بأقلامهم
د. أحمد مصيلحي يكتب: جائحه كورونا وسد النهضه الإثيوبي.. قراءة خارج الإطار
لعل حجم متابعات أحداث ومتغيرات جائحة فيروس كورونا المُستجد قد طغت علي متابعة ما عداها، بل ويمكننا الزعم بأنها فاقت متابعات أخبار الحروب العالمية الأولي والثانية وأكثر من متابعي هبوط الإنسان علي سطح القمر ومباريات كرة القدم. وفي غفلة الإنشغال بمتابعة فيروس كورونا المستجد، إحتفلت إثيوبيا بمرور تسعة أعوام علي بدء بناء سد النهضة الكبير كما أكد رئيس الوزراء أبي أحمد في الأول من إبريل 2020 عزم بلاده البدء في ملء السد في يوليو 2020 وأعتبرسيادته بأن السد قد أصبح رمزاً للسيادة الإثيوبية. وبإستعادة تلك الأيام، نجد انه بالتزامُن مع موجات الربيع العربي وما صاحبها من حالة سيولة سياسية وشعبية شديدة وبخاصة علي الصعيد المصري، نجد إعلان القيادة السياسية الإثيوبية عن جاهزيتها لبناء السد وكأنه أمر "قد دُبر بليل" فكيف لمشروع بهذا الحجم أن يظهر علي الصعيد العالمي فجأة بدراساته المعقدة وتصميمياته التفصيلية وتكلفته المالية وجداوله التنفيذية والأهم من ذلك الإعتمادات المالية لمصادر تمويله المتعددة الجنسيات؟ وعلي الرُغم من الخطايا السياسية المصرية الحادثة في أعقاب الإعلان الإثيوبي منذ 2011 وحتي 2014 وحالة التخبط الواضح في المشهد المصري والذي نُلخصه بالآتي:- - المراهقة السياسية المبذولة أنذاك والمُسماة "بالدبلوماسية الشعبية" وذلك في مايو 2011 حيث طالب الوفد الصري أنذاك المسؤلين الإثيوبيين بتأجيل توقيع الإتفاق الإطاري "عنتيبي" لحين إجراء إنتخابات تشريعية ورئاسية بمصر والتي أظهرت مدي ضُعف الداخل المصري والترهل الشديد في القرارين السياسي والسيادي. - إجتماع إلعار والمهزلة السياسية من قِبل مؤسسة الرئاسة ورئيس الجمهورية أنذاك و بحضور العديد من رموز الغباء السياسي والمُذاع تليفزيونياً في يونيو 2013 والذي تسبب لمصر في أزمة دولية حادة أحسنت إثيوبيا إستغلالها وإكتسبت شرعية مُضافة للسد. إلا أن الوضع قد بدء في التغيُر النسبي بعد زوال غُمة الإحتلال الإخواني وخاضت مصر تحت قيادة سياسية وطنية رشيده معركة دبلوماسية وسياسية طويلة ومازالت مستمرة ، حيث تعددت فيها المناورات من الجانبين المصري والإثيوبي حيث حاولت مصر مُعالجة التعنت والعِند الإثيوبي لمرات ومرات. ومما زاد حِدة الإشكالية هو تواتر اللاعبين في الملعب السياسي لسد النهضة فالصين وإيطاليا وبعض الدول الخليجية كانت مُساهماً رئيسياً سواء بحسن أو سوء نية كما كانت هناك عدة دول تُمثل عُنصر التحريض والدعم للجانب الإثيوبي والتي لم تكن لها ادوارٍ فعلية مثل تركيا وإسرائيل وقطر. كما كان لدولة جمهورية السودان مواقف متباينة من المشهد المصري الإثيوبي إلا أنها في مُجملها تدعم وجهات النظر الإثيوبية ووصل الامر لتوجيه الشكر لإثيوبيا وذلك خلال زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية السوداني لإثيوبيا (الوفد ضم كافة اطياف الشعب برئاسة الاستاذة سلوى محمد محجوب الأمين العام المكلف لمجلس الصداقة الشعبية العالمية) ، كما ردت رئيسة الجمهورية إلإثيوبية "ساهلي ويرق زودي" بالإشادة بدور وتعاون جمهورية السودان فيما يخص سد النهضة. كما كانت لخطط إثيوبيا بالمضي قدماً في جدولها الزمني لملأ بحيرة السد والتعنت الواضح لعرقلة كافة الإجراءات الإطارية للجان المُشَكَلَةُ لبحث الأزمة (سواء الثلاثية أو السداسية وحتي التساعية) دوراً هاماً في زيادة التوتر بين الطرفين، وهو ما دعي مصر لخوض مناورة أخري بإستدعاء الولايات المتحدة الأميريكية للمشهد كطرف وسيط لرعاية التوصل إلى اتفاقٍ ملزم لكافة الأطراف في مراحل ملء وتشغيل السد وذلك في فبراير 2020 والذي إنتهي بتوقيع مصر وغياب إثيوبيا عن الحضور وصمت مُريب من جمهورية السودان. كما طالب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي " موسى فكي" الدول الثلاثة (إثيوبيا والسودان ومصر) بالسعي لإيجاد صيغة توافقية لتجاوز الخلافات، بشأن ملف سد النهضة وذلك في مارس 2020. إلا أنه خلال الأيام القليلة الماضية، قد طرأ تغيرنسبي للغة الخطاب الإثيوبية من "أن المياه إثيوبية خالصة" إلى أن "النهر والمياه تعاون وشراكة وحقوق لدول حوض النيل" ويأتي سبب ذلك التغير مبنياً علي عدة إحتمالات:- - مناورة سياسية إثيوبية جديدة للتماشي مع القوانين والأعراف الدولية، وبخاصة من أجل امتصاص الغضب الأمريكي والبنك الدولي، لعدم حضورها للاجتماعات في فبراير 2020 . - وجود صعوبات فنية وهندسية خاصة بالسد وهم ما دعي البعض لتصور إمكانية ملأ السد بكميات أقل من المياة وعلي مدد زمنية أطول وهو ما يصب في مصلحة الموقف المصري بصورة مباشرة. - محاولة كسب شروط أفضل للتفاوض حيث ذكر المراقبون بأن المفاوضات القادمة سوف تكون الأصعب في كل المفاوضات السابقة والخاصة بسد النهضة منذ عام 2011. والأن نبدء الأسئلة المسكوت والمنهيٌ عنها وهي التي أسميت بها المقال "قراءة خارج الإطار" وهي:- - ما سر التعتيم الإعلامي عن تطورات الأزمة خلال الفترة السابقة علي الرُغم من جهود الدولة المبذولة في ذلك الشأن؟ - متي سيصبح للإعلام المصري القدرة علي الإبحار خارج الإطارالوقتي واللحظي للأزمات ليتناول أزمة أخري (أزمة وجود) ؟ - ما دور مؤسسات الدولة النيابية والتشريعية والقوي الناعمة في وضع تصور لسيناريوهات إدارة الأزمة حال إستمرار التعنت الإثيوبي والشروع في بدء ملء السد في يوليو 2020؟ - ما دُور النخب والأحزاب السياسية المصرية لمساعدة ودعم جهود الدولة والسعي لإيجاد أُطرجديدة وفاعلة لإدارة وحل الأزمة؟ وللقاء أخر لإستكمال القراءة خارج الإطار.... كاتب المقال : إستشاري أنظمة التحكم وأمين التخطيط والمتابعة والتنمية المستدامة بحزب الحركة الوطنية المصرية