أخبار عاجلة
"معلومات الوزراء" يستعرض في تحليل معلوماتي آفاق ديناميكية التجارة وسلاسل الإمداد العالمية
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً معلوماتياً جديداً حول ديناميكيات التجارة العالمية وسلاسل الإمداد والقيمة، مشيراً إلى أن الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، وكذا الحرب الروسية الأوكرانية، فضلًا عن الصراع في غزة، وتداعياته على منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك التوترات في البحر الأحمر، أدت إلى إحداث تحول في ديناميكيات التجارة العالمية وسلاسل الإمداد والقيمة، ففي حين أسهمت هذه الاضطرابات في خلق تحديات ملموسة، خلقت إعادة توجيه التجارة العالمية أيضًا فرصًا جديدة، ومنذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية، أظهرت بعض الاقتصادات مرونة كبيرة في التعامل مع الأزمة.
وأضاف التحليل أنه بالنظر إلى التجارة السلعية العالمية، انخفضت قيمة التجارة السلعية العالمية بالدولار الأمريكي بنسبة 5% في عام 2023 لتصل إلى 24.01 تريليون دولار أمريكي، ويُعزى الانخفاض في قيمة صادرات السلع جزئيًّا إلى الانخفاض في أسعار النفط والغاز.
لكن الانخفاض في التجارة السلعية قد تم تعويضه بارتفاع قوي في قيمة تجارة الخدمات بنسبة 9%، لتصل إلى 7.54 تريليونات دولار أمريكي، مدفوع بتحسن الخدمات المرتبطة بقطاع السياحة والسفر بنسبة 40%، وكذلك ارتفع الطلب على الخدمات الرقمية، واستقرت مساهمة تجارة السلع والخدمات خلال الربع الرابع من عام 2023؛ مما يشير إلى نهاية التراجع في التجارة العالمية للسلع، ونهاية الاتجاه التصاعدي القوي في تجارة الخدمات.
وقد تحولت أنماط التجارة في عدد من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من بينها الجزائر والكويت وعمان وقطر؛ مسجلة ارتفاعًا -يصل إلى الضعف تقريبًا- في صادراتها من الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي في عامي (2022 و2023) لتلبية زيادة الطلب على استيراد النفط والغاز من الدول الأخرى بخلاف روسيا.
وأشار التحليل إلى أن توقعات عام 2024 جاءت باتجاه أكثر تفاؤلًا؛ حيث أدى انخفاض معدلات التضخم العالمي إلى تحسين توقعات النمو الاقتصادي، ومن المتوقع أن ينمو حجم التجارة السلعية العالمية بنسبة 2.6% في عام 2024، و3.3% في عام 2025، بعد الانخفاض غير المتوقع بنسبة 1.2% في عام 2023، وذلك وفقًا لمنظمة التجارة العالمية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الطلب المتزايد على السلع البيئية من شأنه أن يعزز التجارة في عام 2024.
من ناحية أخرى، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي بأسعار صرف السوق من 3.1% في عام 2022 إلى 2.7% في 2023، ولكن من المتوقع أن يظل مستقرًّا خلال عامي 2024 و2025 عند نحو 2.6% و2.7% على التوالي، ويرجع التناقض بين النمو المستقر للناتج المحلي الإجمالي والتباطؤ في حجم تجارة السلع إلى الضغوط التضخمية التي كان لها أثر سلبي على استهلاك السلع كثيفة التجارة.
واستعرض التحليل بعض العوامل التي اعتبرها الأكثر أهمية وتأثيراً على التجارة العالمية في عام 2024، وفقًا لمنظمة الأونكتاد التابعة للأمم المتحدة، ومنها:
-إيجابية النمو الاقتصادي العالمي، ولكن مع وجود فوارق بين الدول والأقاليم المختلفة.
-الطلب القوي على كل من شحن الحاويات والمواد الخام.
-تقلُّب أسعار السلع الأساسية.
-زيادة الدعم والتدابير المقيدة للتجارة.
-التوترات الجيوسياسية التي تؤدي إلى تعطل طرق الشحن، وارتفاع تكاليف الشحن، وتمديد فترات الرحلة، وتعطيل سلاسل التوريد.
وذكر مركز المعلومات في تحليله أن مصطلح سلاسل القيمة يشير إلى العملية التي تتلقى فيها الشركات المواد الخام، وتضيف قيمة إليها من خلال الإنتاج والتصنيع والعمليات الأخرى للوصول إلى المنتج النهائي وبيعه للمستهلكين، فيما تمثل سلاسل التوريد الخطوات التي يتم اتخاذها لتوصيل المنتج أو الخدمة إلى العميل في مختلف أرجاء العالم، وغالبًا ما تتعامل مع خدمات ما بعد البيع، وفي حين تشمل سلاسل التوريد جميع الأطراف لتلبية طلب العميل، فإن سلسلة القيمة هي مجموعة من الأنشطة المترابطة التي تستخدمها الشركة لإنشاء ميزة تنافسية.
وأوضح التحليل أن مصر أدركت أهمية الاندماج في سلاسل القيمة والتوريد، خاصةً في ظل الموقع الجغرافي الذي يؤهلها لتكون ليس فقط جزءًا من سلاسل القيمة والتوريد العالميين، بل أيضًا مركزًا رئيسًا، وذلك من خلال ربط الشرق بالغرب، ويمكن تحقيق ذلك من خلال ربط آسيا وروسيا من جهة، وأوروبا وإفريقيا من جهة أخرى؛ حيث يمكن لدول شمال إفريقيا الاستفادة من علاقاتها القوية مع أوروبا، شريكها الاقتصادي التاريخي، للارتقاء بالسوق المشتركة لزيادة الاندماج في سلاسل القيمة العالمية.
وعلى الرغم من تضرر مصر من الواردات السلعية جراء تفاقم أزمة سلاسل الإمداد العالمية عقب الأزمة الروسية الأوكرانية، فإن تعطل سلاسل الإمداد العالمية يُعد فرصة متميزة لجذب الشركات العالمية إلى محورية دور مصر كمركز عالمي محتمل لسلاسل الإمداد، ولا سيما أن مصر تُعد مدخلًا للسوق الإفريقية والآسيوية، وتستفيد من وجود قناة السويس ومحورها الاقتصادي.
هذا، وتُعد قناة السويس أحد المصادر الرئيسة للدخل القومي واحتياطيات العملات الأجنبية في مصر، وعلى الرغم من ظهور مشروعات مقترحة أو حالية لإنشاء طرق جديدة وإحياء الطرق القديمة سواء كانت بحرًا أو برًّا، فإنه يمكننا القول إنه لا توجد منافسة حقيقية لقناة السويس، ولكن بعض المنافسات الجزئية من قناة بنما ورأس الرجاء الصالح؛ إذ إن قناة السويس عاملًا رئيسًا في خارطة طريق مصر نحو تكامل سلاسل الإمداد العالمية، كما اجتذبت منطقتها الاقتصادية العديد من المستثمرين.
أشار التحليل إلى إن مصر تُعد بيئة جاذبة للاستثمارات الدولية؛ حيث تصدرت الدول الإفريقية التي تتلقى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عام 2023، بالإضافة إلى ذلك شهد قطاع البنية التحتية فيها في السنوات الأخيرة نموًّا كبيرًا على الأصعدة كافة.
وفي ظل التوترات التجارية العالمية حالياً أفاد التحليل أنه من المتوقع أن تستفيد شركات التصنيع العالمية من الميزة النسبية التي تتمتع بها مصر، في إطار إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وذلك من خلال سرعة الوصول إلى الأسواق؛ نظرًا لموقع مصر الجغرافي والقرب من الأسواق الرئيسة في أوروبا.
دور مصر الرائد كسوق يمكن الانتقال والوصول إليها
وتؤدي مصر دورًا رائدًا في الوقت الراهن في ظل حياديتها كسوق يمكن الانتقال والوصول إليها، خاصةً في ظل علاقاتها التجارية القوية مع كل من الصين والدول الغربية، فعلى سبيل المثال، قامت شركات صناعة المنسوجات والأجهزة التركية بنقل عملية الإنتاج من تركيا إلى مصر في عام 2023، علاوةً على ذلك، قامت شركة هاير العالمية للأجهزة المنزلية بالاستثمار في إقامة مصنع في مصر باعتبارها مركزًا لتصدير منتجاتها، وحتى تستفيد من الاتفاقيات التجارية المصرية؛ وهو ما يمكنها من سهولة الوصول إلى الأسواق في إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، وبالمثل، قامت شركة Guangdong Vanward New Electric، وهي شركة صينية مُصنِّعة لسخانات المياه، بنقل بعض خطوط الإنتاج إلى مصر؛ وذلك للهروب من التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.
أوضح التحليل أنه في إطار تيسير حركة التجارة وسلاسل الإمداد، شهد العالم خلال السنوات الأخيرة الإعلان عن عدد من الممرات التجارية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على حركة التجارة العالمية مستقبلًا على النحو التالي:
- الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا: وقد أُطلِق على هامش انعقاد قمة مجموعة العشرين التي عُقدت بالعاصمة الهندية نيودلهي في سبتمبر 2023، وهو ممر اقتصادي جديد يضم عدة دول، ويهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية من خلال تعزيز الاتصال والتكامل الاقتصادي بين آسيا والخليج العربي وأوروبا، وتدعم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي الممر؛ بهدف ربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط.
- الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني: وضعت الصين وباكستان خطة طويلة الأجل لبناء مرافق النقل والطاقة على طول الممر في شهر أبريل 2015، ومن المُتوقع أن تُحفز هذه المرافق إطلاق مشروعات كبرى أخرى في البنية التحتية، والطاقة، والحفاظ على المياه والمعلومات والاتصالات، بما في ذلك المناطق الصناعية ومناطق التجارة الحرة، وباستثمارات إجمالية تبلغ نحو 45 مليار دولار أمريكي، ومن المقرر أن يكتمل بناء الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني بحلول عام 2030.
ويهدف الممر إلى تعزيز التبادلات التجارية والاقتصادية والتعاون الثنائي في مجالات النقل والطاقة والشحن البحري وتعزيز التواصل بين البلدين، بما يحقق أهداف التنمية المحلية والمشتركة، وتعزيز الاتصال عبر جنوب آسيا، وتوسيع التعاون في قطاعات الاقتصاد والطاقة بين دول جنوب ووسط آسيا، وشمال إفريقيا وعلى طول الخليج العربي، وبالتالــي يسـتفيد منه ما يَقرب من 3 مليارات نسمة.
الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC
يُعد الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني CPEC المشروع الرئيس لمبادرة الحزام والطريق، ومن ثمّ سوف يحقق للصين نموًّا جيو-استراتيجيًّا كبيرًا، فضلًا عن تحقيق تنمية اقتصادية شاملة وفوائد جمة، وذلك فيما يتعلق بتخفيض الوقت والمسافة في نقل المواد البترولية المستوردة، ويُتوقع أن تستفيد منه -بشكل مباشر- مواني عدد من دول المنطقة؛ نظرًا لوقوعه خارج مضيق هرمز، ويمكنه التعامل مع سفن الشحن الكبيرة وناقلات النفط، فضلًا عن موقعه الاستراتيجي كمركز إقليمي وميناء شحن مستقبلي.
وفي هذا السياق، سوف يؤدي الممر دورًا كبيرًا في تزايد الأهمية الجيو-استراتيجية لقناة السويس، لا سيما مع تحقيق بكين نموًّا اقتصاديًّا كبيرًا، ونظرًا لقدرة قناة السويس على استيعاب الحجم الكبير لسفن الشحن التي تُعتبر مهمة للاقتصاد الصيني، ومرور ما يقرب من 60% من حجم التجارة الصينية عبر النقل البحري، ومع زيادة حجم التجارة الصينية بالمنطقة سوف تظل الصين مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقناة السويس، وسيُعزز الممر الاقتصادي معدل مرور السفن في القناة، فضلًا عن تزايد الطلب على مصادر الطاقة المختلفة.
- الممر الأوسط: يُعرف أيضًا باسم طريق النقل الدولي عبر بحر قزوين "TRANS-CASPIAN INTERNATIONAL TRANSPORT ROUTE"، ويمتد الممر عبر كازاخستان وبحر قزوين وأذربيجان وجورجيا، ثم إلى أوروبا عبر تركيا أو البحر الأسود، ويوفر الممر الأوسط طريق عبور بديلًا للنقل البحري والممر الشمالي (الطريق البري بين الشرق والغرب عبر روسيا) للتجارة بين الصين وأوروبا، ومنذ أن بدأت الحرب الروسية في أوكرانيا، زادت أحجام البضائع المنقولة عبر الممر الأوسط زيادة كبيرة، من 600 ألف طن في عام 2021 إلى 2,7 مليون طن في عام 2023، ورغم أن الممر الأوسط لا يُسهم سوى بنسبة ضئيلة في حجم التجارة الكلية بين الصين وأوروبا، فإنه يتيح إمكانات مهمة لتنمية منطقة القوقاز وآسيا الوسطى ودمجها في سلاسل الإمداد العالمية.
اختتم التحليل بالإشارة إلى أنه في ظل مشهد عدم اليقين الذي يكتنف التجارة العالمية في الوقت الراهن، فإن الرؤى الاستراتيجية المتبصرة والإصلاحات الاستباقية على صعيد السياسات ستشكل عوامل رئيسة في تمكين الدول من تحقيق مكاسب في التجارة والدخل، فضلًا عن معالجة التحديات التي تفرضها هذه الصدمات واغتنام الفرص مستقبلًا، وذلك من خلال خفض الحواجز التجارية وتحسين فرص الاندماج في سلاسل الإمداد والقيمة، وتعزيز الأطر التنظيمية، وكذا النهوض بالبنية التحتية وتعزيز اتفاقيات التجارة الثنائية ومتعددة الأطراف، ومن الممكن أن تؤدي تلك السياسات إلى زيادة حجم التجارة العالمية، وأن يرتفع الناتج الاقتصادي العالمي، وسوف يُسهم ذلك أيضًا في تعزيز الصلابة في مواجهة صدمات التجارة مستقبلًا من خلال تنويع مسارات السفن، وعلى المدى المتوسط من خلال إيجاد ممرات تجارية بديلة وتنويع التجارة.