اهم الاخبار
السبت 20 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

محافظات

المؤرخ خالد معروف يفتح قلبه لـ«الوكالة نيوز»

82b2ecaf-8575-4ec3-b35e-c4f6bbe9f39c
82b2ecaf-8575-4ec3-b35e-c4f6bbe9f39c

البحيرة : هند فاروق

في تاريخ الأمم والشعوب أحداث غيرت مجرى التاريخ وأيام مشهودة لاتنسى كتبت بدماء وتضحيات وبطولات الأجداد ولذلك تحتفل الأمم بذكرى تلك الأيام المجيدة المقترنة ببطولات أبنائها وربما لا تعرف أسماء بعضهم ولكنهم سطروا صفحات مشرقة ومضيئة من المجد ولم يبخلوا بدمائهم وأرواحهم في سبيل رفعة أوطانهم وتركوا أعمالا باقية على مدار السنين وتعاقب الأجيال سجلت في سجل التاريخ وأصبحت نبراسا لمن يأتي من بعدهم

ومحافظة البحيرة وعبر تاريخها الممتد منذ آلاف السنين كانت صانعة لأحداث غيرت مسار التاريخ كما كانت شاهدة على أخرى

على أرضها سار قادة وغزاة وفاتحين وأباطرة وسلاطين وملوك وأمراء وزعماء ورؤساء وفي أزقتها وحواريها وطرقاتها وتحت أسوار بعض مدنها دارت معارك دامية حتى اعتقد البعض أن إسم عاصمة المحافظة " دمنهور " يعني أن " الدم نهور " ، وعلى مدار تاريخها العريق شهدت البحيرة أياما مجيدة وعظيمة فإرتوت خلالها بحلاوة الإنتصار ، كما تعرضت لأيام عصيبة تجرعت فيها مرارة الإنكسار وفي كليهما دفعت ثمنا باهظا من الدماء والأرواح والتضحيات

وبعد عدة أيام ستحتفل محافظة البحيرة بعيدها القومي في التاسع عشر من سبتمبر والذي يوافق الذكرى الحادية عشر بعد المائتين لجلاء الحملة الإنجليزية عن الإسكندرية وعن تراب مصر بعد هزيمتها في رشيد وهي الحملة المشهورة باسم حملة فريزر

ولكي نسترجع ذاكرة التاريخ ونتعرف على مجريات الأحداث ، إلتقت " الوكالة نيوز " بالمؤرخ خالد معروف الملقب بجبرتي البحيرة والذي يوثق تاريخ مدن المحافظة منذ قرابة ٤٥ عاما

وحكى لنا عن بداية الأحداث التي مهدت الطريق للحملة الإنجليزية في مارس عام ١٨٠٧ م وحتى توقيع معاهدة دمنهور وجلاء الحملة الإنجليزية عن مصر على النحو التالي ..

أوضح المؤرخ أنه في 18 سبتمبر عام 1801 م تم جلاء الحملة الفرنسية عن مصر والتي عادت مرة أخرى تحت سيطرة الدولة العثمانية وبمعاونة إنجلترا العدو اللدود للفرنسيين ، وإعتقد محمد بك الألفي زعيم المماليك بأنه الأجدر بحكم مصر نظرا لما يمتلكه من نفوذ ومماليك وأسلحة وأموال وعاود الإتصال بالإنجليز لتحقيق هدفه ، وتنبه الإنجليز إلى أهمية موقع مصر الجغرافي والواقع عند ملتقى قارات العالم القديم وتحكمه في طرق المواصلات والتجارة العالمية إضافة إلى تنوع ثرواتها وأنها مفتاح السيطرة على أفريقيا ، لذا سعوا لبسط سيطرتهم على مصر عن طريق حليفهم القوي محمد الألفي والذي إتخذ من الصعيد قاعدة لهم.

وحاول الإنجليز إقناع العثمانيين بضرورة سحب جيوشهم من مصر وتسليمها للمماليك وتنصيب الألفي حاكما عليها لكن العثمانيون غدروا بالمماليك وحاصروهم وقتلوا الكثير منهم وفر الناجون منهم إلى الصعيد حيث معسكر الألفي ، وفي عام 1803 م استطاع الألفي تنظيم قواته وتقدم نحو الجيزة ثم واصل تقدمه نحو دمنهور وخارج أسوارها تمكن من هزيمة الجيش العثماني أو تجريدة الحمير ، وأكد " معروف " أنها سميت بهذا الاسم بسبب قيام العثمانيين بمصادرة كل الحمير الموجودة لدى الحمالين والسقائين بالقاهرة لمساعدتهم في نقل المؤن والأسلحة ومتاع الجنود المشاركين في الحملة.

وأكمل، وفي عام 1804 م تم تعيين أحمد خورشيد باشا واليا على مصر والذي فرض الضرائب الباهظة على المصريين إضافة إلى أعمال السلب والنهب التي مارسها جنوده وأتباعه ضد المصريين، وفي ١٣ مايو عام ١٨٠٥ م قام السيد عمر مكرم نقيب الأشراف بعزل خورشيد باشا وتنصيب محمد على باشا واليا على مصر بما يتعارض مع طموح الألفي ورغبة الإنجليز

وأردف، لذلك سافر الألفي في سرية تامة إلى إنجلترا حيث تم الإتفاق على إرسال حملة عسكرية لمساعدته في خلع محمد علي باشا وتنصيبه بدلا منه على أن تكون دمنهور هي نقطة الإلتقاء بين جيش الألفي مع الحملة ثم الإنطلاق نحو القاهرة لإسقاط محمد علي ، وفي أوائل مارس عام 1806 م عاد الألفي سرا إلى الإسكندرية ومنها إلى معسكره بالجيزة ، وفي 29 أبريل عام 1806 م وصلت طلائع جيوشه إلى أسوار دمنهور وبدأت محاولة إقتحامها بعد رفض أهلها السماح بدخولها ونتيجة لعجز قواته عن تحقيق هدفهم بسبب مناعة أسوار المدينة ولبسالة أبنائها في الدفاع عنها.

 لجأ الألفي إلى فرض الحصار الشامل ولمدة تزيد عن سبعة أشهر ولكن دون جدوى وإضطر لرفع الحصار والإنسحاب إلى الجيزة حيث أصيب بالفالج " الشلل " ووافته المنية في نهاية يناير 1807 م وكانت آخر عبارة قالها قبل وفاته لقد قهرتني هذة المدينة ، وأضاف المؤرخ ، لذلك عندنا مثل شعبي " دمنهور اللي فلجت الألفي أو اللي فلجت القرد "

وأكد أنه في يوم 19 مارس عام 1807 م وصلت الحملة الإنجليزية إلى شواطئ الإسكندرية وتمكنت من الإستيلاء عليها بالكامل في يوم 21 مارس وبمعاونة وخيانة حاكمها أمين أغا وبدأت الحملة في الإستعداد للزحف إلى رشيد لتأمين خطوط إمدادها قبل الزحف إلى دمنهور ، وفي صبيحة يوم 31 مارس وصلت الحملة إلى أسوار رشيد ، وعند الظهيرة دخلت المدينة حيث وجدتها خاوية لا أثر للحياة بها وإعتقد الجنرال ويكوب قائد فرقة الإقتحام وجنوده أن الأهالي قد هجروها خوفا ورعبا ولذلك تفرقوا في شوارعها وحواريها ونشوة الإنتصار تداعب أحلامهم وفجأة انطلقت إشارة المقاومة الشعبية من مئذنة مسجد زغلول طبقا للخطة التي وضعها علي بك السلانلكي محافظ المدينة بالإتفاق مع السيد حسن كريت نقيب أشراف المدينة .

 وماهي إلا لحظات حتى وجد جنود الحملة أنفسهم وقد وقعوا في الفخ وفتحت النوافذ والشبابيك والأبواب المغلقة وإنهال الرصاص عليهم والحجارة والزيت المغلي من كل جانب وبلغت خسائرهم مائة وسبعون قتيلا ومائة وعشرون أسيرا وقتل الجنرال ويكوب قائدهم وإرتدت فلولهم نحو الإسكندرية ، وفي أبريل عاود الإنجليز المحاولة وزحف الجنرال سيتوارت بفرقته من الإسكندرية وتمكن من إحتلال قرية الحماد الواقعة جنوب رشيد كما تمكنت فرقته من إحتلال تلال أبو مندور وبذلك أحكموا الحصار حول المدينة وبدأوا في قصفها بالمدافع ، وفي ٢١ أبريل تمكن الجيش المصري بقيادة حسن باشا طاهر والذي أرسله محمد علي باشا لفك الحصار عن المدينة وبمعاونة أبناء رشيد والبحيرة والمتطوعين من إلحاق الهزيمة الثانية للحملة في منطقة الحماد ونتيجة لذلك تم كسر الحصار عن المدينة وتقهقرت الحملة إلى الإسكندرية وبلغت خسائرها في تلك المعركة ٤١٦ قتيل و ٤٠٠ أسير

كما أكد المؤرخ خالد معروف أنه في هذا الوقت كان محمد علي باشا منشغلا بحروبه مع المماليك في الصعيد ولذلك وبعد إنتهائه من محاربتهم تحرك بجيوشه لإتمام مهمة طرد الحملة ، وفي منتصف أغسطس وصل محمد علي باشا إلى الرحمانية وعندما علم بتطور الأحداث في رشيد لم يكمل مسيرته وفضل العودة إلى دمنهور

وتابع، وفي أواخر أغسطس بدأت المفاوضات في دمنهور بين محمد علي باشا والجنرال شربروك نائبا عن الجنرال فريزر وبناءا على طلبه بالتصالح والإنسحاب من الإسكندرية ، وفي ١٤ سبتمبر تم توقيع معاهدة دمنهور وهي أول معاهدة في تاريخ مصر الحديث بين مصر المنتصرة وإنجلترا المنهزمة ، وجاءت نصوص المعاهدة بجلاء الحملة عن الإسكندرية في خلال عشرة أيام من توقيعها ، والإفراج عن جميع الأسرى الإنجليز ، والعفو العام عن أهالي الإسكندرية الذين تعاونوا مع الحملة

وأضاف في نهاية حديثه .. نحن أبناء محافظة البحيرة لنا أن نفخر ونتباهى بما حققه أجدادنا العظماء من إنتصارات وتضحيات في سبيل وطنه.