اهم الاخبار
الإثنين 06 مايو 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

المسلسل العربي "الآنسة فرح"..اقتباس بدون وعي.. فن يبكي و لا يضحك

مسلسل الآنسة فرح
مسلسل الآنسة فرح

اعتاد الفن المصري تقديم اعمال درامية و سينمائية مقتبسة من اعمال فنية اجنبية و هذا الأمر ليس عيباً فهوليوود نفسها تقتبس الكثير من الأعمال الفنية و تقديمها في نسخ امريكية،  الاقتباس في السينما المصرية أمر ليس بالجديد بداية من فيلم "نهر الحب" مروراً بافلام الفنان عادل امام و الذي كانت معظم افلامه مقتبسة من افلام اجنبية منها «البحث عن فضيحة»  المقتبس عن «A Guide for the Married Man" و "سلام يا صاحبي" المأخوذ عن الفيلم الامريكي " borsalino " و فيلم "عصابة حمادة وتوتو" المأخوذ عن فيلم " fun with dick and jane".

و صولاً إلى افلام "جوازة ميري" المأخوذ عن فيلم "this means war" و فيلم «جيم أوفر» المقتبس عن monster in low و كان الفن المصري يكتفي بالدراما التي تتمتع بالأصالة و بها الروح المصرية الاصيلة، فمن ينسى مسلسل "الشهد و الدموع" و "ليالي الحلمية" و "المال و البنون" و "الضوء الشارد" و "رأفت الهجان" و "حياة الجوهري" و "نصف ربيع الآخر" و "عائلة الحاج متولي " و "و لن اعيش  في جلباب أبي" و "اين قلبي"، كل هذه أعمال ستظل و ستبقى محفورة في ذاكرة المشاهد العربي، حيث كانت تخلو شوارع المنطقة العربية بأكملها من المارة وقت عرض حلقات تلك الأعمال و التحف الفنية.

و لكن شيئاً فشيئاً بدأت تقل سطوة الدراما المصرية، و بدأ ينافسها بعض الأعمال الأخرى و تأخذ من انفرادها بالساحة الفنية العربية، مثل الدراما المكسيكسية المدبلجة و حالياً التركية المدبلجة، و ظلت مجموعة قنوات  "الأم بي سي" و هي أهم شبكة قنوات فضائية متخصصة في بث المسلسلات العربية تعتمد على المسلسلات التركية المدبلجة وحدها، متخلية عن المسلسلات المصرية و  العربية، التي كانت تدفع ملايين لشراء حقوق عرضها، فيما كانت المسلسلات التركية بعد دبلجتها اقل تكلفة بكثير من المسلسلات العربية و لم تصل إلى 10 في المائة من سعر المسلسلات العربية حتى بعدما وصلت لأعلى سعر لها قبل وقف بثها نهائياً.

و في فترة عرض المسلسلات التركية على قناة الام بي سي بشكل حصري حظت القناة بنسب مشاهدات مهولة و اعلانات لا حصر لها متفوقة على جميع القنوات، و لكن بعد وقف عرض المسلسلات التركية، خسرت القناة عدد كبير و ضحم من متابيعها، و مشاهديها و تساوت مع جميع القنوات من حيث المحتوى التي تعرضه للمتلقى بعدما انفردت لاعوام بكل ما هو جديد و حصري من المسلسلات التركية التي جذبت المشاهدين لمتابعتها، فحاولت استقطاب المشاهدين بأعمال جديدة تُعرض حصرياً عليها منها "سابع جار" و  "انا شهيرة..انا الخائن" و "الشارع اللي ورانا" و لكن للاسف لم تستطع تلك المسلسلات جذب المشاهدين بالقدر الكافي الذي يجعل القناة تسترد صدارتها و تفوقها على جميع القنوات المنافسة.

فالتجأت مجدداً إلى الدراما التركية و الأجنبية و لكن  بشكل غير مباشر، حيث بدأت السير في اتجاه الاقتباس و تقديم عدد من المسلسلات المأخوذة من الفرومات الأجنبي، و بدأ هذا الاتجاه منذ عدة سنوات بداية من مسلسل "طريقي" الذي حقق نجاحاً كبيراً تلاه "جراند أوتيل" الذي حقق نجاحاً فاق نجاح مسلسل "طريقي" ثم "حلاوة الدنيا" ثم "ليالي أوجيني" و "هبة رجل الغراب" و اخيراً "زي الشمس" الذي حقق نجاحاً كبيراً ايضاً.

و تميزت أعمال تامر حبيب (طريقي و جراند أوتيل و حلاوة الدنيا و ليالي أوجيني) بالاختيار الصائب للموضعات التي يمكن تمصيرها، و اقتباس الفكرة الرئيسية فقط ، و تقديمها برؤية فنية جديدة، فيما كان مسلسل "زي الشمس" مأخوذ بشكل حرفي و تفصيلي من النسخة الايطالية للعمل.

و حين وجدت قنوات الام بي سي أن هذا الاتجاه يحقق نجاحاً باعتبار أن المشاهد العربي يعاني من عقدة الخواجة و يميل لمشاهدة كل ما هو أجنبي أو مقتبس عنه،  فقررت القناة السير في هذا الطريق، و بدأ الأمر بتقديم مسلسل "طلعت روحي" و  هو النسخة العربية من المسلسل الأمريكي و  «Drop Dead Diva»، و حقق المسلسل نجاحاً جيداً، ثم اقتبست عن الدراما التركية، كون أفكار الدراما الأمريكية  يصعب تقبلها في المجتمع المصري  و العربي، فقدمت القناة اقتباسها الثاني و هو مسلسل "عروس بيروت" المأخوذ عن الدراما التركية الشهيرة "عروس اسطنبول" و لكنه لم يكن اقتباساَ، كان نسخ حرفي، فأماكن التصوير و السيناريو و الحوار و كل العناصر كانت نسخة طبق الأصل، فقط اختلفت الوجوه المؤدية، ما عرض المسلسل لانتقادات لاذعة و رغم ذلك إلا انه شهد نسب مشاهدات مهولة، و كان دائماً  ما يتصدر لمحركات البحث في دولة السعودية بشكل يومي، ثم قدمت عملها المقتبس الثاني عن الدراما الأمريكية و هو مسلسل "الآنسة فرح" و المقتبس عن "Jane The Virgin"، و تردد بعض الاخبار التي تفيد باقتباس المسلسل التركي "حب ابيض و اسود" و تقديمه في  نسخة عربية لعرضها عبر القناة عقب الانتهاء من عرض جميع اجزاء "الأنسة فرح" و الجزء الثاني من "عروس بيروت".

لماذا إذاً اصبحت الأعمال المقتبسة عن دراما اجنبية هي التي تضمن نسب المشاهدات و الاعلانات على القناة العارضة؟ هل افتقد كتابنا و  مؤلفينا الفكر و الابداع؟

 ألم تمتلأ رفوف المكتبات بالروايات الرائعة، و لا تجد من يقرأها؟  لماذا لا نقتبس من ثقافتنا و تراثنا الزاخر بكل ما هو مميز و ثري، و هو الامر المضمون النجاح بعد النجاح الباهر للتجارب القليلة في الدراما و السينما التي  تم الاعتماد فيها على أعمال روائية عربية رائعة منها أفلام "الفيل الأزرق" و "هيبتا" و "تراب الماس"  و مسلسلات "موجة حارة" "اريد رجلاً"، و "واحة الغروب" و "افراح القبة" و غيرها.

مسلسل "الآنسة فرح" يمكن أن يتم تناول قضيته و فكرته الاساسية و لكن في قالب درامي مختلف تماماً عن ما قُدم به، فربما تناولته الدراما الامريكية في هذا القالب الكوميدي لانه قليلاً ما نجد فتاة من ثقافة غربية و تحافظ على  نفسها بهذا الاصرار، ما يجعلها متحفظة في تصرفاتها كثيراً حتى مع خطيبها.

 و لكن كيف يكون الأمر ذاته مقبولاً وسط مجتمع شرقي يحافظ على العادات و التقاليد، لنجد أن شخصية طارق / محمد الكيلاني استقبل خبر حمل خطيبته من رجل آخر و زواجها منه برد فعل غير مناسب على الاطلاق  لحجم الحدث الجلل و الذي يُعد في مجتمعاتنا الشرقية كارثة بكل المقاييس، كذلك  رد فعل الأم والجدة (رانيا يوسف وعارفة عبد الرسول) عند معرفتهم بحمل فرح الخاطئ، إذ كان انزعاجهم بسيطاً، غريباً أو متساهلاً لدرجة لا يمكن  ان تتقبل بها أم و جدة هذا الخبر من ابنتهم.

فالمسلسل يرسخ عن قصد أفكاراً غربية دخيلة على الثقافة العربية، ويجعل أمر الحدث الجلل بسيطاً، ليفتت العادات العربية ويجعلها أكثر انفتاحاً.

فإذا تصورنا أن هذا الخطأ  الطبي الفادح  حدث بالفعل في الواقع، هل سيكون رد فعل جميع من حول الضحية هكذا بسيطاً و عادياً و سيتقبلون حملها بهذا الشكل على رأسهم خطيبها، و هل سيكون رد فعل الفتاة العذراء هكذا عادياً و ستتأقلم سريعاً مع وضعها الجديد و تتقبله، بل و ستتخذ قرار بالاحتفاظ  بالجنين و تفسد حياتها مع الرجل الذي تحبه و تستعد للزواج به من اجل رجل آخر لا تعرفه.

كذلك كيف يمكن أن تكون المعلومات الدينية التي يتم عرضها على شاشة التلفاز منعدمة هكذا، فكيف لفرح أن تتخذ قرار الزواج من طارق عقب ثلاثة اشهر فقط  من طلاقها، و تقول بمنتهى البساطة ساتزوج من طارق بعد انتهاء فترة العدة، فكيف لا يعرف القائمين على العمل ان عدة المرأة الحامل تنتهي بعد انجابها أي بعد 9 أشهر و ليس ثلاث، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، ، كيف تكون ابسط قواعد الثقافة الدينية مضمحلة بهذا الشكل السيء و الرديء.

كل هذا فضلاً عن الأداء الباهت لجميع الشخصيات و السيناريو الذي لم يبذلا فيه الكاتبين  محمود عزت و عمرو مدحت أي مجهود و لم يضيفا أي اضافات بل كان مجرد نسخة مترجمة من السيناريو الأصلي، بنفس الملابس و الديكورات.

كما أن الموضوع لا يتحمل أي كوميديا، لأنه مأساة حقيقية بكل المقاييس، الأمر لا يمكن أخذه بهذه البساطة فهذا شرف انثى و ستكون هي المدانة حتى تستطيع اثبات برائتها من هذا الذنب الذي لم ترتكبه، أنا لا أدين أي فتاة قد تتعرض لهذا الوضع و لكن المجتمع هو من سيدينها مما لا شك فيه، و كان على المسلسل عرض القضية على هذا النحو، و يُفضل أن تكون اسرة الفتاة من الصعيد الذين يتمسكون بالعادات بحدة أكثر، بل و أي مساس بشرف الابنة لديهم قد يعرضها للقتل، كنت أفضل أن يعرض المسلسل إلى أي مدى ممكن أن يتسبب الاهمال الطبي و يعرض فتاة بريئة للاتهام في شرفها دون أن ترتكب أي ذنب أو جريرة، فالاهمال الطبي الجثيم الذي نراه كل يوم في المستشفيات من الاطباء و القائمين على مسألة الرعاية الصحية للمدنيين أمر ليس بالهين، بل يبكي العين و لا يثير الضحكات، فهذا توفى نتيجة جرعة دواء خاطئة، و هذا اصيب بعاهة مستديمة و هذا سُرقت إحدى اعضائه، و هذا اصيب بالايديز من تلوث دماء المستشفيات.

شرف المرأة و الاهمال الطبي قضيتان لا تقل إحدهما حساسية عن الأخرى و كان على العمل التصدي للأمر و معالجته بجدية أكثر .

داليا محمد

اقرأ ايضاً:

تعرف على تفاصيل وموعد عرض مسلسل الآنسة فرح لرانيا يوسف