بأقلامهم
محمد السمالوسي يكتب: الثانوية العامة والذكاءات المتعددة
عندما كنت طالبًا في الثانوية العامة، كتبت مقالة بسيطة متواضعة محاولة مني للتعبير عن هذا اليوم المشهود، يوم ظهور نتيجة الثانوية العامة، وكانت تحت عنوان «اليوم الذي ينتظرونه».. لم أكن أعي وقتها أن الله قد وهبني موهبة الكتابة بأنواعها.
وردت في المقالة هذه العبارة : « إذا كنت من أصحاب الدرجات العُلا، فأنت مُرحب بك، مُهش مُبش لك، وإن لم توفق، فأنت مَطلي بالقار كجمل أجرب، لا مفر لك إلا الصحراء »
وعندما تقدّمت بي الخبرات والدراسات ونمت القراءات والاحتكاكات وجدت أن المبالغة في الاحتفاء بدرجات الثانوية العامة، هُراء اجتماعي، ضيّع الكثير من قدرات الأبناء، ووأد ذكاءات كان يمكن استغلالها في تحسين الأوضاع والأحوال.
وأدركت أيضًا كمية العبث الاجتماعي، عند المقارنة بين الطلاب، غير مدركين لمفهوم الفروق الفردية، وهذه كلها مفاهيم وثقافات يبَّست أحلاما، ويتَّمت طموحات، ودفنت مواهب.
الثانوية العامة مرحلة مهمة، وأهميتها تمّ اكتسابها من أن المجموع سيحدد لك الوجهة التي ستخطو فيها الطريق دون النظر لاستعداداتك ورغباتك ومواهبك ونوعيات ذكاءاتك، سيقدمونك إلى مصيرك، ويدفنونك في مقبرة نفسية، وسجن عنصري في مكتب التنسيق، فنصف درجة قد ترفعك لعنان السماء ومثلها قد تبدد أحلامك وتحطم طموحاتك فما تجد نفسك إلا في طريق قد فُرض عليك قسراً.
وبما أني أؤمن أن المبالغات في الاحتفاء بالثانوية العامة هُراء، فأؤمن أيضاً أن كل طالب لديه قدر معين من الذكاءات تختلف عن غيره في درجتها، والثانوية العامة لا تقيس إلا ذكاءات وقدرات محدودة جداً، ذكاء التحصيل الدراسي والحفظ والقدرة على استرجاع المعلومة فقط كنصوص وقوالب جامدة إذا اختل منها عنصر فقد الطالب صوابه فما تجده إلا مُتلعثماً مُترنحاً كأنه قد أصيب في مقتل .
في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، توصل هوارد جاردنر إلى نظرية الذكاءات المتعددة، عارضاً فيها أنواعاً جديدة من الذكاءات والقدرات، رافضاً أن يكون التصنيف الأكاديمي المَحك في تصنيف المجتمع إلى أذكياء وأغبياء، ولكن يمكن اعتباره أحد المَحكات... وعرّف جاردنر الذكاء في كتابه (أطر العقل) بأنه : « هو القدرة على حل المشكلات أو خلق أو ابتكار نتاج أو تقديم خدمة ذات قيمة في الثقافات المختلفة ثم القدرة على اكتشاف أو خلق مشكلات ومسائل تمكن الفرد من اكتساب معارف جديدة » . من هذا التعريف يمكن القول أن من لديه نجاحاً ما في مجال ما، فهو ذكي، فالنجار في مهنته ذكي، والميكانيكي ذكي وعبقري، والنقاش ذكي.. ومعظمهم لم يتلقوا تعليماً أكاديمياً، ولكن انظروا إلى صناعاتهم وعبقرياتهم وتحفهم الفنية.
8 أنواع للذكاءات
وقسم جاردنر الذكاءات إلى ثمانية أنواع: " الذكاء اللغوي، الذكاء المنطقي، الذكاء الموسيقي، الذكاء الطبيعي، الذكاء الوجودي، الذكاء الشخصي، الذكاء الاجتماعي، الذكاء الحركي " .
لا يخلو أي إنسان من هذه الأنواع جميعًا، ولكن مع اختلاف في الدرجة بين شخص وأخر، فقد تجد الطالب ذكي في الرياضيات ولكنه متوسط في اللغات، وضعيف في العلوم، وقد تجد الطالب ذكي في جميعهم، فتحفيز الذكاء له عوامل تربوية ونفسية وبيئية ووراثية ..... الخ ، وقد تجد آخرًا لا يوجد لديه أي استعداد لا تربوي ولا مادي ولا أسري ولا بيئي، ولكنه ذكي نابهاً عبقرياً، فهذا استثناء واصطفاء من الله لا يقاس عليه.
إن الذي أود قوله هو أن المجتمع عليه أن يكف عن هذا العبث والمراهقات الفكرية، والمكايدات والتعالي الاجتماعي . فلتبحث كل أسرة عن ذكاءات وقدرات أولادها بعيداً عن التأثيرات الاجتماعية، ولا تقارنهم بغيرهم، فابنك الذي حصل على 70% ليس غبياً بل ربما يكون متميزاً جداً في الذكاء الاجتماعي والتواصل مع الناس وبناء علاقات اجتماعية فحاول تنميتها، وابنتك التي حصلت على 100% هي ذكية في القدرة على التحصيل ولكنها ربما تكون ضعيفة في الذكاء الاجتماعي وغيره من جوانب الذكاء المتعددة، فحاول تدريبها.
وختاما أقول:
لا يوجد إنسان فاشل أو إنسان غبي بل يوجد مجتمع لديه خلل في معاييره ومقاييسه.