اهم الاخبار
الثلاثاء 16 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

محمد رجب: أفشيت سر المشير عبد الحليم أبو غزالة لـ الرئيس مبارك

محمد رجب: أفشيت سر
محمد رجب: أفشيت سر المشير عبد الحليم ابو غزاله لـ الرئيس مبا

رن جرس التليفون في مكتبي ورفعت السماعة ، فوجدت صوتا يسألني : حضرتك الأستاذ محمد رجب ؟ ، فأجبته بالإيجاب , فقال : أنا المقدم أيمن , قلت : أهلا وسهلا , هل من خدمة يمكنني تقديمها لك ؟ ، قال : أنا مدير مكتب سيادة المشير أبو غزالة ، أنت قابلت المشير وطلبت منه تحديد موعد للقائه ، وهو يسألك عن الموعد المناسب لك للحضور ، قال : هل يناسبك غداً في التاسعة صباحا ؟ ، قلت : أفضل أن يكون اللقاء بعد انتهائه من واجبات وظيفته ، أي بعد الظهر لأنني أرغب في البقاء معه مدة أطول ، وبالتالي لا ينقطع حديثنا ، قال : فليكن موعدك الساعة الثانية بعد ظهر غد ، كنت قد التقيت المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أحد اجتماعات الرئيس حسني مبارك فقدمت له نفسي والكارت الشخصي وطلبت منه أن أقابله .

قهوة المشير

علي اية حال وقبل الموعد المحدد بخمس دقائق ، كنت واقفاً أمام باب وزارة الدفاع ، فوجدت من ينتظرني ليقودني إلى مكتب المشير ، وبالداخل وجدت عدداً كبيراً من أصحاب الرتب العسكرية العالية بالمكتب ، فتصورت أن كل أولئك ينتظرون لقائه ، فقلت للمقدم أيمن : يبدو أنني وصلت في وقت غير مناسب ، يمكنني أن أغادر وأعود في وقت آخر ، فابتسم وقال : موعدك الساعة الثانية ، في هذا التوقيت تماماً سيستقبلك المشير .

بالفعل بمجرد أن حلت الساعة الثانية قال لي المقدم أيمن تفضل بالدخول ، وتركني بدون أن يصطحبني ، وهي علامة على اعتبار أنني لست من الغرباء ، ولما دخلت وجدت المشير واقفا في منتصف مكتبه مرحبا بي بحرارة ، وعانقني وكأنني صديق قديم له ، قال : تفضل يا محمد بيه ، أنا تحت أمرك ، لكن قبل ما يشغلنا الحديث ، ماذا تحب أن تشرب ؟ ، ولما قلت لا داعي للمشروبات ، قال : أنا سأشرب قهوة فهل تشرب قهوة معي ؟ ، قلت : اشرب قهوة مع سيادتك .

تفاصيل اول لقاء

حرصاً على وقت المشير تحدثت فيما أنا قادم من أجله مباشرة ، وقلت : جئت إليك في ثلاثة أمور ، الأول أن تساعدني في أن يعرف الشباب كل شيء عن حرب أكتوبر والنصر العظيم ، الثاني أن تساعدني في تشغيل الشباب الذين يتخرج منهم الآلاف كل عام ولا يجدون عملا ، والقوات المسلحة لديها مراكز للتدريب والتأهيل بمكنها مساعدة هؤلاء في تغيير وتطوير مهاراتهم  ، أما الأمر الثالث فأن تلتقي بالشباب في معهد إعداد الكوادر الشبابية بمدينة السلام .

استمع المشير منصتاً ورحب بكل ما طلبته ، واستدعى ثلاثة ممن يحملون رتبة اللواء الموجودين بمكتبه ، هم اللواء منير شاش الذي صار محافظا لشمال سيناء فيما بعد ، واللواء كمال حجاب المسئول عن مراكز التدريب المهني ، واللواء بحري فؤاد لبيب وكان مساعد الوزير للشئون المالية ، قدمني المشير إليهم وعرفهم بي باعتباري صديقاً له ، وشرح لهم ما طلبته منه وأبلغهم موافقته ، وطلب منهم تقديم كل العون للشباب ، وقال إنه مهتم شخصيا بما طرح من نقاط .

اقرأ أيضا: الدكتور محمد رجب يكتب : النظام السياسي المصري والجمهورية الثانية .. والدعوة لمؤتمر عام للقوى الوطنية المصرية

مش هناخد حق ولا باطل مع محمد رجب

واجتمعت مع اللواءات داخل مكتب المشير لمدة تقرب من ساعتين ، بينما هو جالس بمكتبه يدير مهام وظيفته ، وخلال الاجتماع سألني مساعد الوزير للشئون المالية : من الذي سيتحمل تكاليف هذه الأمور ؟ ، قلت : سيادة المشير هو اللي ها يتحمل التكاليف ! ، التفت المشير وسألني : صحيح يا محمد ، مين اللي ها يتحمل التكاليف ؟ ، قلت : سيادتك طبعاً ، أنا شرحت لسيادتك انني والشباب لا نملك شيئا ، وكما يقال " يا مولاي كما خلقتني " ، كل ما أستطيعه تجنيد الشباب للصالح الوطني ، لكن التكاليف المالية هاتكون على سيادتك ، مش حضرتك الذي ستدعو الشباب لزيارة سيناء واستضافتهم في مراكز التدريب ؟ ، إذن حضرتك المضيف الكريم الذي سيتحمل ، ابتسم المشير وقال لمساعده : خلاص احنا نتحمل التكاليف كلها .

خناقة .. مين يدفع تمن وجبة الغداء ؟

فقال مساعده : هناك مشكلة ، سيتناول الشباب وجبتين في نادي الضباط خلال الذهاب والعودة ، ولا نستطيع تحملها فموازنة النوادي مستقلة ، ووجه سؤاله للمشير : مين اللي ها يدفع ثمن الوجبة يافندم ؟ . فسألني المشير : صحيح مين اللي ها يدفع يا محمد ؟ ، فسألت المساعد : كم ثمن الوجبة ؟ ، قال : خمسة جنيهات لكل وجبة ، قلت بلهجة لا تخلو من التهكم : ها دفعها أنا ، فقال المشير : خلالص يا كمال , محمد حلها لك ، قلت : حل إيه يا سيادة المشير ! ، هل يعقل أن أبلغ الشباب بأن المشير يدعوهم لزيارة سيناء على نفقة القوات المسلحة ، وأعود أقول لهم لكنكم ستتحملون عشرة جنيهات قيمة وجبتي الغذاء ؟ ، هل يعقل ؟ ، ونظرت إليه مثبتاً نظري في عينيه ، وقلت : كتر خير حضرتك ، وكأنك عزمتني لكي أشرب القهوة ، وأثناء خروجي جاء العامل ليطلب مني جنيهين ثمن فنجان القهوة ، ولو حاولت إقناعه أن سيادتك الداعي لن يقتنع .

نفس هذا الموقف سيحدث مع الشباب ، الذي سيتساءل : كيف يدعونا المشير لرحلة ستتكلف الكثير ، بينما يطالبنا بسداد ثمن الغذاء ! ، ووجهت كلامي إليه قائلا : حضرتك كمن دعا الشباب على أكلة معتبرة ، لكنها فسدت لعدم وجود ملح ، ضحك المشير وقال لمساعده : خلاص يا كمال أنا ها تحمل هذا المبلغ ، لأننا مش ها نعرف ناخد حق ولا باطل مع محمد رجب .

رحلة تاريخية لأرض المعركة

بالفعل بدأ برنامج موسع بالتعاون مع المشير والقوات المسلحة ، شارك فيه آلاف الشباب ، زاروا خلاله سيناء والتقوا مع رجال القوات المسلحة ، الذين شاركوا في الحرب ، وحكوا لهم عن البطولات وعن تفاصيل المعارك ، فكان ذلك أفضل من المحاضرات النظرية التي كان يمكن أن نلقنها للشباب ، فقد كانت معالم الحرب وآثارها مازالت موجودة على الأرض ، وهو ما أتاح للشباب فرصة التخليل لما دار من معارك رهيبة ، وكان حطام دبابات العدو مجسدا لحجم الحرب ، وحجم النصر ، وزار الشباب خط بارليف الذي انهار تحت أقدام جنودنا ، وكان من حسن حظ الشباب أن الضباط المصاحبين لهم في زياراتهم على أعلى قدر من الكفاءة والوعي ، بما يؤدونه من دور وفهم لطبيعة هذه الزيارات وفوائدها للشباب .

زيارات متكررة لـ وزارة الدفاع

تكررت زياراتي للمشير الذي كان دائما مرحبا بالزيارة ، وبما يدور خلالها من نقاش حول قضايا الشباب ، وكان دائم السؤال عن مدى تأثير برنامج الزيارات إلى سيناء ، وما يمكن أن يؤدي إلى تحسين النتائج ، وكان الجزء الثاني من مطالبي للمشير يتم على أكمل وجه وهو عملية التدريب التحويلي للشباب ، الذين كانت تسهيلات القوات المسلحة لهم غير مسبوقة ، بل كانت تنقله من وإلى مراكز التدريب سيارات القوات المسلحة ، وقام الشباب بتولي مسئوليات في مجال عملهم بأقل التكاليف ، وانتشروا يمارسون عملهم ومهامهم الوطنية في نفس الوقت .

اقرأ أيضا: د. محمد رجب يكتب: أنا والبدري فرغلي.. ظاهرة تستحق الدراسة

سر مشروح استصلاح الـ مليوني فدان

اتصل بي المشير ذات يوم وطلب مني الحضور إلى مكتبه ، هناك طلب عدم دخول أي شخص ، وحدثني عن مشروع كبير ينوي عرضه على الرئيس مبارك بعد بلورة كل التفاصيل ، أخرج المشير شاشة عرض وقام بنفسه بعمل _ بريزنتيشن _ أو تقديم للمشروع والخرائط مع شرح وافي ، وكان المشير قد طلب دراسات حول المناطق الجنوبية لمصر من حيث قابليتها للاستصلاح والاستزراع ، فوجد أن هناك ما يقرب من مليوني فدان صالحة للزراعة ، لكن ينقصها المياه ، وقال إنه توصل من خلال القوات المسلحة إلى طريقة يمكن بها استخدام أجهزة معينة لتحلية مياه البحر وزراعة كل هذه المساحة ، وأضح أنه طلب لقائي لكي يتأكد إن كان الشباب يوافق على العمل في المشروع ، فأكدت له أن الشباب يوافق فورا على العمل في المشروع ، طالما أنه يحقق أهدافا وطنية كبيرة ، ولأنه سيستفيد بالعمل كوظيفة تحقق ذاته وتوفر له الحياة الكريمة ، وأكد لي المشير أن هذا المشروع لا يعلم به أحد سواه وأنا ، وطلب مني أن يكون كلامنا الذي تم في مكتبه في غاية الكتمان ، وألا أبوح به لأحد مهما كان ، وعندما يعرض الموضوع على الرئيس سيقوم بجولة ، وسأكون أنا موجود معهم .

يوسف والي عرف مني التفاصيل

سرني هذا المشروع ، وبدأت أفكر فيما يمكن أن يعود به على مصر وعلى الشباب ، وبعد أن خرجت من عند المشير ذهبت للقاء الدكتور يوسف والي الأمين العام للحزب الوطني ونائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة ، وكان الوقت مبكرا فسألني : ما الذي جعلك تبكر في الخروج والحضور ؟ ، وبدون تركيز قلت له : أنا قادم من عند المشير أبو غزالة ، أثير انتباهه وتساءل : ما الذي دفعك لزيارته ؟! ، واستكمالا لعدم التركيز حكيت له بالتفصيل عن الزيارة ، وعن مشروع المشير ومدحت في المشروع ، ولم يعقب الدكتور والي على كلامي .

مر شهر أو أكثر وفي لقاء قابلت المشير وسألته عن أخبار المشروع ، فانتحى بي جانبا وسألني : هل أبلغت الرئيس عن المشروع ، قلت : لم أبلغ الرئيس ، ولم ألتقي به أصلا ، وهذا حقيقي لكني شعرت بالذنب لما قلته للدكتور والي ، فقال المشير : يبدو أن الرئيس علم بالمشروع ، فبمجرد أن فاتحته وأردت أن أعرض عليه المشروع بادرني بما أكد لي أنه على علم بالموضوع ، وقال : مش وقته يا محمد ( أبو غزالة ) بعدين نشوف الموضوع ده .

ثقة واعتزاز بالنفس

من سمات المشير أبو غزالة ثقته بنفسه ، واعتداده بشخصه ، لذلك كان صريحاً في حواراته مع الشباب ، وحتى خلال جلسات لجنة الدفاع والأمن القومي ، سواء بمجلس الشعب أو بمجلس الشورى ، فكان لا يحجب أسراراً ، طالما لا تمس الأمن القومي ، بل كان يسمح بفتح اللجنة لحضور الصحفيين ، مؤكدا ثقته في وعيهم ووطنيتهم ، لذلك عندما كررت دعوتي له للقاء الشباب بمعهد السلام ، وجدوا منه ذخيرة توعوية ومعلوماتية .

ابو غزالة المشير السياسي

في البداية امتنع عن قبول الدعوة بسبب حساسيته ، وخشيته أن يفسر البعض هذه اللقاءات أو يؤولها تأويلا على غير حقيقته ، وقال لي : انا رجل عسكري ولا علاقة لي بالسياسة ، فقلت : سيادتك عسكري بصفتك القائد العام للقوات المسلحة ، لكن سياسي بحكم كونك وزير الدفاع ، ولما استجاب كان حريصاً على أن تكون لقاءاته على أعلى مستوى من التنظيم والفائدة ، فكان يسبقه قادة كبار من أكاديمية ناصر العسكرية ، ومعه متخصصون فنيون لكي يعدوا قاعة اللقاء بكل وسائل الشرح والتقديم والأفلام والخرائط ، أعجب الشباب بالمشير الذي كان شخصية وطنية عظيمة له باع في الثقافة العسكرية والثقافة العامة ، ويعرف كيف يزيل الحواجز بينه وبين الآخرين ، فالتف حوله الشباب ، ووثقوا فيما يقول ، ورأوا فيه قيادة غير تقليدية ، وهو أشبع عطشهم للمعرفة ، وزادهم من جرعة الوطنية ، واعياً دوره ومقدراً دورهم .

كان أبو غزالة عسكرياً من الطراز الأول ، كما كان سياسياً  من مستوى رفيع  .

د. محمد رجب يكتب: أنا والبدري فرغلي.. ظاهرة تستحق الدراسة

كاتب المقال: زعيم الاغلبية الاسبق بمجلس الشورى والمستشار السياسي لرئيس حزب الحركة الوطنية المصرية