اهم الاخبار
الأربعاء 24 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

المسلسل التركي "الطفل"..حبكة درامية متماسكة تناقش قضية انسانية..فهل يشبه مسلسل "لا تبكي يا أمي" ؟

المسلسل التركي "الطفل" دراما قوية و رائعة ويمتاز عن غيره من المسلسلات التركية بالحبكة الدرامية المميزة و المتماسكة، و بعيد كل البعد عن الرومانسية البحتة التي مل منها المشاهد التركي و العربي، فهو دراما اجتماعية بحتة و يناقش إحدى أهم القضايا الاجتماعية و الانسانية الأذلية و التي ليس لها أي اجابة واضحة و محددة حتى الآن، فمن هي الأم، هل الأم التي تربي أم التي تنجب ؟

من هو الأب..الذي يعلم و يشارك طفله كل شيء منذ لحظة ولادته، أم الأب الذي انجب فقط ؟

من لديه الحق في هذا الابن، هل الاب و الأم الذين حرما من ابنهما، و يريدون تعويض كل ما مضى أم الاب و الام الذين ربوا و علموا، و شاركوا طفلهم كل لحظات حياته حلوها و مرها، الجميع يتشاجر من أجل الحصول على الطفل، و لكن لا أحد يضع في حسبانه ما يرغبه هذا الطفل، فهو يريد من  ؟ يفضل العيش مع من؟

هذا الطفل الذي يعاني تجاهل والدته التي ربته فاصبح عنيفاً مع زملائه في المدرسة، كل ما يتمناه ان تعطيه والدته نصف اهتمامها بأخيه، يحاول ارضائها بأي طريقة و يظن انها تعامله هكذا لأنها غاضبة  منه، طفل برئ كان لا أحد يريده في البداية فوالدته التي انجبته باعته، و والدته التي ربته، كادت تقتله للتخلص منه، و لكن بعدما انكشفت الحقائق أصبح الكل يريده، و يتشاجر الجميع ليمتلكه، ليس من أجله أو من أجل مصلحته، و لكن من أجل ارضاء غروره و انانيته.

عن نفسي فأنا افضل تلك النوعيات الدرامية التي تستهويني و أجدني مولعة بها و بالحيرة التي تناتبني اثناء مشاهدة الحلقات، حيث يجد المشاهد نفسه غير قادر على التعاطف مع أي شخصية بنسبة مائة في المائة، و لا يفقد تعاطفه مع أي شخصية بنسبة مائة في المائة، فالجميع على حق و الجميع له منطقه و مبرره المقنع من وجهة نظره، الجميع له عذره الصادق و المقبول، و حق فيما يقول.

فعلي كمال محق للغاية في منطقه و وجهة نظره في الاحتفاظ بالطفل، لان معرفته الحقيقة في هذا الوقت سيتسبب له في صدمة كبيرة، خاصة و انه حالياً نفسيته ليست مستقرة، بسبب جفاء والدته معه، كما ان انتقاله من المستوى الفاخر في المعيشة الذي اعتاد عليه، إلى المستوى المنخفض فجأة و مرة واحدة، و احتياجه الضروري لبعض الاشياء التي لن يستطيع والده الحقيقي التكفل بها، سيترك  في نفس الطفل اثر وبصمة تزيد من تحطيم نفسيته، كذلك علي كمال يحب الطفل من كل قلبه حباً صادقاً و يعمل لصالحه و هو لم يكن يعرف بالحقيقة منذ البداية و تعلق بالطفل تعلقاً كبيراً، ما يجعله معذوراً بعض الشيء في تصرفاته القاسية من شقيقه حسن..و لكن ماذا عن الطفل ؟

 كما أن حسن ايضاً محق، فمن الأفضل للطفل أن يعرف  الحقيقة الآن، كي يعتاد عليها منذ صغره و يتقبلها سريعاً، فالأطفال يعتادون سريعاً، و كلما مر الوقت يكون الاعتراف بالحقيقة اصعب و تقبلها أكثر استحالة، كما أن حسن لم يكن يعرف بوجود  الطفل من الاساس، و ليس ذنبه التخلي عن ابنه، فهو الآن يستحق التعويض على كل ما عاشه من ظلم، و يستحق أن يعرفه ابنه و يقول له : "ابي"..و لكن ماذا عن الطفل ؟

 قد يكون جميع الشخصيات النسائية في هذا المسلسل هم الأكثر ظلماً، فالسيدة اسيا اخطأت، و حاولت تدارك هذا الخطأ، و لكنها تسببت في تفاقمه، تسببت في كارثة، ظلمت ابنها حسن حين تركته و تخلت  عنه في طفولته، و ظلمت ابنها علي كمال حين جعلته يتعلق بطفل ليس منه و اخفت عنه الحقيقة، و ظلمت هذا الطفل الحائر المسكين حين وضعته في هذا الموقف و عرضته لتلك الصدمة، و لكننا ايضاً قد نلتمس لها العذر بعض الشيء كونها كانت مجبرة على ذلك، حين أخذ والدها طفلها من بين ايديها، و اخفاه عنها لسنوات.

أما أكشا التي انجبت ايفة فهي التي تسببت في كل هذا حين ظنت أن أي أمرأة أخرى قد تكون أحن على طفلها منها، و لكننا أيضاً نلتمس لها العذر كونها كانت ابنة الـ 17 و لم تعي جيداً عواقب الأمور، كما انها كانت وحيدة في هذا الوقت و غير متزوجة و تسكن في حي شعبي ما يعني أنها كانت ستتعرض لفضيحة كبيرة إذا اعلنت عن وجود طفل غير شرعي لها، كما ان والده لم  يكن مصدقاً حينها أن هذا الطفل منه.

و أخيراً شولة هي الوحيدة التي ليست معذورة فيما تفعله مع الطفل ايفة، فإذا كانت معذورة في تفضيل ابنها على ابن غيرها، فالام غير الأب، لا يمكن أن تنظر لأي طفل نفس نظرتها لطفلها، إلا إذا كانت لا تنجب، و لكنها ليست محقة بالطبع في كونها حاولت ترك الطفل للموت، و معاملته بقسوة.

و لكن ماذا عن الطفل ؟ الطفل الذي انكسر من رؤية والدته تحتضن أخيه و لا تراه هو، و بالمناسبة هذا الطفل سيصبح نجماً بارعاً فيكفي نظراته المعبرة و تمكنه من أداء الدور، فنظرة الانكسار في عينيه أذرفت الدموع في عيني من شدة تأثري بأدائه و مدى شعوره بالقهر من معاملة والدته القاسية، و التي لا يعرف لها سبب.

من مميزات المسلسل أن تصاعد الأحداث به منطقياً فالكاتب يمتلك مهارة عالية و احترافية و متقن للتفاصيل بشكل كبير ، فالأحداث ليس بها أي ملل، و لا  يوجد أي تفصيلة ليست ضرورية، فكل مشهد ضرورياً لبناء العلاقات و تأسيسها، و رغم ان الحلقة الـ 11 كانت خالية من الأحداث تقريباً، فيما عدا الدقائق الأخيرة الذي قام حسن فيها بالابلاغ عن مراد، إلا أنها كانت حلقة  مسلية و مثيرة و لم يستطع المشاهد حذف أي مشهد منها، و  ينتظر المشاهدين الحلقات القادمة على أحر من الجمر.

ذكرنا في بداية المقال أن المسلسل يطرح تساؤل أذلي ليس له اجابة حتى الآن، و لكن المسلسل تقريباً أجاب على هذا التساؤل بشكل غير مباشر، فالسؤال هو :"من هم الاب و الأم ؟ هل من انجب أم من ربى و علم".

الاجابة ليس لها مقياس، لأنها تختلف من انسان لآخر، من تفكير لآخر، من عقل لآخر، و من قلب لآخر، فنجد أن شولة التي ربت  الطفل و تعلقت به، اصبحت لا تتحمل وجوده بعدما من عليها الله بطفل آخر، و لكن كان تصرف علي كمال مختلف تماماً حين عرف أن ايفة ليس ابنه، فظل يحبه كما كان في السابق و لم يستطع أن يفرط به أو يعطيه لوالده الحقيقي، لم يفرق بينه و بين ابنه الحقيقي، حتى حين وضع حسن الطفلين ايفه و بوراك  في كفة واحدة و خير علي كمال بينهم، رفض علي كمال الاختيار بينهم و لم يضحي بايفة من أجل ابنه الحقيقي، فالاثنين لديه في معزة واحدة و كفة واحدة.

و لكن وراء تمسك كلاً منهم بالطفل غرض شخصي بعيداً كل البعد عن مصلحة الطفل، فحسن و أكشا يريدون تعويض انفسهم عن الحرمان من طفلهم، لا يتحملون ان يقول لغيرهم امي و أبي، أما علي كمال فقد  يكون الاقل انانية بينهم و لكنه لا يخاف على مصلحة الطفل فقط، بل هو ايضاً اعتاد عليه و لا يستطيع أن يفارقه، يخاف من ألم الفراق للطفل الذي رباه خمس سنوات، لا يستطيع التضحية بمجهوده طوال خمس سنوات، يشعر أنه فقط يستحق كلمة ابي بعد تعبه مع الطفل طوال الخمس سنوات تكريماً له على مجهوده و تعبه، لا يمكن لشقيقه أن يأخذ الطفل "على الجاهز" كما يقولون بالعامية، و السيدة اسيا تتمسك به للتكفير عن ذنبها في تخليها عن ابنها لتعوض الخطأ مع حفيدها، اما شولة فهي لا تتمسك بالطفل و تريد ابعاده عن البيت و لا تتحمل وجوده، تشعر أن زوجها علي كمال من حقها هي و طفلها فقط، و لا تريد أن يشاركها أحد في حبه و حنانه، لذلك هذا الطفل البريء يفسد راحتها.

و لكن ماذا عن الطفل؟ اين مصلحته ؟ هذا هو التساؤل الحقيقي الذي سيجيب عليه المسلسل في حلقاته القادمة، و لكني افضل ان يعرف الطفل الحقيقة و يتركونه ليختار مع من يعيش.

تداول بعض النشطاء عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أن قصة مسلسل "الطفل"  متشابهة إلى حد ما مع مسلسل "لا تبكي يا أمي" من بطولة بيرجي أكلاي، و لكن هذا الأمر غير صحيح بالمرة، فالأحداث مختلفة تماماً و المسلسلان لا يتشابهان في أي شيء سوى فقط مناقشتهم لنفس القضية و طرحهم لنفس السؤال..فهل العائلة الحقيقية هي من ربت و علمت أم من انجبت ؟

داليا محمد

اقرأ ايضاً:

الحلقة السابعة من المسلسل التركي “الطفل”..أحداث مكدسة بمثابة مسلسل كامل

اشادات واسعة بالمسلسل التركي “لا تبكي يا امي” رغم انخفاض نسب المشاهدة

المسلسل التركي “الطفل”..دراما غير تقليدية لفتت لها الانظار