الانقلاب العسكري في ميانمار يهدد اقتصادها
عندما استولى جيش ميانمار على السلطة بعد اعتقال الزعيمة أونغ سان سو كي وغيرها من القادة المنتخبين في الساعات الأولي من صباح يوم ١ فبراير الماضي، ربما كانوا يتوقعون انتفاضة مدنية وإدانة دولية وعقوبات تجارية ومالية محتملة. وبحسب موقع "سنغافورة ستار" ربما ظنوا أن كما حدث في الماضي، ستشهد الشهور الأولي من الانقلاب بعض الاضطرابات والضغوط الدولية التي ستهدأ تدريجياً، حيث ستستحوذ الأحداث العالمية الأخرى الأكثر أهمية على اهتمام المجتمع الدولي. ولكن ما يجعل الوضع مختلف الأن عن الانقلاب العسكري الذي وقع عام ١٩٩٠ عندما أبطل الجيش الانتخابات العامة، هو أن شعب ميانمار قد ذاق طعم الحرية النسبية من الحكم العسكري منذ عام ٢٠١٠. ففي عام ٢٠١٠ أجريت انتخابات حرة جزئيا، ولكن لم يتم السماح لحزب الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية بقيادة أونغ سان سو كي بالمشاركة في الانتخابات. زعيمة ميانمار مثلت أمام المحكمة عبر الفيديو وقد استفادت ميانمار من رفع العقوبات الاقتصادية عليها مما أدى إلى اندماجها التدريجي في نظام التجارة العالمي وزيادة الاستثمارات الدولية، فنما الناتج المحلي الإجمالي من 49.5 مليار دولار أمريكي في عام 2010، إلى 86.9 مليار دولار أمريكي في عام 2019 أي بنسبة أكثر من 75 % (استنادًا إلى بيانات من البنك الدولي). سيلاحظ الأشخاص الذين زاروا مدينة يانغون التجارية قبل عام 2010 ومرة أخرى في السنوات العشرة الأخيرة فرق كبير، حيث أصبحت المدينة أكثر ازدحاما وتعاني من الاختناقات المرورية الناجمة عن انتشار السيارات. وتشير اللوحات الإعلانية التي تعلن عن العلامات التجارية الاستهلاكية اليابانية والكورية على الثروة المتزايدة للسكان في المدينة وكيف استفادوا من عملية التحول الديمقراطي. وسيؤدي قرار الجيش بالاستيلاء على السلطة بحجة إجراء انتخابات "مزورة" إلى إعاقة النمو الاقتصادي ي بالدولة الآسيوية التي يبلغ عدد سكانها 55 مليون نسمة. ولقد تأثرت الشركات التجارية والاستثمارية في ميانمار بسبب تطورات الأحداث التي تشهدها البلاد وتفكر العديد من الشركات في سحب استثماراتها من ميانمار. ومع استمرار الاضطرابات والاحتجاجات المدنية والتهديد بالعنف، ستهتم الشركات الأجنبية بسلامة موظفيها وبيئة العمل، بالإضافة إلى أن فرض العقوبات التجارية والمالية المتوقعة سيؤثر على قدرة الشركات على العمل في ضوء ارتفاع التكاليف والقدرة على التصدير وكذلك قيود المعاملات المالية. وحتى إذا أجرى الجيش انتخابات في غضون عام واحد كما وعد، سيظل عدم الاستقرار وعدم الأمان يمثلان مشكلة للمستثمرين الأجانب. وتعد الشركات السنغافورية من أكبر المستثمرين الأجانب في ميانمار، وطبقاً لبيانات وزارة الاستثمار والعلاقات الاقتصادية الخارجية في ميانمار المنشورة في الفترة من يناير 2016 إلى يناير 2021، بلغت الاستثمارات السنغافورية 11.4 مليار دولار أمريكي، وتأتي الصين في المركز الثاني باستثمارات بلغت مليار دولار أمريكي 3.5، وهونغ كونغ باستثمارات52. مليار دولار أمريكي، وفيتنام1.5 مليار دولار أمريكي واليابان 1.3 مليار دولار أمريكي. وقد أعلنت شركة كيرين اليابانية العملاقة للبيرة أنها ستنسحب من مشروع مشترك مع شركة ميانمار الاقتصادية القابضة، لارتباطها بقائد الانقلاب العسكري. ومن جانبه قال ليم كالينج، أحد مؤسسي شركة الألعاب السنغافورية وصانع أجهزة الكمبيوتر، إنه سيتخلى عن حصته في مشروع مشترك في ميانمار. في الوقت نفسه، قالت شركة تطوير العقارات في تايلاند أماتا إنها علقت العمل في مشروع كبير في يانغون. وتقتصر الاستثمارات والصادرات الأجنبية في ميانمار على الملابس والزراعة والعقارات والصناعات الخفيفة، وتعد كمبوديا ولاوس وفيتنام وبنغلاديش والهند من البلدان الأكثر جذبًا للشركات التي تنقل أعمالها من ميانمار. ويعد نقل الاستثمارات الأجنبية إلى إحدى دول الآسيان خيارا منطقيًا لأن ميانمار عضو في اتحاد التجارة الحرة بالمنطقة، مما يجعل الواردات والصادرات معفاة من الضرائب تقريبًا عند الانتقال داخل دول منظمة الآسيان. كمبوديا ولاوس وفيتنام أعضاء في منظمة الآسيان، ولدى منظمة الآسيان أيضًا اتفاقيات تجارة حرة مع الصين والهند، وقد تم تعديل كليهما مؤخرًا لتوفير وصول أفضل إلى الأسواق. وستكون كمبوديا وفيتنام وبنجلاديش اختيارات منطقية بالنسبة لمصنعي الملابس. وتتمتع كمبوديا ببعض المزايا التنافسية في صناعة الملابس حيث ترفض الحكومة فرض ضرائب على الأرباح في قطاع صناعات الملابس كما ألغت رسوم إدارة الصادرات، بالإضافة إلى ذلك، في إطار برنامج الاتحاد الأوروبي مع كمبوديا، يمكن لكمبوديا تصدير معظم البضائع إلى الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية. تعد كل من فيتنام وبنغلاديش من أكبر الدول المصدرة للمنسوجات والملابس في العالم، حيث تحتلان المرتبة الرابعة والثالثة على التوالي، وقد ظهرت فيتنام كمكان بديل كفء للمصنعين من جميع انحاء العالم، وبصرف النظر عن الفوائد المتعلقة بمنظمة آسيان، لديها أيضًا اتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وروسيا، كما أن لديها تسهيلات لوجستية ممتازة. وتتميز بنغلاديش بانخفاض تكاليف العمالة والقوى العاملة الهائلة المتاحة إلى جانب التحسينات الأخيرة في التكنولوجيا وجودة منتجاتها، كما تقوم العديد من العلامات التجارية العالمية الرائدة في مجال البيع بالتجزئة بتصنيع منتجاتها من الملابس في بنغلاديش، إلى جانب ذلك، تمتلك بنغلاديش شبكة متنامية من اتفاقيات التجارة الحرة، مع الصين والهند ونيبال وباكستان وسريلانكا وتايلاند وتركيا والبرازيل. رنا أحمد