اهم الاخبار
الأحد 28 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

عفوا أبي عفوا أمي.. لن أغادر الصين وسط تفشي فيروس كورونا اللعين

محمد مازن
محمد مازن

"عفوا أبي، عفوا أمي .. لن أغادر الصين في الوقت الحالي".. قررت ذلك لسببين أساسيين أولا، إيمانا " بأنه لن يصيبنا إلا ما قدر الله لنا"، وثانيا، ثقة في الصين، حكومة وشعبا، على الانتصار على فيروس كورونا اللعين. وتحتهما أسباب أخرى منها: لم يحدث بعد ما يثير القلق. لم يحدث بعد ما يدفع إلى العودة. كأجنبي ومغترب قد تشعر أن الوقت غير ملائم للبقاء. وأن الأفضل أن تنفد بجلدك. لكن بالإضافة إلى الأمان، على الأقل شعورا، إنها قضية أخلاقية قبل أن تكون صحية. في وقت الحرب، أفضل قرار هو المواجهة والتآزر والتموقع على الجبهة، لا الانسحاب. لكن ما أدرى بشخص وجد كل الدعم والمساندة هنا، عندما انقطع خط الطيران بين القاهرة وبكين، في أعقاب ثورة 11 يناير 2011، قبل أن تنجب زوجتي طفلنا الثاني. وتم كل شئ بسلام بأيدي أمينة ووسط اهتمام بالغ من المسؤولين والزملاء بالمؤسسة، ورعاية كاملة من قبل الأصدقاء والجيران المصريين والصينيين. دعم لا ينسى. ربما لم تتوفر الفرصة بعد للوجود على خط الجبهة الفعلي في ووهان، بؤرة فيروس كورونا اللعين، ولا أعتقد أن المنشأة الحكومية التي أعمل فيها ستفكر في ذلك، حفاظا على سلامتي، فقد حافظت من قبل على سلامة أسرتي. في بكين، حيث أعمل وأقيم، لم يصل انتشار كورونا للحالة التي عليها في ووهان. نعم، الحياة ليست كالمعتاد، الشوارع تبدو شبة خالية ومعظم المراكز التجارية مغلقة والأماكن الترفيهية موصده، لكن لا يمكن القول أنها مدينة أشباح. كما لم تكن ووهان مدينة أشباح، فالوصف الذي استخدم كثيرا في وسائل الإعلام المختلفة لم يكن دقيقا، لأنه يحمل معنى الاستسلام، لأمة لم تعرفه قط على مدار تاريخها. الصين لم تنهزم أمام سارس، ولن تنهزم أمام المستجد كورونا أيضا. اعتقاد أم ثقة؟ فيروس كورونا اللعين في الحقيقة هذا ليس اعتقاد فحسب، ولكنه ثقة بالجميع هنا من أكبر مسؤول لأصغر عامل. حاليا، يمارس الموجودون هنا حياتهم فقط بشكل مختلف، لا أكثر ولا أقل، الوضع الجديد فرض عليهم ذلك لفترة ما. وبحكم وجودي بينهم من عشر سنوات، يعرف الصينيون كيف يتمركزون في المكان والزمن الصحيحين لمجابهة الوباء فيروس كورونا اللعين . كل فرد يقوم بدوره، لكن بشكل منظم ومسؤول، ليس خوفا من كورونا، الذي أخذ 425 روحا في سكته وأصاب أكثر من 20 ألفا حتى هذه السطور، ولكنه الإحساس بالمسؤولية، مسؤولية كل شخص تجاه نفسه والآخر، أمة ووطن ومجتمع وكوكب وعالم. ونتيجة لذلك، لا تذهبوا بعيدا، ألقوا نظرة على الرقم المسجل بشأن انتشار فيروس كورونا اللعين في الخارج. رقم لا يذكر، مقارنة بأرقام الداخل. وقبل أسبوع من الآن، أصدرت حكومة بكين نشرة صحية للمغتربين. وطالبت المؤسسات والشركات الموظفين بأن يعملوا من بيوتهم. الالتزام بالمنزل جزء مهم جدا من خطة الانتصار في المعركة. إنه ليس هروبا بل أمان للجميع، حرب على الجبهة، ومساعدة للحكومة أيضا للقضاء على فيروس كورونا اللعين . تنتشر الفرق الطبية في الخطوط الأمامية، وتؤمن الفرق الحكومية الإمدادات. هكذا هو الحال، لا يخرج الناس هنا إلا لشراء المستلزمات الضرورية. المواد الغذائية متوفرة، المواد الطبية الوقائية والأدوية متاحة طوال الوقت. هناك فرق طبية تقف على أبواب المجمعات السكنية تقيس درجة حرارة القاطنين، وأخرى شعبية من المتطوعين تفحص هوية الغرباء وتقدم التوصيات.هناك فرق تطوف على الشقق وتقدم تعليمات وتعطي أرقام الطوارئ في حال شعر أحد بشيء غير عادي، وأخرى تؤكد على الالتزام بإجراءات الوقاية من المرض، وإرتداء الأقنعة، وغسل اليدين بعد العودة، وشرب الماء بانتظام، وغيرها، لزوم الوقاية من فيروس كورونا اللعين . فيروس كورونا اللعين التكنولوجيا تناضل أيضا ما يحدث على التطبيقات وبالتكنولوجيا شيء آخر. إلى جانب الجيل الخامس على الجبهة، طائرات بدون طيار مزدودة بكاميرات تستخدمها الشرطة في الشوارع، لتنبيه الناس الذين نسوا إرتداء الكمامات، أو مطالبة كبار السن بالتوقف عن لعب الدومينو أو ورق اللعب في الشوارع، والعودة إلى المنازل. هذه الطائرات تنقل الصور عن حالة الشوارع إلى غرف مراقبة، وبناء عليها يصدر رجال الشرطة من أماكنهم المغلقة التعليمات. وعلى تطبيق "ويتشات" ومنصات التواصل الاجتماعي الأخرى، تجرى المدارس والجامعات مسوحا على الطلاب مرتين يوميا، تنقل لهم التوجيهات والتعليمات، وتسأل عما اذا كان هناك تطورات، أو خطط للسفر، أو إذا ما كان أفراد من الأسرة أو الأصدقاء حتى أصيبوا. كل شيء على ما يرام المنشأة التي أعمل بها تولت إرسال الكمامات إلى المنزل، وتتابع أون لاين، وهكذا تفعل بقية المؤسسات. الأصدقاء والجيران الصينيون يراسلوننا باستمرار للاطمئنان، لا زيارات مؤقتا، يثق الجميع أنه من خلال الجهود المشتركة، سيتم هزيمة الفيروس في النهاية وعودة الحياة إلى طبيعتها. لكن الذي يعيش في الصين يلحظ تماما حالة من الذعر والمبالغة يعيشها العالم الخارجي بشأن الفيروس. هناك أصوات تبالغ، خبراء وأطباء وأناس لا يفقهون يطلون على الشاشات والمواقع ومن حيث لا تدرون، ودول أوقفت الرحلات وأخرى أغلقت الحدود. من المؤكد أن هذا مفهوم كإجراءات وقائية، وحكومة الصين تتفهم ذلك، لكن هناك من تجاوز إعلان منظمة الصحة العالمية وفرض إجراءات غير مفهومة، بدوافع أيضا غير مفهومة. هناك بلدان فرضت حظرا على جميع الصينيين من الدخول إلى أراضيها، وأخرى منعت الأجانب الذين سافروا إلى الصين خلال الـ 14 يوما الماضية، في قرارات غير إنسانية. إن انتقاد تعاطي الصين مع الفيروس أمر مقبول داخل وخارج الصين، والواقع على الأرض يقول أن استجابة الصين للوباء قوية بما يكفي تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني والحكومة والشعب بأكمله. استجابة قوية وموقف منظم فيروس كورونا اللعين نظرة إلى الوراء، الصين اتخذت بعض التدابير التي لا تصدق ونفذتها بسرعة. عزلت حوالى ٥٦ مليونا وأنشأت مستشفيين سعة ٢٣٠٠ سرير في وقت قياسي في ووهان، إحداهما في ٦ أيام لمواجهة الحالات المتزايدة، وتخطط للمزيد. المجتمع بأسره يتعاون، إمدادات وتبرعات لا تتوقف، وجهد شاق مستمر. يمكنك أن ترى العديد من المسؤولين غير الأنانيين وأفراد الجمهور المكرسين لمحاربة كورونا الجديد، رئيس مجلس الدولة نفسه لي كه تشيانغ يتقدم الصفوف بنفسه في ووهان، بتوجيه من الرئيس شي جين بينغ، بينما يوجد أيضا عدد قليل من المسؤولين المقصرين وغير الأكفاء. وقد قامت الحكومات المحلية على الفور بإقالتهم. هذا هو الحال. وللاعتراف، لا يزال الوضع الوبائي الحالي في مرحلة التطور والتغير. ويتوقع أن يؤدي التدفق الكبير للأشخاص بعد عطلة عيد الربيع إلى ممارسة ضغط هائل على الوقاية من الوباء ومكافحته، لكن الحكومات هنا اتخذت ترتيبات متطورة واعتمدت تدابير فعالة. موقف الصين كبير ومنظم حتى الآن ضد الوباء. وبفضل تلك الجهود، توفي شخص واحد فقط بسبب الفيروس خارج الصين. ومن المنطقي أن تحظى جهودها وتضحيات شعبها باحترام. أليس ما تواجهه الصين من انتقادات مستغربا مقارنة بالوضع الذي واجهته غيرها، كالولايات المتحدة، في عام 2009؟! في ذلك العام، عندما تفشى فيروس أنفلونزا أتش1 أن1 (الخنازير) في الولايات المتحدة وضرب العالم، تسبب في وفاة حوالي ٢٨٤ ألف شخص، وأعلنته منظمة الصحة العالمية أيضا حالة طوارئ صحية دولية. وقالت المراكز الأمريكية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إن الأنفلونزا قد أثرت على 19 مليون شخص حتى الآن هذا الموسم، وإن ما لا يقل عن 10 آلاف قد لقوا حتفهم في الولايات المتحدة، بمن فيهم 68 طفلا على الأقل. وبالإضافة إلى ذلك، تم إدخال 180 ألف شخص على الأقل إلى المستشفى. مع ذلك، لم تواجه الولايات المتحدة مثلما واجهت الصين من انتقادات وإساءات. لم يتعرض شعبها للسخرية ولم تلام ثقافة طهيها، رغم أنها لم تتخذ مثل التدابير الصينية التي بفضلها، لم يصب أكثر من 150 شخصا خارج البر الرئيسي الصيني حتى الآن. فيروس كورونا اللعين التعاون لا إيذاء المشاعر والمثير للاستياء هنا هو الشعور بأن المرض نفسه استغل من جانب البعض لإيذاء المشاعر والتمييز عنصريا في هذا الوقت الصعب، مما سبب جرحا غائرا لدى الأصدقاء الصينيين. إعلاميا، في الأيام الأخيرة، طالع الجميع هنا بأسى ما كتبته صحيفة دير شبيجل الألمانية بأن" الفيروس صنع في الصين"، وما طالبت به ديلي تلغراف اللندنية "ببقاء الاطفال الصينيين في منازلهم" مع اقتراب الفصل الدراسي الثاني، وما نشرته صحيفة دنماركية لعلم الصين ممزوجا بفيروس كورونا. ورسميا، وصل إلى مسامع الكثيرين تصريحات وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالهجوم على الحزب الشيوعي الصيني بأنه "أكبر تهديد للعالم"، وما قاله وزير التجارة في نفس حكومته ويلبور روس بأن " الفيروس سيعزز الوظائف في الولايات المتحدة". وانترنتيا، تطرف البعض قولا بأنه "انتقام إلهي بسبب.. وسبب.." وطالب آخرون جهلا المجتمع الصيني بالامتناع عن أكل "الخفافيش والثعابين" وغيرها، كما لو أنها أطباق رئيسية على مائدة عموم الصينيين، وغيرها من الأمور المؤذية للمشاعر. هل هذا هو الرد المناسب? يا ترى هل فكر هؤلاء في مدى تأثير ذلك على نفوس الصينيين الذين يدفعون الثمن؟. ليس معنى أن الحكومة لم تلتفت إلى ذلك، أن الشعب الصيني راض وسعيد بذلك. إن الوباء سيمر عاجلا أم آجلا. وستبقى هذه الإساءات شاهدة على سوء تصرف أصحابها. فكثيرا ما واجهت الصين إساءات خلال سارس قبل 17 عاما ، لكن ماذا حدث بعد؟ لا ينبغي لأحد أن يقلل من قدرة الصين على مواجهة تلك الأزمة. فرغم أنها دولة شاسعة بها عدد كبير من السكان ومن الصعب للغاية ضمان قيام كل فرد بواجبه على نحو جيد، إلا أن الشعب الصيني على قلب واحد وعقل واحد. لا الحكومة ستترك الوباء يلتهم الشعب، ولا الشعب سيترك الوباء يأكل الحكومة. الصعوبات موجودة والثقة أيضا. وبالتأكيد، سيختبر الفيروس مسؤولية ومهارات المسؤولين الحكوميين وكذلك معدن الأصدقاء الحقيقيين، وقد قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريوس بوضوح: "هذا وقت الحقائق وليس الذعر. وقت العلم وليس الشائعات. وقت التضامن وليس الوصم". فيروس كورونا اللعين وأخيرا، اطمئنوا جميعا! ليست هناك حاجة إلى المبالغة في ردة الفعل. تصرفات الصين وجهودها هي التي سيكون لها القول الفصل في مواجهة الفيروس القاتل. ومن منظور الوضع الحالي، ستكون الصين قادرة على القضاء على وباء فيروس كورونا الجديد. وفي وقت مثل هذا، لا يمكن للتقارير والبيانات المتحيزة والخاطئة والمضللة أن تخلق البلبلة فحسب، بل إنها لا تقدم أي مساعدة في التصدي للوباء. وفي النهاية يمكن أن تصبح المعلومات الخاطئة والوصمات فيروسا آخر. أدرك والكل أيضا أن المعدن الحقيقي يظهر في الأوقات الصعبة. والمصريون العاديون يقولون "شدة وتزول". وفي هذا الوقت الصعب تحتاج الصين حكوما وشعبا إلى المساندة والدعم من جميع أنحاء العالم. فمساعدة الصين ستساعد العالم على معالجة الأزمة سريعا.

بقلم محمد مازن