محمد رجب يكتب: أوقفنا مسيرة للقذافي كانت تزحف نحو القاهرة.. وطائرة خاصة حملتهم لـ«السادات»
في أغسطس عام 1973 كنت حينها أعمل أميناً مساعداً للشباب ، واميناً لـ التنظيم على مستوى الجمهورية ، طلبني آنذاك الدكتور كمال أبو المجد ، وكان اميناً للشباب ووزيراً للشباب للحضور بمكتبة في مقر وزارة الشباب بجاردن سيتي بالقاهرة ، وجلسنا وبعد ان تناولنا القهوة ، بدأ الحديث إليّ قائلاً : انت عارف يا محمد ان الرئيس الليبي معمر القذافي قرر القيام بمسيرة ليبية الى مصر ، مسيرة تطالب بالوحدة وإلغاء الحواجز بين البلدين وتزيل النقط الجمركية ، باختصار مسيرة تستهدف تخطي كل الحواجز حتي تصل إلى القاهرة ، واردف ابو المجد قائلاً : وانت تعرف يا محمد انه اذا حدث ذلك ، ووقعت اي اشتباكات وراح ضحيتها ولو شخص واحد او اكثر ، فإن امل الوحدة العربية يمكن أن يتأخر 200 سنة على الأقل .
[caption id="attachment_679945" align="alignnone" width="740"] محمد رجب أوقفنا مسيرة للقذافي كانت تزحف نحو القاهرة[/caption]5000 آلاف شاب ذهبوا الى مرسى مطروح
فسألته : ايه المطلوب ؟! ، قال عايزين نحَّول دون وصول المسيرة الليبية إلى القاهرة بأي طريقة ، دون أن يشتبك الأمن مع اعضاء هذه المسيرة ، واستكمل هل نستطيع أن نذهب بـ 5000 آلاف شاب الى مرسى مطروح ؟ ، ننتظر المسيرة قبل قدومها ونلتقي معهم ، ونجرى معهم حواراً ، ونقنعهم بعدم الذهاب لـ القاهرة ، أجبته ممكن ، فسألني خلال أد أيه تبقي جاهز ؟! ، قلت له خلال 48 ساعة ؟ ، وقلت له مطلوب فقط ان نطمئن لاستعدادات محافظة مرسي مطروح من حيث الإمكانيات الادارية والمعيشية ، فأتصل على الفور بمحافظ مطروح يسأله عن استعدادات المحافظة لاستقبال هذه الأعداد وإعاشتها ، فرد عليه المحافظ قائلاً : كله تمام ، وعندما أخبرني الدكتور أبو المجد بهذا الرد ، قلت له يبقى مفيش حاجة تمام ، ولابد أن نعتمد على أنفسنا في كل شيء ، لأننا ذاهبون إلى منطقة لا نعرفها وإمكانياتها محدودة .
[caption id="attachment_679947" align="alignnone" width="882"] محمد رجب أوقفنا مسيرة للقذافي كانت تزحف نحو القاهرة[/caption]تخصيص 100 أتوبيس كبير بحالة ممتازة
وبدأنا نعد خطتنا البشرية والمادية والإمكانيات الفنية وغيرها ، ثم سألني ننقل الشباب إزاى ؟ ، فأخبرته ان احسن وسيلة هى النقل بالأتوبيسات ، فأتصل بوزير النقل وأظن ان وقتها كان الوزير الحسيني عبداللطيف ، فرد عليه قائلاً ؛ بأنه سيضع تحت أمرنا قطار يحمل هذا العدد الى مرسى مطروح ، ويبقى معه وتحت أمر قياداته الشبابية ، فابتهج الدكتور أبو المجد بهذا الرد بينما تجهمت انا ، وقلت له لا إحنا مش عايزين لا قطر ولا يحزنون ، لان القطر له خط سير معلوم ، ومحطة سينتهي عندها ، وأردفت متسائلاً : ماذا سنفعل اذا ما تجمعت المسيرة على مسافة كيلومترات عن محطة القطار ؟! ، وقلت له انا أقترح يتم تخصيص 100 أتوبيس كبير بحالة ممتازة وعدد خمس سيارات ملاكي وثلاث سيارات إسعاف ، وبصحبتهم الكوادر الفنية التي تخدم هذه السيارات من مهندسين وفنيين وعمال ومسعفين .
أبو المجد مارس دور القائد الحقيقي
وواصلت حديثي للدكتور أبو المجد قائلاً : سيتم اعتبار كل أتوبيس وحدة متنقلة ، تحمل عدد من الشباب وفق طاقتها ، مزودة بجراكن مياه تكفى الرحلة وبطاطين واطعمة جافة ، تكفى العدد لمدة خمسة ايام ، وتم تقسيم الـ 100 اتوبيس الى عشر مجموعات ، كل مجموعة تضم عشر أتوبيسات ، وكل أتوبيس له مسئول ومسئول مساعد ، وكل مجموعة من المجموعات العشرة لها قائد يعاونه ومساعدان ، وعلى المستوى العام تم تكليف ثلاثة شباب بالمسئولية القيادية ، وتكونت من : " المهندس علاء قاسم الامين العام المساعد للشباب ، ومحمد رجب امين التنظيم ، والدكتور عبدالحميد حسن امين شباب القاهر " ، وعلى رأس هذا التشكيل الدكتور كمال أبو المجد ، الذى مارس دور القائد الحقيقي في التوجيه والتحريك والقيادة .
[caption id="attachment_679946" align="alignnone" width="674"] محمد رجب أوقفنا مسيرة للقذافي كانت تزحف نحو القاهرة[/caption]عندما وصلنا السلوم مع مطلع الفجر
وكان التحرك يتم على وقفات ، أولها عند مدخل الإسكندرية ، والثانية عند مدينة الحمام ، والأخيرة عند مدينة السلوم ، وكانت التعليمات انه إذا حدث عطل لأي اتوبيس يتخلف عن القول يتم فوراً إصلاحية ، ثم يلحق بالقول بعد تمام الإصلاح ، وتعطلت بالفعل خمس أتوبيسات وتم إصلاحها ، ثم انضمت الى القول ، وكنا قد بدأنا الرحلة ليلاً ووصلنا السلوم مع مطلع الفجر ، ودخلنا المدينة دون أن يسألنا أحد من أنتم ؟! ، ولماذا جئتم ؟! ، ولم نجد أحد يقابلنا ، أو حتي يدلنا علي الموقع الذى سوف تأتى إليه المسيرة ، ولم نجد أمامنا إلا ان نذهب إلى مقر الاتحاد الاشتراكي بالمحافظة ، وهناك وجدنا المقر مغلقاً وظللنا ندق الباب إلي ان استيقظ الحارس ، الذى كان موجوداً بالمقر ، ولحسن الحظ انه كان شاباً قد عرفته في واحداً من معسكرات الشباب ، فتعرف عليّ وطلبت منه ان يدلنا على استراحة المحافظ لنتعرف على الاستعدادات .
المحافظ قابلنا مندهشاً
وتوجهنا فعلاً لمقابلة المحافظ ، الذى قابلنا مندهشاً ومتسائلا ، لماذا جئتم ؟! ، فلقد أنهينا كل شيء ، وتم الاتفاق مع المسيرة ، فسألته : وماذا إذا ما أصروا علي التوجه الي القاهرة ؟ ، وطلبنا مندوب من المحافظة ليرشدنا الى المواقع الأفضل لمقابلة المسيرة ، وتم اختيار مدخل مدينة السلوم ، وتم إقامة سرادق ضخم لاستقبال الإخوة الليبيين ، وإجراء حوار معهم ، والحيلولة دون وصولهم إلي القاهرة ، وسألنا بعض المسؤولين عن وسائل الاتصال المتاحة بالقاهرة ، وماذا إذا قطعت هذه الاتصالات بمعرفة المسيرة ، وطلبنا على الفور تحديد أماكن بديلة يتم الاتصال من خلالها ، ليسهل استخدامها دون الإعلان عنها ، وانتظرنا المسيرة مرحبين وجاءوا وتم استقبالهم بالأحضان ، ومعبرين عن سعادتنا بوجودهم بيننا ، وكان معمر القذافي قد علم ان المسيرة لم تصل لغرضها ، وأنها لم تصل القاهرة ، وأننا قطعنا الطريق الواصل لـ القاهرة ، فأعلن القذافي استقالته .
[caption id="attachment_679944" align="alignnone" width="600"] محمد رجب أوقفنا مسيرة للقذافي كانت تزحف نحو القاهرة[/caption]قطعنا الطريق الي القاهرة
وفى إطار الحوار طلب قادة المسيرة ان يلتقوا بالرئيس محمد أنور السادات ، ليبلغوه رغبة الشعب الليبي عقد وحدة اندماجية بين البلدين ، ولما كان الطريق مقطوعاً فلقد طلب الدكتور كمال أبو المجد من ممدوح سالم ، بضرورة تدبير لقاء للوفد الليبي لمقابلة الرئيس أنور السادات لإبلاغه برغبة الشعب الليبي ، وقوبل هذا الطلب بالرفض من المسؤولين بالقاهرة ، وأذكر حينها ان الدكتور كمال أبو المجد غضب من الرفض ، وقال بانفعال : أننا هنا في الموقع ، وأري ان يتم ابلاغ الرئيس بهذا الطلب لتجنب أي صدام ، وبالفعل عندما عرض الأمر علي الرئيس أنور السادات وافق علي الفور .
طائرة خاصة حملتهم الي السادات
وأصطحب الدكتور أبو المجد عدداً من قيادات المسيرة علي متن طائرة خاصة توجهت الي القاهرة ، حيث توجهوا لمقابلة الرئيس محمد أنور السادات ، الذى قابلهم مرحباً وسعيداً قائلاً : يا أولادي أنا عشت حياتي مدافعاً عن قضية الوحدة العربية ، طالباً منهم ان يبلغوا العقيد معمر القذافي موافقته على الوحدة ، وعاد الوفد واصطحبوا أعضاء المسيرة عائدين إلي ليبيا ، وأثبت الشباب المصري قدرته علي القيام بأي عمل سيأسى وتنظيمي رفيع المستوى ، أداءً وتنفيذاً وتنظيماً ، وهنا أود الإشارة إلي ان أداء هؤلاء الشباب كان عملاً تطوعياً ، تم عن رغبة صادقة ، وإدراك انهم يؤدون عملاً وطنياً مخلصاً ، كان شباباً واعداً سياسياً و تنظيمياً ، كانوا في خدمة بلدهم دون انتظار لأي عطاء ، لذا فالتحية واجبة لكل شاب يشارك بشرف وأمانة في خدمة وطنة .