع النازحين واللاجئين السوريين من الدول الأجنبية إلى مواقع إقامتهم الدائمة، وتنظيم إيصال المساعدات الإنسانية والمستلزمات الأساسية ومواد البناء والاحتياجات المادية الضرورية، بما في ذلك من الدول الأجنبية، إلى سوريا، وتسليمها للسكان، فضلاً عن مساعدة السلطات السورية في إحياء نظام الرعاية الصحية والخدمات العامة الأخرى، وحل القضايا الأخرى المتعلقة بمساعدة عودة اللاجئين وضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية. وأُسس في موسكو مكتب مشترك لوزارتى الدفاع والخارجية الروسيتين لتنسيق عمل المركز، بحيث تتم عودة اللاجئين السوريين عبر القنوات الدبلوماسية ممثلة في السفارات الروسية في 36 دولة تستضيف العدد الأكبر من اللاجئين، ووفقًا لوزارة الدفاع الروسية، تم إعداد مراكز لاستضافة 336500 لاجئ سوري على أراضي البلاد، منهم 73600 في محافظة ريف دمشق، و134350 في محافظة حلب، و64000 في محافظة حمص، و10600 في حماة، و45000 في دير الزور، و8950 في القلمون الشرقي. ومن الواضح أن هذا الدور يعزز المصالح الاستراتيجية لروسيا، سواء العسكرية أو الاقتصادية، في البقاء في سوريا لفترة طويلة، أكثر مما يعبر عن مراعاة وتوفيق أوضاع اللاجئين. ولا ينفصل عن ذلك الدور الذي يقوم به مركز "المصالحات" الروسي في سوريا، على نحو ما أشارت إليه عدة وسائل إعلامية عربية في 30 يونيو 2019، بتوزيع مساعدات على لاجئين خرجوا من منطقة خفض التصعيد في إدلب، واستقبلهم مركز إيواء اللاجئين في محافظة طرطوس التي يسيطر عليها النظام السوري. فنجحت روسيا عبر إطلاق حملات إعلامية قبل العمليات العسكرية في إخراج بعض المدنيين عبر "الممرات الإنسانية"، وهو ما ساهم في استعادة النظام السوري السيطرة على مناطق عدة، غير أنه لا يتوقع تكرار السيناريو نفسه في إدلب التي يوجد بها ثلاثة ملايين مواطن ولاجئ من مدن ومناطق سورية، بينهم مليون طفل حسب بعض التقديرات. فخ الجحيم وخلاصة القول، إن استمرار القتال وانعدام الأمن في بؤر الصراعات المسلحة العربية، على مدى يتجاوز الثماني سنوات، سيساهم في تصاعد حدة المشكلات التي يواجهها اللاجئون والمهاجرون الفارون منها، والوقوع في "فخ الجحيم" على أيدي الجماعات الإجرامية والميلشيات المسلحة، وما يرتبط بذلك من احتجاز تعسفي وتعذيب واغتصاب وعنف وعمل جبري، فضلاً عن عمليات القتل عبر الغارات الجوية، على نحو ما جرى مؤخرًا في تاجوراء بليبيا، والتي لم تستطع المنظمة الدولية للهجرة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشئون اللاجئين وغيرها من الوكالات والمنظمات غير الحكومية والقوى الدولية الكبرى منعها أو حتى الحد منها.