د محمد رجب يكتب: فؤاد محي الدين أفشل سيناريو تنصيب أبو غزالة رئيساً وساند مبارك

لم أتوقع أن يكون الدكتور فؤاد محيي الدين صديقاً مقرباً مني إلىّ هذا الحد حتى توفاه الله ، وبداية علاقتي معه كانت بسبب مظاهرات الطلبة ، التي جرت في الإسكندرية عام 1972 ، وقت أن كان محافظاً هناك ، كنت وقتها أميناً مساعداً للتنظيم بمنظمة الشباب ، وكان الدكتور كمال أبو المجد أميناً عاماً ، فسافرنا لمقابلة المحافظ الذي كان لقائي معه الأول ، بعدها توجهنا لمقر المحافظة ، لم أشعر إيجابياً ناحية الدكتور فؤاد محي الدين ، الذي كان مشغولاً ومتوتراً ، بسبب المظاهرات التي خرجت تندد بحالة اللا سلم واللا حرب ، التي كنا نعيشها في ذاك الوقت .
علاقة قوية استمرت على 12 عاماً
وكان المحافظ يخاطب الدكتور كمال أبو المجد ، الذي يعرفه جيداً بينما كان يعتقد أن عمري الشاب لا يسمح لي بتكوين رأي سياسي مناسب للأحداث ، كان المحافظ متعجلاً لإنهاء اللقاء ، لكني طالبته بالانتظار واستمرار المناقشة ، فتوقف لحظة ثم طلب مني مواصلة الحديث في أحد مكاتبه بالمحافظة ، وبعدها واصلت حواري معه خلال قيامه بتوديعنا ، ليستمر الحديث مع المحافظ ، وكان بداية لـ علاقة قوية استمرت على مدى 12 عاماً ، كانت الباقية من عمر هذا السياسي المخضرم .
وطن بدون شباب وطن بدون مستقبل
كان محبا للشباب ، وله مقولة يرددها : " وطن بدون شباب .. وطن بدون مستقبل .. وحزب بدون شباب .. حزب بدون مستقبل " ، وكنت أنسق معه في ترشيحات الشباب عام 1984 لمجلس الشعب ، وعرضت عليه ترشيحات أمانة الشباب ، ووافق على معظمها ، وبقيت دائرة مركز ساقلتة بسوهاج ، وكان يشغل مقعد المجلس بها أحد كبار عائلة عاشور ، ولكننا في أمانة الشباب رشحنا فاروق عاشور أيمن شباب المحافظة ، وهو قريب للنائب الذي كان موجوداً ، وسعى النائب مع المحافظ لإقناع فاروق عاشور بالتنازل لصالح قريبه ، لكن فاروق رفض ، واتصل بي الدكتور فؤاد وقال : موضوع فاروق عاشور خلص ، فسألته : كيف ؟ ، فقال : فاروق تنازل لصالح قريبه ، والمحافظ أكد لي أن لا مشكلة ، قلت له : غير صحيح ، فاروق لم يتنازل ، وطلبت منه أن يعطيني فرصة للتأكد مما قال . على الفور اتصلت بفاروق عاشور في سوهاج ، وعاتبته على ما سمعت من رئيس الوزراء ، فأكد فاروق أنه لم يتنازل ، وهو مصمم على الترشح ، فطلبت منه الحضور فوراً إلى القاهرة ، وبالفعل وصل خلال ساعات ، وأثناء وجوده بمكتبي اتصلت بالدكتور فؤاد ، وراجعته فيما قاله المحافظ ، لكني وجدته يؤكد ان فاروق تنازل ، فقلت له : " فاروق معي بالمكتب " ، وهو ينفي تنازله , فطلب مني أن يذهب فاروق إليه ، وبالفعل سارع فاروق في الذهاب إليه بمجلس الوزراء ، وخلال وجوده اتصل محيي الدين بالمحافظ ، الذي كان كلامه متردداً ، وقال له : إننا نبذل محاولات لإثنائه عن الترشح ، فحسم د. فؤاد الأمر ، وقال له سيتم ترشيح فاروق عاشور .الشباب كان ينام في الخيام الممزقة
اذكر انه لم يعتذر أبداً عن دعوة ، وجهتها له لحضور معهد السلام الخاص بالشباب ، وأنشأنا المعهد بجهود مضنية ، وكان الشباب يبيت في خيام في ظل برد قارس أو حر قائظ ، حتى كانت مرة دعوته للقاء الشباب ، وقال إنه سيقوم بتوديع ضيف أجنبي في الساعة التاسعة ، فإما أن يلتقينا قبل اللقاء أو بعده ، وتوجست أن يخرج من المطار لاستكمال مهامه ، فقلت له أفضل أن تزورنا قبل توديع الضيف ، فوافق ، ولما وصل كان الجو شديد البرودة ، ولم تكن مدينة السلام عامرة كما هي الآن ، لذلك تأثر وعبر عن تأثره بالبرد ، فقلت له إن الشباب ينام في الخيام الممزقة هذه ، فتساءل : هناك الكثير من العمارات ، فلماذا لا تحصلون على اثنين منها لتقيموا فيها معهدكم ومعسكركم ، وعلي الفور انتهزت الفرصة ، وحررت له خطاب وجده على مكتبه في اليوم التالي ، طلبنا فيه تخصيص ثلاث عمارات للمعهد . لم يمضي وقت طويل ووجدت سعد مأمون محافظ القاهرة يتصل بي ، ويسألني : لماذا لم تحضروا لاستلام العمارات المخصصة لكم ، وانتهزت الفرصة وطلبت منه أن يحيط العمارات بسور خاص ، وبعض التسهيلات الأخرى ، وقد قدم المعهد خدامته لأجيال من الكوادر السياسية الشبابية على مدى سنوات طويلة ، وأذكر طرفة خلال زيارة د. فؤاد لنا في المعهد ، أنه خرج من بيته ونصف ذقنه غير حليقة ، ولما لاحظت ذلك طلب موس حلاقة ودخل دورة المياه لحلاقة ذقنه ، قبل لقاء وتوديع الضيف الأجنبي .السادات قال لـ مبارك محيي الدين زعيم وأخشى عليكم منه
كان محيي الدين من طراز من السياسيين ، القادرين على البقاء واستمرارهم في الحياة من خلال إمكانياته وسماته الزعامية ، التي لم يكن من السهل الاستغناء عنها , ولما شكل الرئيس أنور السادات الحزب الوطني الديمقراطي اجتمع مع قيادات الحزب الجديد وكان منهم محمد حسني مبارك نائب رئيس الجمهورية وقتها , فلما عرض التشكيل لم يكن اسم فؤاد محيي الدين موجوداً , وكان مبارك يعرفه عن قرب حيث كان مبارك مديراً للكلية الجوية في بلبيس بالشرقية وقت أن كان محيي الدين محافظا للشرقية.
مظاهرات الخبر رفضتها الحكومة واصر عليها السادات
لكن وجود محيي الدين في عضوية المكتب السياسي للحزب لم يمنع من إبعاده عن التشكيل الوزاري ، كان د. فؤاد وزيرا لشئون مجلس الشعب في حكومة ممدوح سالم ، الذي كان في نفس الوقت رئيسا لحزب مصر العربي الاشتراكي ، وبعدما أنشأ الرئيس السادات الحزب الجديد كلف د. مصطفى خليل برئاسة الحكومة الجديدة ، وفكر السادات في إنشاء حزب جديد بعد أحداث 17 و18 يناير 1977 ، والتي سميت بمظاهرات الخبز . كان السادات قرر أن يزيد من أسعار بعض السلع ومنها رغيف الخبز ، اجتمع معنا ممدوح سالم وكنت عضواً بالمكتب السياسي لحزب مصر ، وعرض علينا موضوع زيادة الأسعار ، فطلبنا منه إرجاء هذا الأمر ، وألح محمد حامد محمود وكان وزيرا للحكم المحلي في طلب إرجاء الأمر ، فدعا ممدوح سالم نائبه ، الدكتور عبد المنعم القيسوني المسئول عن الاقتصاد ، ليشرح لنا الوضع ، ولما وجد أننا رافضون لزيادة الأسعار ، أكد لنا أن هذا القرار يرغب في تطبيقه الرئيس السادات نفسه ، فلما احتدم الأمر وخرجت المظاهرات وجد السادات أن يتخذ من ممدوح سالم كبش فداء وأن يقيله ، وفي نفس الوقت كان من المناسب بعد تأسيس الحزب الجديد أن يتم تشكيل حكومة جديدة كلف بها د. مصطفى خليل .حكاية استبعاد فؤاد محي الدين من الوزارة
تم إبلاغ الدكتور محيي الدين بأنه سيتولى وزارة الصحة ، ولن يستمر وزيراً لمجلس الشعب ، لكن إعلان التشكيل الجديد للحكومة لم يتضمن اسم فؤاد محيي الدين ، تضايق محيي الدين وكان يبدي لأصدقائه ضيقه هذا ، حيث لم يجد مبررا لإبعاده عن منصب الوزير ، اتصلت به لكي أخفف عنه وأطمئن عليه ، فوجدته منفعلاً ، وقال : لماذا لا تتصل بي يا محمد ، فقلت له : لقد اتصلت بك كثيرا ولم ترد ، فصاح حزيناً مش صحيح ، التليفون من ساعة ما خرجت من الوزارة لم يرن مرة واحدة ، بينما عندما كنت وزيراً ، لم أكن أتمكن من حلاقة _ ذقني _ ، على مرة واحدة ، وأنا أحب أن أرد على التليفون بنفسي ، ثم هدأ وقال إنهم أبلغوه إنه سيتولى وزارة الصحة بدلا من مجلس الشعب ، لكن التشكيل خلا منه تمام ، ولم يتولى الصحة ولا أي وزارة ، سألني د. فؤاد : هل عندك أي معلومات عما حدث ؟ ، قلت : نعم لدي معلومات ، فطلب مني أن أزوره في بيته ، لكي أحيطه علما بما حدث .
نصبوا لـ محي الدين فخ في انتخابات شبرا ونجا منه
خروج محيي الدين من الحكومة ، ترك انطباعاً بأنه مغضوب عليه ، وجاء خروجه مواكباً لتشكيل الحزب الوطني الجديد الذي كانت قيادته لا تتقبله كثيرا ، لذلك حاولوا نصب فخ له في انتخابات مجلس الشعب ، كان محيي الدين عضوا بمجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة ، مبتعداً عن دائرة عائلته كفر شكر ، وتاركاً إياها لقريبه خالد محيي الدين ، تمثل الفخ في دفعه للترشح في دائرة عائلته كفر شكر ، وبالتالي يفقد الاعتبار عند العائلة ، وإذا ترشح بالفعل فإنه إما سيفوز ، أو سيخسر ، وبالتالي يكون قد تم التخلص من أحد قطبي عائلة محيي الدين ، وتم زرع الفتنة في العائلة والدائرة ، وكنت حاضراً تلك الجلسة ، التي تم فيها تدبير المؤامرة لفؤاد محيي الدين ، ولم يكن من الشهامة والعلاقة بيننا أن أتغافل عما جرى في حضوري وألا أبلغه ، وقد أبلغته بالفعل وغلفت الحيرة كلماته ، وهو يستشيرني عن التصرف المناسب لمواجهة الفخ .كشفت المؤمرة وحذرته منها
اقترحت أن نلتقي لكي نتشاور في الأمر , ولم يكن هناك مكاناً مناسباً للقاء سريع ، إلا في مكتبي بأمانة الحزب بشارع قصر العيني ، ولما وصل نزلت لاستقباله ، لكنه رفض الصعود معي ، لكن رآه عبد اللطيف بلطية أمين القاهرة ، فتساءل عن سبب حضوره فشرحت له أبعاد المؤامرة ، اقترحت على د. فؤاد خطة لمواجهة وإجهاض المؤامرة ، وطلبت من مدير مكتبه يسري فايد ، وكان من القيادات الشعبية بدائرة شبرا الخيمة ، أن نبادر وننظم مؤتمراً موسعاً بدائرة شبرا الخيمة ، وندفع بعض أنصارنا للحديث بصيغة العتاب والإلحاح في ترشحه بشبرا الخيمة ، فيقوم أحدهم معاتباً : لماذا تريد أن تترك دائرتنا يا دكتور فؤاد ؟ ، هل أنت غاضب منا ؟ ، نحن نحبك ولا نريدك أن ترشح نفسك في غير شبرا الخيمة .
عائلة عريقة وتاريخ مشرف مع الضباط الاحرار
كان د. فؤاد من أبناء عائلة محيي الدين بكفر شكر التي شاركت في ثورة يوليو 1952 باثنين من أبنائها البارزين في مجلس قيادة الثورة , البكباشي زكريا محيي الدين أحد أخطر العقول التنظيمية ، والذي أنشأ جهاز المخابرات المصرية ونظم الاتحاد الاشتراكي ومنظمة الشباب والتنظيم الطليعي , والصاغ خالد محيي الدين السياسي النزيه الذي صمد مدافعاً عن مبادئه وما اعتقد أنه الحق ، درس فؤاد الطب وتخرج متخصصاً في مجال الأشعة واستمر في دراسته حتى حصل على درجة الدكتوراه عام 1969 , لكن في مشواره الدراسي كان هناك مواكباً مشواره السياسي حيث انخرط في عضوية اللجنة الوطنية للعمال والطلبة مكافحاً ضد الإنجليز وفاز في انتخابات مجلس نقابة الأطباء واستمر عضواً وأميناً عاما من 1956 حتى عام 1965 واستمرت عضويته بمجلس الشعب حتى مماته في عام 1984 .كان يقول لـ زملائه الطلبة : سأكون رئيساً للوزراء
مرت حياته السياسية بمحطات عديدة , فقد كان أصغر أمين للاتحاد الاشتراكي لمحافظة القليوبية وعين محافظا للشرقية في عمر 42 عاما ثم محافظاً للإسكندرية وبعدها للجيزة كما عين وزيراً للحكم المحلي ، وتولى مسئولية المجلس الأعلى للشباب والرياضة وملف الإعلام لفترة ، كل هذه الخبرات جعلت منه سياسياً من الطراز الأول من هؤلاء الذين رسموا ملامح السياسة الداخلية في مصر حزبياً وبرلمانياً ولن ينساهم التاريخ.
رفضت عرض محي الدين لـ أكون وزيراً
كان رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة الصديق العزيز د. عبد الأحد جمال الدين ، وكنت مستشاره بالمجلس , وعندما عرض عليَ د. فؤاد رئاسة المجلس كان د. عبد الأحد محتجزاً في المستشفى يجري جراحة ، فاعتذرت , وقلت له إن د. عيد الأحد صديقي وأقابله عدة مرات يومياً ، وأكلنا معا عيش وملح , فلا يصح أن يتم تعييني خلال هذه الظروف التي يمر بها , ورغم أنك ستعين د. عبد الأحد في منصب آخر إلا أنني أفضل أن يكون التوقيت مختلفاً ، فقال لي : لا تقلق من ناحية عبد الأحد , فسوف يتم تعيينه في منصب آخر بالفعل , لكني كررت اعتذاري وكان حاضراً ذلك اللقاء النائب كمال الشاذلى ، وبعد أن خرجنا من مقابلة رئيس الوزراء الدكتور فؤاد محي الدين , قال لي الشاذلي : يا خايب , حد يرفض يبقى وزير ! ، رئيس الوزراء يلح عليك وأنت ترفض وتقوله صديقي ولا أخوية , خليك كدة خايب ، ربما لم أعين وزيراً وعين زملاء وتلاميذ لي وزراء , لكني في راحة كبيرة لأني لم أنتهز الفرصة وأشعر بخيانة صديقي المرحوم الدكتور عبد الأحد جمال الدين .
قصته مع مبارك وابو غزالة بعد اغتيال السادات
بعد اغتيال السادات اجتمع المكتب السياسي للحزب ، كما اجتمع مجلس الوزراء ودارت مناقشات بشأن الرئيس الجديد ، وأكد الدكتور فؤاد محيي الدين نائب رئيس الوزراء والقائم بعمل رئيس الوزراء أن الحكومة والحزب سيلتزمان بالدستور ، الذي ينص على أن يتم الاستفتاء على نائب رئيس الجمهورية ليكون رئيسا للجمهورية ، وهو ما يعني أن يكون الرئيس الجديد هو محمد حسني مبارك . تخوف البعض خلال المناقشات من أن يكون للقوات المسلحة رأي آخر ، وقال البعض إن الجيش ربما يرغب في ترشيح المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة للرئاسة ، صمم محيي الدين على إعمال النص الدستوري ، فطلب الأعضاء منه أن يتصرف في هذا الشأن بما يجنب البلاد أي مشاكل ، قام محيي الدين بإبلاغ المشير أبو غزالة ، بما دار فكان رده أنه ملتزم بالدستور ، وبكل ما هو في مصلحة البلاد .أول رئيس وزراء في عهد الرئيس حسني مبارك
وكان فؤاد محيي الدين أول رئيس وزراء في عهد الرئيس حسني مبارك ، وفي عام 1984 أجريت انتخابات مجلس الشعب الجديد بنظام القائمة المطلقة وكان محيي الدين على رأس قائمة محافظة القليوبية ، فقد كان رئيس الوزراء وأمين عام الحزب الوطني , وبعد انتهاء الانتخابات كان لي معه حديث مهم قبل وفاته بيوم واحد , سألته عما ينوي فعله في الفترة القادمة , قال إنه غالبا سيترك رئاسة الحكومة ويتولى رئاسة مجلس الشعب , وسألني عن رأيي في هذه الخطوة فقلت له لا بأس بها طالما إن صحته ليست على ما يرام , فأكد لي أن صحته جيدة لكنه منذ 14 شهرا يقاوم ضغوط صندوق النقد الدولي وشروطه التي يريد أن يفرضها على مصر .