بأقلامهم
زينب الباز تكتب: تاوسرت.. ملكة مصر القوية
تعد الملكة تاوسرت أخر ملوك عصر الأسرة التاسعة عشرة، وأطلق عليها المؤرخ المصرى مانيتون السمنودى «ثوريس»، وحكمت نحو عامين كملك مصر منفردة، ويعني اسمها «القوية»، لقد كانت ملكة عظيمة، إذ عاشت في فترة إضطرابات وصراعات من تاريخ مصر القديمة، وشهدت أحداثا جسيمة، غير أنها أبلت بلاء حسنا بقدر المستطاع.
الملكة توسرت آخر ملوك الأسرة التاسعة عشرة، التي تسبب طمس وسرقة مقبرتها من قبل الملك ست نخت في هضم حقها ودخلت في غياهب النسيان لولا كشف عالم الأثار الإلماني هارتويج مولر، الكثير عن سيرتها، وانجازاتها حيث حكمت 8 سنوات، كانت مليئة بالصراعات والأزمات للفوز بعرش مصر، أكبر عقبة وقفت في سبيلها إلى اعتلاء العرش منفردة طوال المدة التي عاشت فيها أنها كانت امرأة على الرغم من أنها كان لها من الألقاب الشرعية ما يؤهلها لتولي العرش، واتخذت لقب «ملك» في صيغته الذكورية، والعديد من الألقاب الملكية مثل «سات رع، مري آمون» ويعنى: «ابنة رع، محبوبة آمون»، و«ابنة رع، سيدة الأرض المحبوبة، تاوسرت المختارة من الإلهة موت».
ملكة مصر القوية
الملكة تاوسرت تعد فريدة فى حكمها، بدأت حياتها كزوجة ملك الى جوار زوجها الملك سيتى الثانى، ولقبت بالزوجة الملكية العظمى، ثم كانت وصية على عرش أبنه ووريثه الملك الصبى سيبتاح، ثم انفردت بالحكم بعد موته حتى وصول الملك ست نخت للعرش وتأسيس الأسرة العشرين وقد حكمت منفردة أكثر من سنتين.
ولدت تاوسرت فى الفترة الأخيرة من حكم الملك رمسيس الثانى، واعتقد بعض الباحثين أنها حفيدة هذا الفرعون من ابنه الملك مرنبتاح وزوجته تاخعت، ويرى البعض الأخر أنها ربما كانت واحدة من آخر أبناء الملك رمسيس الثانى وليست حفيدته.
أكد عالم الأثار الإلماني هارتويج مولر أن تاوسرت تزوجت الملك سيتى الثانى والذى حكم مصر ستة سنوات، وكانت هي زوجته الرئيسية، ومات ابنهما خليفة العرش ولذلك آل الحكم الى الملك سيبتاح أبنه من زوجة ثانوية غير مصرية تدعى سوتالجيا، ولكنه كان صاحب مرضا كبيرا وهذا ما اثبتته فحوص مومياءه، ولذلك كان لابد من شريك له في الحكم فكانت زوجة ابيه تاوسرت.
ونفى العالم الألماني ما روجه المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت، عن زواج تاوسرت من ابن زوجها الملك الفعلى سيبتاح؛ لأنه لا ذكر مطلقا لزوجاته، ولا حتى زواجه من تاوسرت إذ كان مريضا لا يستطيع الزواج.
دور بارز في الدولة المصرية
لعبت توسرت دوراً بارزاً منذ أن كانت الزوجة الملكية العظمى للملك سيتى الثانى، واستطاعت التاثير بشكل واضح فى مجريات الأمور، وفى فترة الشراكة فى الحكم مع سيبتاح أبن زوجها تمكنت من تعظيم دورها فى توجيه سياسة البلاد الداخلية والخارجية، ولعبت الدور الأبرز فى شئون البلاد، ثم آل لها الحكم منفرده لمدة تزيد عن سنتين، الا أنها أرخت لنفسها منذ تاريخ وصايتها على عرش سيبتاح، أى أن العام الأول من حكمها منفردة يوافق العام السابع حسب حسبتها.
حاولت تاوسرت أن تدير أمور البلاد كفرعون قوى فاتبعت سياسة إعمار المعابد فى هليوبلس وسمنود وقنتير ومنف فى الوجه البحرى، وطيبة وأبيدوس والأشمون فى الوجه القبلى، ومعبد عمدا فى النوبة، كما ذكر اسمها فى فلسطين وتل دير علا فى الأردن شمالا، والنوبة جنوباً بما يشير الى وجود نشاط لها فى هذه المناطق أغلب الظن تجارى، كما أرسلت البعثات لاستخراج الفيروز من مناجم سيناء.
على الرغم من اتخاذ تاوسرت ألقاباً ملكية ذكورية وخاصة اللقب الحورى"الثور القوى" وهو مايعطى انطباعاً بقوة وفحولة ملكية بالطبع فى غير محلها، الا انها حافظت على مظهرها الأنثوى فى النحت والتصوير.
معبد غير مكتمل
واستعانت تاوسرت بـ بيا «مستشار كل البلاد»، وكان من سوريا، الذي لعب دورا كبيرا في دعم الملك سبتاح وتاوسرت كملك على العرش، وتم تصويره بجوار حاكم مصر في مرتين: الأولى مع سبتاح واقفًا وراء عرشه، والثانية مع تاوسرت واقفًا مواجهًا لها على عتب معبد عمدا في النوبة، يدل على ذلك ما جاء في أحد نقوشه: «حامل الخاتم الأعظم لكل البلاد حتى حدودها، مثبتًا الملك على عرش والده» وقد وُضع اسمه على قطعة من الحجر، وعلى ألواح من الذهب وخواتم في قطع ودائع الأساس كلها التي وُجدت للملك «سبتاح» كالتي وضعها الملك لنفسه، وذلك يدل على أنه قد استمر في إدارة شئون البلاد بصورة بارزة تدل على قوة عظيمة بعد أن ثبت سيده على العرش، ويعد «باي» الموظف الوحيد الذي كان له امتياز في أن يُدفن مع الملوك في واديهم، وكان دوره كبيرا وبارزا في السياسات المصرية لأربع سنوات، إلى أن قُتل لأسباب غامضة.
وشيدت تاوسرت معبدا غير مكتمل في البر الغربى للأقصر إلى الجنوب من معبد الرامسيوم الخاص برمسيس الثانى، واتخذت لنفسها مقبرة كملك في وادى الملوك، حيث كان الدفن مقصورا على الملوك.
لم تنعم تاوسرت بفترة حكم هادئة فسرعان ما دبت بعض الفوضى فى البلاد بسبب الاقتصاد المتردى الذى تبعه ثورة شعبية وحرب أهلية، لذا فقدت الإمبراطورية المصرية في نهاية عهدها عوائدها من الخارج وحدث تضخم كبير ونقص حاد في المواد الغذائية في البلاد، واندلعت حرب أهلية متقطعة في البر الغربى لمدينة طيبة الأقصر الحالية، وقام الليبيون بتهديد الحدود الغربية والدلتا.
وفاة في ظروف غامضة
وماتت تاوسرت في ظروف غامضة وأن كانت الشواهد تؤكد أن خليفتها الملك ست نخت خلعها من العرش كما ظهر في لوحته التذكارية في إلفنتين في أسوان وبغياب تاوسرت، تنتهى الأسرة التاسعة عشرة، وكانت هذه هى شهادة الوفاة الفعلية للإمبراطورية المصرية والتوسعات الخارجية لمصر.
وحملت مقبرتها رقم 14 بين مقابر الوادى وبدأ العمل في هذه المقبرة في عهد سيتى الثانى، وربما كانت مخصصة لدفن سيتى الثانى وتاوسرت، وتم توسيعها في عهد مشاركتها في الحكم، ثم ثانية في عهد حكمها ولم يتم الانتهاء منها عند وفاتها، فاغتصبها ست نخت، أول ملوك الأسرة العشرين، ووسع المقبرة لتصبح واحدة من أطول مقابر وادى الملوك، ورفع منها جثمان تاوسرت ولم يجدها أحد حتى الآن وأعاد دفن سيتى الثانى في مقبرة رقم 15 في وادى الملوك، وكان ذلك سبب طمس تاريخها، لذا لم يتم العثور على مومياء تاوسرت، إلى الآن، وإن كان يعتقد أنها قد تكون صاحبة المومياء الموسومة بـ«المرأة غير المعروفة د»، والمكتشفة في الخبيئة التي تم اكتشافها في مقبرة الملك أمنحوتب الثانى، رقم 35 في وادى الملوك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- كتاب ملكات مصر، ممدوح الدماطي
- كتاب الدور السياسى للملكات فى مصر القديمة، محمد علي سعدالله
- موسوعة مصر القديمة الجزء السابع، سليم حسن