اهم الاخبار
الأحد 24 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

المرأة ليست نصف المجتمع

IMG-20200309-WA0090
IMG-20200309-WA0090

  يأتي الثامن من شهر مارس كل عام ليعلن الجميع احتفاله باليوم العالمي للمرأة، ولكني أتعجب ممن يحتفلون بالمرأة في يوم واحد فقط من كل عام! فقررت تناول مكانة المرأة في كتاباتي على مدار العام وليس في يوم بعينه وخالفت العُرف وكتبت في يوم غير المعتاد سنويًا. وأسأل نفسي كيف نحتفل بها يومًا واحدًا وهى السبب الرئيسي لكل احتفال ونجاح نحققه كل يوم؟ لم أعهد صديقًا أو زميلًا ناجحًا في مجال عمله إلا وأرجع السبب في ذلك لامرأة تدعمه، أمه كانت أو زوجته وربما أخته. وفي عودتي من عملي أمس –اليوم العالمي للمرأة- كنت أنتظر وصول "المترو" وربما كان الأخير لتأخر الوقت جدًا في طقس بارد، وجلست بجانب سيدة في عقدها الرابع تقريبًا ومعها طفلة عمرها 15 عامًا – من كلامهما عرفت ذلك- وحديث السيدة المثير جذب انتباهي لأعرف التفاصيل، فالأم كانت تهون على ابنتها تعب اليوم في العمل الشاق بالمصنع الذي تعملان به معًا بعد أن تركت الطفلة المدرسة لظروف لا أعرفها، وتحكى لها عن مصنع جديد أعلن فرص عمل بساعات عمل أقل من 12 ساعة بنفس الراتب وتخلل حديثهما دروسًا تربوية ربما لا نجدها في المدراس، وجدتها في حديث الأم وهي تقنع ابنتها أنه مهما كانت مشقة العمل فيكفي أنها "لقمة حلال" تكفيهم شر سؤال الناس أو اتباع طرق غير مشروعة، وبحضن عفوي من الأم لابنتها تحول عبوس وجه الطفلة لابتسامة لامعة وكأنها تملك الدنيا وما فيها فقط لأنها أيقنت معني السعادة باللقمة الحلال وعرفت شغفًا جديدًا تعيش من أجله، ركبنا المترو سويًا ولكن فرقنا الزحام وأنا أودعهم بنظرة فخر واعتزاز بعد أن تأكدت أنهن لن يقلبن مساعدة مالية من أحد، وأثق تماما أن تلك الطفلة التي تعلمت الدرس الغالي من أمها العظيمة ستصبح نموذجًا مشرفًا في يوم من الأيام، فهذه هي الأم المصرية العظيمة. حالات لا نستطيع إحصاءها من سيدات حققن إنجازات يعجز عنها الرجال في بعض الأحيان، فكم من مرأة مات عنها زوجها وترك لها أبناء وتمكنت من التغلب على مصاعب الحياة لتخرج بهم للمجتمع وهم نماذج مشرفة بل وأصحاب مناصب قيادية ومهن سامية؟ كم من مرأة تحملت مشقة العمل وعناء التحدي وسخافات المجتمع من أجل كسب عيش كريم يضمن لها ولصغارها حياة كريمة؟ عجبًا لمن يحتفل بيوم عالمي للمرأة يأتي كل عام، وهن السبب الرئيسي والداعم الأصيل لكل نجاحات وإنجازات نحققها كل يوم؟! وأذكر تلك السيدات العظيمات اللاتي شاركن في العمل بالمستشفيات خلال حروب مصر على مر تاريخها وقدمن أنفسهن لخدمة وطنهن بشكل عظيم، ومنهن من علمن أطفالهن حب الوطن وغرسن فيهم معاني وقيم نبيلة أنتجت رجالًا يضحون بأنفسهم كل يوم من أجل مصر، بل وصل بهن الأمر لمواجهة الإرهاب والتطرف وجهًا لوجه، فما زالت صورة "الست حلاوتهم" المصابة في حادثة تفجير الدرب الأحمر منذ عام عالقة في ذهني، امرأة في عقدها الرابع عائدة من عملها الذي تكسب منه قوت يومها وحاجة أبنائها فتجد عبوة ناسفة في انتظارها لتنقل على إثر إصابتها للمستشفى، ولكن المدهش موقفها بعد أن فاقت فكان أول ما سألت عنه هو أبنائها!، نعم أبنائها فبرغم جراح جسدها وكسور عظامها إلا أن أبناءها هم أول ما جاء في ذهنها وأظنهم لم يغيبوا عن بالها للحظة. وسيدة أخرى من سكان الدرب الأحمر تضررت من الموجة الانفجارية الناتجة عن التفجير الإرهابي نفسه، فتهدم محلها الصغير الذي كانت تنفق منه على أسرة بأكملها وأب طريح الفراش لا يقدر على العمل، وحينما سألها أحد زملائي الصحفيين عن ما تحتاج إليه، كان ردها في غاية الزهد فقط طلبت فرصة عمل توفر حياة كريمة لأسرتها، فلم تطلب مالًا أو سكنًا أو سفرًا لنفسها، ولكنها طلبت العيش الكريم لأسرتها. وغيرهم من المواقف والنماذج التي تؤكد كل يوم قيمة المرأة في المجتمع المصري، وتكذب المقولة الشائعة بأن المرأة نصف المجتمع، وتثبت أن المرأة هي المجتمع، وصدق فيها قول الشاعر "الأم مدرسة إذا أعددتها.. أعددت شعب طيب الأعراق"، فالأم هنا هي المرأة بشكل عام، هي الأم الحنونة والزوجة المخلصة والأخت الداعمة والصديقة الوفية، فلولهن ما كن نحن. المرأة هي الكائن البشري الوحيد الذي يعطي ولا ينتظر مقابل العطاء، جوادة دائما وحنانها هو الغذاء الذي تستقيم به أرواحنا نحن الرجال، فلولاهن لكانت الحياة عابثة لا طعم لها ولا معني وإن كانت. ولا يسعني سوى التقدم بأسمى آيات الحب والمودة لكل امرأة صادفتها في حياتي، لأمي لأختي لزوجتي المستقبلية لأساتذتي ومعلماتي لزميلاتي وصديقاتي ولكل من لهن فضل عليّ، كل يوم وأنتن شموعًا تضيء لنا الطريق. بقلم : محمد ايمن سالم  

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء