اهم الاخبار
الجمعة 19 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

الفن

60 عام بين بنات ثانوي و المراهقات..هل مازالت كما هي مشكلات الفتيات ؟

بنات ثانوي / المراهقات
بنات ثانوي / المراهقات

فيلم بنات ثانوي - قبل 60 عام و تحديداً في عام 1960 قدمت السينما المصرية فيلماً رائعاً بعنوان "المراهقات"، من بطولة ماجدة الصباحي  و رشدي اباظة و زيزي مصطفى و عدد آخر من النجوم.

فيلم "المراهقات " مشبع  بالأحداث الدامية التي تخاطب القلوب، والمبالغات في كلا الطرفين، الخير والشر، النهاية الفاجعة للبطلة الثانية والنهاية السعيدة للبطلة الأولى، عالم المراهقات بين المحافظات والمتحررات، التي أحبت بشكل كامل و فرطت في نفسها، والتي أحبت حباً رومانسياً طاهراً بريئاً ومزقت قلوبنا، نموذج فتى الأحلام الوسيم الناجح في عمله، صاحب الخبرة مع النساء الذي اختار البراءة " ندى " وهو يردد: " دي حاجة ثانية خالص غير كل الستات اللي عرفتهن ".

فيلم المراهقات :

لم يعد الذهاب إلى السينما من تقاليد الأسر المصرية وأصبح أي فيلم يناقش قضايانا الهامة مثل " المراهقات " عملة نادرة ، وإن وجد تعرض صانعوه لهجوم  يصل أحيانا إلى ساحة المحاكم.

و لكن بعد 60عام بالطبع لن تظل مشكلات الفتيات هي نفسها كما كانت، في 1960  كانت حياة الشباب مختلفة عن نظيرتها في 2020، كان لا وجود للإنترنت، و وسائل التواصل الاجتماعي لم تظهر للنور بعد.

لنناقش بعض الاختلافات بين الفيلمن في السطور التالية:

في يومنا هذا صارت التكنولوجيا إدمانًا لدى الكبار قبل الصغار،  لكن إن كانت استقلالية الكبار تمنحهم قدرًا أكبر من الحرية، فالتكنولوجيا هي أداة الشباب لممارسة تلك الحرية ولو اختلاسًا.

الأمر صار أكبر من متعة يسرقها شاب وهو يخشى اكتشاف أمره، بل بات في يد كل طفل هاتف متصل بعالم مفتوح على كل الاحتمالات، الصالح منها والكارثي.

في فيلم "المراهقات" كانت ندى ابنة اسرة ثرية محافظة، يعاملها كلاً من شقيقها  و والدتها بقسوة و جحود شديد، ظناً منهم بأنهم بذلك يحافظون عليها، و يحمونها من  طمع الآخرين في حين أنها من الأساس شخصية مطيعة و هادئة و لا تحتاج لهذا الأسلوب القاسي في التعامل، و لكن كل ما تحتاجه هو التفاهم و الحديث  بالعقل و الحكمة كما كان يفعل جدها، إلا أن الضغط يولد الانفجار، حيث انفجرت ندى و اصيبت باكتئاب شديد كادت تفقد فيه الأسرة ابنتها من كثرة التزمت و التعنت.

  صفية ابنة أسرة عادية، فهي لا تُعاني أزمة مادية و احتياجاتها مكفولة، و لكن في المقابل تعاني من اذلال زوج والدتها لها كونه ينفق عليها، بل و هو اباً قاسياً للغاية مع ابنه و يعامله بجحود شديد، ما يتسبب في دخول الشاب أحمد في علاقة غير شرعية مع صفية كونها الشخص الوحيد الذي يرى منه الحنان و العطف، كما أن صفية خضعت له و ارتكبت  معه خطيئة كبيرة في لحظة ضعف دون ادراك لعواقب الأمور ليس لأنها تحبه فقط، بل لترضيه و تهون عليه  قسوة والده.

و كان هناك النموذج الثالث و هي الفتاة سناء ابنة  العائلة الثرية ايضاً و لكنها عائلة متحررة يلعبون القمار و يخسرون أموالهم، سناء معتادة على اقامة الحفلات في منزلها و التعرف على الشباب بمنتهى  الحرية دون أن يحاسبها أحد.

و كانت تظن بذلك انها تصبح مرغوبة من الرجال أكثر، و تريد ان تعيش  حياتها بكامل حريتها على اعتبار أن ابن  عمتها عادل سيتزوجها في النهاية، لكنه يصدمها برأيه فيها و انه يمكن أن يقضي معها وقت لطيفاً فحسب، لكن حين يفكر في الزواج  سيتزوج بفتاة معدومة الخبرات بريئة ساذجة "خام" كما يقولون، فتتغير سناء و توافق على أول عريس يتقدم لخطبتها، و تلتزم في حياتها و تواظب على حضور الحصص و ذهاب المدرسة بدون مكياج.

فيلم بنات ثانوي :

على النقيض يظهر المال كدافع درامي رئيسي في فيلم "بنات ثانوي"، فالفتيات الخمس بلا استثناء ترتبط مشكلاتهن بشكل مباشر بالمال: الفتاة التي انتقل والدها لطبقة اجتماعية أقل فتغيرت حياتها، الفقيرة التي تكاد تنفق على والدها المدمن، ثالثة سافر أهلها بحثًا عن المال فعاشت مع أخيها وحدهم، رابعة فقدت أهلها فتعيش مع خالتها وتحب شابًا في مدرسة اللغات أغنى منها، فتشعر بعدم الثقة في نفسها، وأخيرًا الجريئة المدللة التي تؤمن أن واجب والدها هو توفير احتياجاتها ولو على حساب نفسه.

لخيار الطبقة كما يتضح تأثير درامي هائل؛ فمعظم أزمات هؤلاء الفتيات ما كانت لتظهر لو كنّ بنات أسر تمتلك قدرًا أكبر من المال، وبالتالي فالمؤلف يبني حكاياته ارتكازًا على مجموعتين متوازيتين من الدوافع: الحاجات المادية والحاجات العمرية البديهية كالرغبة في الوقوع في الحب وفي التميز بين الأقران وغيرها.

قبل بلوغ منتصف الفصل تنفجر الفواجع واحدة تلو الأخرى في حياة البطلات بشكل متواز، ويتحول كل ما كان أشبه باليوميات إلى ما يصلح لفيلم على شاكلة أفلام الخمسينيات ولكن بتفاصيل عصرية: زيجات عرفية ومحاولات ابتزاز جنسي وانتحار ومؤمرات زوجية بل وجثة يجب الخلاص منها.

وحتى الفتاة التي ينسى المخرج أن يرسم لها حياة أسرية في الفصل التقديمي (هدى المفتى)، يظهر لها من العدم أب مكافح تدفعه للعمل بجنون من أجل توفير احتياجاتها، أب لا يظهر سوى في مشهدين أحدهما لنتعرف عليه متأخرًا والآخر لتفجعنا أزمته الصحية.

أكثر ما يميز فيلم "بنات ثانوي" الفارق الأكبر بينه و بين فيلم "المراهقات" و هو القنبلة الموقوتة التي تمتلكها كل فتاة، ألا وهي الهاتف المحمول بما يحويه من مواقع تواصل اجتماعي قد يستخدمها كثيرون بشكل خاطئ، فبمجرد متابعتك للصحف المصرية ونشرها الكثير من الحوادث الناجمة عن الاستخدام الخاطئ لمواقع التواصل الاجتماعي.

ومن هنا جاءت فكرة العمل الفني الذي يحاول تنبيه العائلات المصرية لمثل هذه الكارثة الحقيقية، خصوصاً لو تعلق الأمر بالفتايات، لأنهن سيصبحن أمهات ومربيات في المستقبل، و هي أكثر من يستخدمن هذه القنبلة بلا وعي، فالهاتف لا يفارقهن.

في الواقع كان من الممكن أن يكون هذا الفيلم مثيرًا جدًا للاهتمام إذا كان قد تم إصداره قبل عشر سنوات على سبيل المثال؛ لأنّنا حينها كنا سننظر لهذه المشكلة على أنّها أمر صادم لا يخطر على البال، لكننا الآن نعيش هذه الظاهرة بالفعل، خصوصيتنا يتم اختراقها بالفعل، وبعلم منا، وبالتالي فإنّ الفيلم لم يقدم شيئًا جديدًا مختلفًا عن ما نعرفه ونعيشه.

والأهم أنّه لم يقدم أي شيء غير طرحه المشكلة، و الحل لها يكمن في أعماقنا، فعلى الجميع خاصةً الفتايات أن ينتبهن للأمر و أن يحافظن على انفسهن و لا يرتكبن أصغر الأخطاء لأن يمكن لأي شخص اختراق خصوصيتك و امساك الخطأ عليك و اذلالك، هذا مفروغ منه بالطبع، فعلى الجميع أن يكون مستقيماً، لكن الفيلم لم يقدم أي حل حقيقي لظاهرة الاختراق تلك.

فيلم المراهقات أظهر ان أساس مشكلات فتاياته هو معاملة الأهل لبناتهم سواء القسوة الشديدة في التعامل أو الاهمال و التقصير و تصور أن الأموال هي الشيء الوحيد الذي يضمن للابناء مستقبل باهر و حياة مرفهة، و أن مشاعرهن المضطربة و قلة خبراتهن و تجاهل الأمهات الحديث مع بناتهن في مثل تلك الأمور بسبب صغر سنهن، هو الشيء الذي يجعلهن مندفعات لهذا الحد و يحاولن خوض التجربة بأنفسهن، و خجلهن من مناقشة الموضوع من هم أكبر منهن عقلا و خبرة هو الذي الأمر الذي يسقطهن في الخطيئة دون تقييم منهن لجحم الخطأ، أو تقدير واعي لعواقب الأمور.

أما فيلم بنات ثانوي فهو يسير على نفس النهج و يحاول توصيل نفس الرسالة، و  لكن مع اضافة عامل خطر مهم للغاية و هو كثرة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي و وسائل التكنولوجيا المتطورة، بجانب الفقر المدقع، الذي جعل الفتايات يعملن في سن صغيرة لتوفير احتياجاتهن الزائدة في هذا السن، والذي يعل أحد يعهمل في وظيفة و اثناين و ثلاث غير عابئاً بصحته حتى يفقد حياته و تصبح إحدى الفتايات يتيمة.

كما أنه لا يجد الوقت ليتحدث معها و يلقنها دروس الحياة و المباديء، ما جعلها تظن أن والدها هذا هو مجرد آلة لصناعة النقود، لا تشعربه و بمعاناته، و لكن هذا هو الأب أول من ساهم في توصيل تلك المعلومة لابنته  فهذا العمل رسالته الأكبر إلى المسؤلين و مناشدتهم لرفع متوسط الأجور، ليستطيع الأباء الاكتفاء بوظيفة واحدة و توفير بعض الوقت للابناء لخلق ترابط اسري أصبح مفقوداً في هذه الأونة.

و وضع قوانين لحماية الموظفين من استبداد أصحاب العمل في القطاع الخاص الذين يتخلون عن الموضفين فجأة بحجة تقليل العمالة لتقليل النفقات، بدون صرف مكافأت لهم أو معاشات.

أخيراً :

فاختلفت مشكلات المجتمع المصري كثيراً بين عهدي الفيلمين، و لكن النتيجة ستظل دائماً واحدة، و من سيدفع الثمن دائماً هم المراهقين و المراهقات الذين سيخسروا مستقبلهم و لا نهضة لأمة بدون شبابها، فالشباب هم نهضة الأمم و كلما كان شباب الأمة بخير ستظل تلك الأمة بخير.

داليا محمد

لمزيد من التفاصيل عن فيلم بنات ثانوي من هنا