اهم الاخبار
الجمعة 22 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة

الكاتبة الصحفية زينب
الكاتبة الصحفية زينب الباز

زينب البكري، التي يعود نسبها إلى الصحابي الجليل أبى بكر الصديق، أول مقصوفة رقبة في مصر، تلك الشخصية التي أثارت خلفها المئات من الأسئلة التي لم تجد حتى الآن إجابة مؤكدة، رغم مرور أكثر من قرنين على قتلها.

دفعت زينب ابنة الشيخ خليل البكرى، نقيب الأشراف وقتها، حياتها ثمنا للشائعات والأقاويل والشكوك حولها، في يوم 4 أغسطس 1801، قالوا عنها إن أباها أهداها إلى نابليون بونابرت، وعاشرته ليلةً بعلم من أبيها، وتحت بصره، وأنها كانت تتسلل إلى فراشه، وهو يبادلها الزيارات متحججا أنه ذاهب إلى والدها، ومن قائلٍ إنها كانت سافرة، وإنها كانت تخالط القادة العسكريين من الفرنسيين، لكن ما من خبرٍ يقين، حتى إن المؤرخ عبدالرحمن الجبرتى لم تكن روايته عنها دقيقة ولم تؤكد أنها كانت غانية أو لعوب، أو مومس، ومما كتبه عنها الجبرتى أنها كانت تلبس الفساتين وتسير مكشوفةً بين الناس.

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


الجبرتي ذكرها في كتابه عجائب الآثار في التراجم والأخبار مرة واحدة، عند تنفيذ حكم الإعدام بحقها قائلا: إنه في يوم الثلاثاء رابع عشرينه، طُلبت ابنة الشيخ البكري، حيثُ حضر معنيون من طرفِ الوزير العثماني إلى بيت أمها وأحضروها ووالدها، فسألوها عما كانت تفعله، فقالت إني تبت من ذلك ولن أكرره، فقالوا لوالدها ما تقول أنت؟ فقال: أقول إني بريء منها، فكسروا رقبتها.

مأساة طفلة

ذكر حمدي البطران في كتابه «مصر بين الرحالة والمؤرخين»، قصة زينب البكري، وتبني مسألة انحرافها، قائلا: بعدما استقر الأمر لنابليون بونابرت في مصر، قدم له حراسه ست فتيات مصريات، وجدهن بدينات، تفوح من عرقهن رائحة مشروب الحلبة، حيث كانت زوجته جوزفين نحيلة وتتقن فنون استخدام العطور التي اشتهرت بها باريس منذ أقدم العصور، لذلك اختار نابليون أقل الفتيات وزنا وأطولهن، وكانت هي زينب بنت الشيخ البكري، كانت توصف بأنها النسخة المصرية من جوزفين زوجته، كان لها جسد ممشوق، ولون يميل إلى السمرة، وحياء في لون القمح يشتعل في الظلام من شدة الأنوثة، وهي تحمل إيمانا تاريخيا بأن الرجل هو الفرعون المقدس الذي تمنحه المرأة الطاعة العمياء حتى في المعصية.

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


وأضاف: كان نابليون يهوى الأجساد الفارعة والأطراف الدقيقة، وكانت زينب أجمل فتيات مصر وأنظفهن وأكثرهن اعتناء بأنوثتها، وقد أغمض والدها الشيخ البكري عينيه وسد أذنيه وراح وهو يحتسي الخمر كل ليلة، يحلم بأن يصبح حما السلطان الكبير نابليون.

أول مقصوفة رقبة

يقول حمدي البطران، إن السبب في مأساة زينب البكري التي انتهت بقتلها لتصبح أول «مقصوفة رقبة» يعلن عنها في تاريخ مصر ربما كان والدها، فقد خالط الفرنسيين واندمج معهم في الشراب، وقد عينه نابليون نقيبا للأشراف بعد فرار عمر مكرم مع المماليك إلى الشام، وكان البكري محبا للشراب، وكان شرابه المفضل مزيجا من الكونياك والنبيذ البورجيني المعتق، وكان يشربه حتى الغيبوبة، وكان يرتبط مع بونابرت شأنه في ذلك شأن الشيخ السادات، والشيخ عبد الله الشرقاوي، وأهدى البكري نابليون مملوكه الخاص والأثير لديه رستم زادة، وقد لزم هذا المملوك بونابرت حتى منفاه الأخير في سانت هيلانة.

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


الجانب الأخر من حكاية زينب البكري المثيرة للجدل جاء ذكرها في أكثر من موضع لتفنيد الإتهامات الباطلة التي طالتها ففي كتاب «السلالة البكرية» لـ أحمد عبد النبي فرغل، الدعباسي البكري الصديقي، أكد أن ما أشيع عن علاقتها بنابليون بونابرت محض افتراء ومكائد الشيوخ التى تتالت ضد والدها الذى عين نقيبا للأشراف خلفا لأخيه الذى مات، ورأى الشيوخ أنه لا يصلح لمنصب كهذا، فكادوا له، ورددوا أن نابليون على علاقة بابنة الشيخ، ونسجت قصص وحكايات، راحت ضحيتها صبية لم تدخل عامها السادس عشر بعد، تجهل الكثير عن الحب والغرام والعشق، بحكم تربيتها، وانتمائها إلى عائلة كبيرة، وبحكم تقاليد وعادات ذلك الزمان، ثم صغر السن، مستندين إلى شهادة علي باشا مبارك في هذا الخصوص: ولا إلتفات لما قاله الجبرتي، مما لا يناسب شرف هذا البيت العالي المقدار، سيما الأحوال الجارية في أوقات الفتن، التي لا يوقف لها على قرار، ولا تعلم لها حقيقة ولا يوصل لها إلى أصل صحيح. 

شهادة حق


اما الدكتور لويس عوض، فقد أنصف زينب البكري في كتابه "تاريخ الفكر المصرى الحديث" إذ رأها شخصية جديرة بالاحترام والتقدير وانها كانت من أوائل الداعين للحرية والثورة رغم حداثة عمرها، واعتبر عوض أن عام 1800 هو عام تحرير المرأة المصرية وخروجها من الحجاب إلى السفور، قائلا: أما هذه البنت المسكينة، زينب البكرية، فقد جرت الشائعات يومئذ بانها كانت على صلة ببونابرت، ولكن ليس هناك أي دليل أو سند تاريخي يثبت أنها كانت حقا عشيقته، وربما كان كل ذنبها أنها تبرجت، بلغة الجبرتي، أي سفرت ولبست الفستانات والمناديل الملونة والطرح الكشمير وخالطت المجتمع الفرنسي المختلط وتشبهت بالفرنسيات، وربما كان كل ذنب هذه الفتاة المسكينة التي كانت لا تتجاوز السادسة عشرة من عمرها حين جاءت بونابرت إلى مصر، أن مظاهر الحضارة الأوروبية خلبت لبها وجعلتها تتمرد على تقاليد بيشتها المحافظة، فاتخذوا منها بعد رحيل الفرنسيين وعودة العثمانيين كبش فداء، انتقاما من تعاون أبيها مع الفرنسيين وقبوله أن يقوم نقیبا للأشراف في ظلهم بعد فرار السيد عمر مكرم. 

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


ولعل من المهم أن نلاحظ أن الذي ساق زینب البكرية إلى نهايتها الأسيفة كان الوزير العثماني ورجاله، کما ذکر الجبرتي وليس المصريين، وهذا الأب البائس المذعور الذي قدر عليه أن يسلم ابنته لمدية الجزار لم ينس يومئذ ما حل به وبأهله أيام ثورة القاهرة الثانية، حين حكم القاهرة من الشارع معسكر العثمانيين والغوغاء لفترة وجيزة وصفها الجبرتي وصفة مثيرة: واتهم الشيخ خليل البكري بأنه يوالي الفرنسيين ويرسل إليهم الأطعمة فهجم عليه طائفة من العسكر مع بعض أوباش العامة ونهبوا داره وأولاده وحريمه وأحضروه إلى الجمالية وهو ماش على أقدامه ورأسه مكشوف، وحصلت له إهانة بالغة وسمع من العامة كلاما مؤلما وشتي ) فلما مثلوه بين يدي عثمان كتخدا، هاله ذلك واغتم غما شديد ووعده بخير وطيب خاطره، وأخذه سيدي أحمد بن محمود محرم، التاجر مع حريمه إلى داره وأكرمهم وكساهم وأقاموا عنده حتى انقضت الحادثة ). 

صك البرءاة

ولعل أكثر الشهادات التاريخية انصافا لزينب البكرية، صك البرءاة الذي منحه لها على أحمد باكثير، الأديب العربي المشهور بكتباته وأعماله التاريخية عبر ثلاثيته المسرحية الخالدة «الدودة والثعبان» عام ١٩٦٧، و«أحلام نابليون»، و«مأساة زينب» بعد عام ١٩٦٧، وقبيل وفاته في ١٠ / ١١ / ١٩٦٩ مستلهما فيها تاريخ الحملة الفرنسية على مصر، وهذه المسرحيات تعتبر ثلاثية متكاملة انتصر باكثير في مسرحيتي «أحلام نابليون»، و«مأساة زينب» إلى ابنة خليل البكري التي دفعت حياتها ثمنا للشائعات، حيث قدمها بصفتها الوطنية الواعية العاقلة معتمدا على أن الجبرتى "لم يذكر أنها كانت عشيقة لنابليون ولكنها الشائعات التى ربطت بينها وبين نابليون لصلة والدها الشيخ خليل البكري".
نقتبس من هذه المسرحيات بعض الجمل الحوارية التي تمثل شهادة تاريخيه في حق هذه الشخصية المثيرة للجدل التي ظلمت حية وميته، وخاصة أنه لا أحد يعرف مكان قبرها حتى الآن، ففي الجزء الثاني من الثلاثية مسرحية «أحلام نابليون» نجد «زينب» ابنة «خليل البكري» نقيب الأشراف وزوجة «نابليون» تتبنى فكرة جيش الشعب، ونعلم أن إيمانها بهذا الجيش وبالأمة العربية جعلها تتزوج من نابليون سرا، ولكن هذا الإيمان يتبدد أمام هزيمة «نابليون» في الشام، فيدور بينهما هذا الحوار:
نابليون : أنا ما أكرهتُكِ على الزواج، لم إذن تزوجتِني؟
زينب : لأنك خدعتني بمعسول كلامك، وملأت رأسي بتلك الأحلام الوردية التي زعمت أنك قادر على تحقيقها، العرب يا زينب أولى بالخلافة من الترك، دار الخلافة يجب أن تكون في القاهرة لا في إسطمبول، سأعيد وحدة الأمة العربية التي مزقها الأتراك والمماليك. سأحيي روح الجندية في هذا الشعب من جديد، وسأبني على ضفاف النيل دولة عربية كبرى يخضع لها الشرق كله، إلى آخر تلك الأوهام.
ولكن «زينب» تتمسك بأحلامها وإيمانها بجيش الشعب، الذي أصبح في نهاية المسرحية رمزا لتوحد الأمة العربية تحت علم واحد، بعد أن تركها «نابليون» هاربا إلى فرنسا، وبعد أن تخلَّى عن وعوده لها بتحقيق آمالها السابقة، فيدور بينها وبين «محيي الدين» ابن عمِّها وحبيبها — هذا الحوار:
زينب: أنت تعلم أني أحبك يا محيي الدين وأقدرك، ولكني لا أستطيع أن أتزوجك.

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


محيي الدين : لم يا زينب؟
زينب : أنت لا تستطيع أن تجعلني سلطانة هل تستطيع؟
محيي الدين : لا.
زينب : ولا أن تعيد وحدة الأمة العربية التي مزقها الصليبيون والتتار والأتراك والمماليك. هل تستطيع؟
محيي الدين : لا.
زينب : فكيف تريد أن تتزوجني يا محيي الدين؟
محيي الدين : السعادة يا زينب لا تتوقف على هذه المطالب.
زينب : لكن الحياة تتوقف عليها يا محيي الدين، ولا سعادة بغير حياة.
محيي الدين : هذه أوهام يا زينب.
زينب : كلا، ليست بأوهام.
محيي الدين : لن تتحقق أبدًا.
زينب : بل هي آتية لا ريب.
محيي الدين : قد ذهب من مناكِ بها وتخلى عنها وعنكِ.
زينب : إن تخلى عنها فهو غريب، ولكني أنا منها وهي مني؛ فلن أتخلى عنها أبدًا. سأظلُّ أنتظر وأنتظر وأنتظر.
محيي الدين : إلى متى يا زينب؟
زينب (كالحالمة) : إلى أن يجيء الفارس البطل على فرسه الأدهم ويومئ بإصبعه، فإذا الأمة العربية يجمعها علم واحد، وإذا القاهرة عاصمتها المزدانة، وإذا أنا على عرشها سلطانة.
وفي الجزء الثالث والأخير من الثلاثية مسرحية «مأساة زينب» يستمر الأمل في تكوين الجيش لخلاص مصر من الاستعمار، متمثّلا أيضًا في شخصية «زينب» التي تحاول إقناع الجنرال «فردييه» نائب القائد العام وزوجته بتبنِّي فكرة إنشاء جيش الشعب، وإقناع «كليبر» بها، بل نجدها تحارب الأتراك والمماليك بعد أن أصبحت من أتباع الشيخ «الجوسقي» وامتدادا له:
زينب : أعطني بندقية يا جنرال فردييه.
فردييه : ماذا تصنعين بها؟
زينب : سأقاتل بها معكم، سأطلق الرصاص على هؤلاء الأتراك والمماليك.
زينب تخاطب الثوار: يا بني وطني أيها المسلمون لا يخدعنكم نصوح باشا وعصابته، إنهم فروا من الميدان مهزومين وزعموا لكم أنهم أنتصروا على الفرنسيين كيف تقاتلون قوما يريدون الجلاء عن بلادكم من أجل قوم يريدون أن يستعبدوكم من جديد؟ أيها المسلمون، إن هؤلاء الأتراك والمماليك ليسوا من الإسلام في شيء، وإنما اتخذوه شعارا زائفا ليعودوا إلى ما كانوا عليه من ظلم وفجور يا أولاد العرب هذه فرصتكم لتستردوا حرية العرب وكرامة العرب.
ويتبدد الأمل عند «زينب» في تكوين جيش الشعب عن طريق «كليبر» بعد أن قتله «سليمان الحلبي»، فتحاول تحقيق أملها عن طريق «مينو» من خلال زوجته «زبيدة» وانشاء جيش الشعب
زبيدة: ألم أقل لك مرارًا إنه لا يقبل هذه الفكرة أبدًا، ويعدُّها خطرًا عليه وعلى جيشه؟
زينب : حاولي مرة أخرى، قولي له إن هذا الجيش سيكون سياجا له دون هجوم الإنجليز من الشمال، وغارات العثمانيين من الشرق.

زينب الباز تكتب: زينب البكري.. مأساة طفلة


ويتبدَد هذا الأمل أيضا بخروج الحملة الفرنسية من مصر، ووصول الاستعمار الإنجليزي بقيادة الجنرال «هتشنسون»، وهنا تقام محاكمة ﻟ «زينب» من قِبل «نصوح» باشا القائد العثماني و«عثمان الطنبورجي» من أمراء المماليك، ويأتي الحكم عليها بالإعدام بسبب الخيانة العظمى؛ لأنها حاربت بجانب الفرنسيين، وكذلك لانتهاكها لحرمة الدين؛ كالتبرج والخلاعة والسفور ومخالطتها ﻟ «نابليون» بعد أن أنكرا عليها قصة زواجها منه سرا هذا بالإضافة إلى مراقصتها لفرنسيين آخرين وشرب الخمر معهم غير «نابليون». 
وأخيرا تكتمل مأساة «زينب» بإقرار وإثبات هذه التهم عليها من قِبل والدها «خليل البكري»، الذي يتنكر منها ومن أفعالها وسط المحاكمة، وبالفعل يسوقها الجلاد «عبد العال أغا» وزبانيته إلى مصيرها المحتوم، فتدعو آخر دعواها قائلة:
يا رب، أنقذ الكنانة، وادفع بلاءها، وارفع لواءها، وأصلح رجالها، وارحم نساءها، واجعل لها جيشا من بنيها يعزُّها ويحميها، يا رب، أنت العليم، وأنت الخبير، وأنت المولى، وأنت النصير.

ترشيحات البوكر


قصة زينب البكري ظهرت روائيا من خلال رواية شغف التي دخلت قائمة البوكر،  الروائية رشا عدلي مؤلفة شغف انها كتبت الرواية لتبرئة شخصية تاريخية من ذنب لا ذنب لها فيه، أدي لقصف رقبتها غدرًا، مشيرة إلى أن زينب فتاة صغيرة ليس لها خبرة في الحياة زج بها أبيها في طريق نابليون ليصل لأطماعه.
وتابعت: أعتقد أن ما حدث لزينب هو ما يحدث للكثيرات من الفتيات المصريات على مر الزمن بطرق مختلفة أنه تحرش أو استغلال جنسي من نوع ما؛ لذلك تعاطفت معها عندما قرأت قصتها سواء في مؤرخ الجبرتي أو في الكتب الفرنسية التى تناولت قصتها مع بونابرت فمن وقفوا يهللون من الرجال عند قصف رقبتها لم يستطيعوا أن يمنعوها من الصعود في عربة نابليون التى كانت تتوقف أمام بيتها كل يوم لتذهب بها لمسكنه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• السلالة البكرية، أحمد عبدالنبي فرغل الدعباسي البكري
• عجائب الآثار في التراجم والأخبار، عبدالرحمن الجبرتي
• تاريخ الفكر المصري الحديث، لويس عوض
• أحلام نابليون، علي أحمد باكثير
• مأساة زينب، علي أحمد باكثير

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء