اهم الاخبار
الثلاثاء 16 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

نور الشيخ يكتب: العنصرية والتراكمية

الحياة شأنها شأن النباتات تبدأ ببذرة حتى تزهر، كل أنواع المعاناة الحالية هي حصاد ممارسات غير إيجابية قديماً، وكل أنواع السعادة الحالية هي حصاد ممارسات إيجابية قديمة، حتى أدق التفاصيل الشخصية للإنسان حتى هويات المجتمعات.

وكما حدثنا من قبل عالم الأحياء الفرنسي جان باتيست لامارك منذ قرابة ثلاثة قرون، ان الوراثة ليست مقصورة على الصفات الجينية الوراثية فقط ولكنها تشمل الميراث اللاجينى والسلوكي والرمزية، وقد شرح الرمزية بانها هي عمليات النقل الرمزي وتتمثل في اللغة البشرية والموسيقى والفنون البصرية والتقاليد الانسانية، والسلوكية... هي مقدار ما تم نقله من جيل إلى آخر بعد أن دأب الجيل الأول على إتيان تلك السلوكيات حتى أصبحت عادة وليست فعل.

والآن نحصد ما غرسه الأوائل، من عنصرية وطبقية وفتن وصراعات نفسية دفينة وحقد وأنانية وجشع وخمول وفساد وابتذال، واللؤم و الإسفاف والولع بالأبهة والإباحية وقائمة طويلة من النقائص الأخلاقية التي تربينا على أنها فضائل.

ومن المحصول الحالي نجد العنصرية في أبسط صورها مثل العنصرية للطبقة الاجتماعية أو التحيز للدرجة العلمية التي يحملها والعنصرية للغة الأجنبية التي يتحدثها وللسيارة التي يقودها ولماركة الملابس التي يرتديها ويضاف إلى تلك التركيبة، مضاف إليهم القليل من التنمر والعنجهية والفجور.

الجديد في الأمر أن الطرف الاجتماعي الآخر وهو الطرف الأدنى أيضاً يمارس العنصرية تجاه الأدنى منه ويحاكى الطبقات العليا في كافة تصرفاتها، والأغرب في الأمر أن العنصرية الهابطة من أعلى إلى اسفل لم تمنع أرباب الطبقات العليا من محاكاة العديد من التصرفات الدنيا على انها فلكلور وموضة مثل تقليد بعض الألفاظ والجمل الشعبية والتردد على نوعية معينة من محال المأكولات بالحوارى والأزقة الشعبية ليس إيمانا بتلك المنتجات أو المخرجات ولكن على سبيل الموضة والتباهي أيضا بكل ما هو جديد، والأشد غرابة أن تلك المحاكاة لم تفتح طريقاً لوأد العنصرية.

وهكذا ظلت العنصرية تدور في فُلك لا نهائي من الغيرة والتباهي والحقد والحسد والابتذال وشهوة الحياة والنرجسية المجتمعية وكنا نظن أنها سنة الحياة، فقد أساء الأوائل من الأهل والمثقفين ورجال الدين تفسير التفاوت الطبقي في الدين والعلة من وجود طبقات داخل المجتمع، أساء الأول في الإفراط في استخدام الأمثلة الشعبية المرسخة للعنصرية والصراع الأسرى وسوء اختيار المعايير التي يقاس عليها السلوك الإنساني.

وقد لا نفرط إذا تناولنا أيضاً بعضا من العادات والتقاليد البالية الخاصة بالزواج والجيرة والعمل والعلاقات الاجتماعية سواء المنتشرة في الريف أو المدن فكلها تشبه الحمم البركانية الخاملة في بطن الجبل في انتظار مرحلة الفوران، ولا نجد من يشعر بخطورة تلك العادات ومدى إضرارها بالمجتمعات على الزمن البعيد حتى أصبحت آلهة نعبدها ونتحرك وفق كلماتها ومعانيها.

وجل ما يلتفت إليه البعض هو الأحداث الدينية وإشعال الفتن ولا أقلل من الفتن الطائفية على الإطلاق ولكن أرغب دائما أن نلتفت إلى عظائم الأمور حتى وإن كانت غير مرئية بالعين المجردة، ولا أنكر وجود عنصرية دينية داخل الوطن الواحد، فتارة نراها متأججة وتارة أخرى نراها خامدة ولكنها ليست وليدة اللحظة ولكنها لم تواجهه من المنبع والأساس.

الثقافات والهويات والعادات والتقاليد يا سادة تتكون وتكتسب قوتها وحجتها بالتراكم وليست حصاد الفجأة، لأن جذورها سحيقة ممتدة منذ عصور وليس عقود، وثمارها لا تنضب ولا تجف إلا لو فطنت المجتمعات ومنعت عنها مياه الري.

نعم نحن نروى كل ما نواجه من بذاءات في حياتنا ونصون كل المعتقدات المهلكة والعادات المدمرة ونورثها لأبنائنا على أنها قيم تصان لتبنى الأمم، نربى أبنائنا على التنمر والعنصرية على أنهما من قوانين الحياة ونربيهم أيضا على انفصام الشخصية فنجدهم ينبذون الفقراء ولكن يذهبون إلى مطاعمهم في الأحياء العشوائية ويستمعون إلى ضوضائهم بكل الحب ويتخذون من ألفاظهم قاموساً للتعبير عن نفسهم.

ونرى الطبقات الدنيا تحقد على الطبقات العليا وتحاول بشتى الطُرق أن تحاكيها وإن كلفها الكثير هكذا ، هكذا ترعرعنا، فمن حقك أن تحزن يا عزيزي من إعلان مستفز يخاطب الأغنياء ويتنمر بالطبقات الأدنى ومن حقك أن تحزن من شيوع ضوضاء يسميها أصحابها موسيقى انتشرت من العشوائيات تحمل ثقافة عشوائية تحض على الرذائل، ومن حقك أيضاً أن تغير الواقع على الأقل مع نفسك وأبنائك وتوقف العنصرية تجاه الآخرين.

كلنا فاسدون كلنا فاسدون لا أستثنى أحدا .. حتى بالصمت العاجز الموافق قليل الحيلة

كاتب المقال: أمين التدريب والتثقيف لحزب الحركة الوطنية المصرية