الرسالة الإلهية ليست مشروعاً للوصاية .. بل نداءاً خالداً للتراحم والتعايش والسلام
علي الشرفاء الحمادي : لا وكلاء لله على الأرض .. اخلعوا عباءة الوصاية وافتحوا قلوبكم لنداء الرحمن

- اطفئوا نيران الكراهية واشعلوا قناديل المحبة .. فلا شرعية لوصاية تسرق رحمة الله وتوزعها بالتحريم والتكفير
.. حين تُختصر الرسالات السماوية في قوالب جامدة ويحصرها البعض في أحكام متشددة .. ثم .. ثم يُختطف جوهرالرحمة من قلب الدين ليتحول إلى سياط من القهر والوصاية .. حين تتكاثر الفتاوى كالأشواك في طريق الحقيقة .. وتتنازع الأهواء على مساحات الروح .. ثم .. ثم تستقوي جماعات البغي والتطرف بلباس القداسة لتخدع البسطاء .. وتتكلم باسم الله زورًا .. تُكفِّر من تشاء وتسفك دماء الأبرياء بلا بينة ولا ضمير .
- لا وكلاء لله علي الارض
حينها يصبح الرجوع إلى النبع ضرورة لا خيار .. الرجوع إلى الصفاء الإلهي لا إلى الصراخ البشري .. إلى القرآن لا إلى صدى موروث بالي .. فالله لم يرسل دينه ليفرّق بين الناس بل ليجمعهم .. لم ينزله كأداة حكم بل كرسالة سلام .. فمن أراد أن يفهم الدين بحق فليخلع عباءة التقاليد الصماء .. وليفتح قلبه لنداء الرحمن .. فهناك لا وصاية إلا لله ولا سيادة إلا لخالق البشر وربهم الواحد الأحد .
وهنا يخرج المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي من صمت الحكمة إلى صوت الحقيقة .. ومن تأملاته الهادئة إلى آفاق الفكر النبيل .. ويكتب مقالاً بعنوان : التسامح والاحترام يحقق الأمن للإنسان " .. يحمل فيه شعلة النور في وجه الظلام.. ويرفع صوت القرآن في زمن ضاعت فيه البوصلة .. ليُذكّر البشرية أن الله لم يعين له وكيلاً علي الأرض .. ولم يمنح بشراً حق التشريع الإلهي .. ولم يُفوض وكلاء له على ضمائر الناس أو حرّاساً على أرواحهم .. فالرسالة السماوية كما يصفها الشرفاء الحمادي في كتاباته لم تكن يوماً مشروعاً للوصاية .. بل كانت نداءاً خالداً للتراحم والتعايش والسلام .. دعوة ربانية لبناء مجتمع إنساني يحيا في ظلال الأمن وربوع المحبة .
- الحمادي يهزم حصون الجمود
فالتشريع الإلهي واضح كالشمس .. لا غموض فيه ولا تورية .. قال تعالى في محكم تنزيله : " وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ " .. صدق الله العظيم .. تشريع لا يشرّع للكراهية ولا يبرّر القتل باسم العقيدة .. دين يزرع الحب لا الحقد .. أما من يشعل نيران العداوة باسم الدين فقد سار على درب الشيطان .. وابتعد عن صراط الله الذي قال فيه عز وجل : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً " .. صدق الله العظيم .
فالإسلام لا يعرف نصف سلام .. ولا يقبل أنصاف الرحمة .. لذا بدت كلمات علي الشرفاء في سطور مقاله سلاحاً يهدم حصون الجمود التي تسجن تعاليم الإسلام في زوايا ضيقة .. ويكتب بمداد الوعي مؤكداً علي انه لا يحق لأحد أن يحتكر الحقيقة .. ولا أن ينصب نفسه وصيّاً على أرواح الناس .. فالناس خُلقوا أحراراً من نفس واحدة .. إخوة في الأصل متساوون في الكرامة والحق في الاختيار .
- فتاوى لا تثمر إلا الكراهية
ويستدل الشرفاء بقول الله تعالى: " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ " .. صدق الله العظيم .. فالإيمان ليس إكراهًا .. بل اختيار نابع من القلب .. والعلاقة بين العبد وربه لا تحتاج قاضياً ولا وسيطاً .. فالله قريب يسمع الدعاء ويعلم ما في الصدور .. ولا يحتاج إلى من ينوب عنه في توزيع رحمته أو عذابه .
ويمضي الحمادي إلي أبعد من ذلك .. إذ يفتح ملفات الصمت .. ويكشف عن أولئك الذين افتروا على الله كذباً .. حرّموا وحلّلوا بغير علم فمزقوا المجتمعات ونشروا الفتن .. وادعوا أنهم حُماة الدين .. بينما هم يخربون أعمدته ويُفتون فتاوى من نار .. لا تثمر إلا الكراهية والفرقة .. ولا تحصد إلا الدماء .
- الدين ليس طقوسًا صلبة
ثم .. ثم يوقظ الشرفاء فينا الضمير الغائب .. ينفض الغبار عن معنى الإسلام الحقيقي .. بأن الدين ليس طقوسًا صلبة .. ولا طلاسم محفوظة .. بل منظومة أخلاق وسلوك ورحمة .. تؤسس لمجتمع إنساني راقٍ .. يعيش فيه الجميع تحت سقف واحد .. باختلاف أديانهم وألوانهم ومذاهبهم .. دون وصاية أو تمييز .. فالله لم يوكل أحداً ليحاسب الناس على إيمانهم .. بل قال لرسوله الكريم : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا " .. صدق الله العظيم .
ويُذكّرنا الشرفاء بكلمة الله التي لا تموت .. في قوله سبحانه وتعالى: " وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ".. صدق الله العظيم .. فالإسلام سلام .. والإيمان أخلاق .. ومن خان تلك القيم فقد نقض عهده مع الله .. الدين في جوهره نظامٌ اجتماعي يُبنى على الاحترام والتعاون وحرية المعتقد .. لا يراقب الناس في صلاتهم ولا يحاسبهم على شعائرهم .. لأن الله خلقهم أحراراً ووهبهم حرية الإيمان دون قيود .
- وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
وقد نهى الله عن التدخل في علاقة الإنسان بربه .. قالها بوضوح لا يحتمل التأويل : " وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ " .. وأكدها مراراً.. بقوله عز وجل : " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا " .. صدق الله العظيم .. حتى الأنبياء لم يُمنحوا صلاحية الوصاية على القلوب .. فكيف لبشرٍ أن يدّعي تلك السلطة على غيره ؟ .. لذا فليصمت كل من نصب نفسه وسيطاً بين الناس وربهم .. وليتوقف من ظن أنه البوابة الوحيدة لعبور الناس إلى الله .. فقد قال تعالى : " فَإِنِّي قَرِيبٌ .. أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ "صدق الله العظيم .. فلا حواجز بين الدعاء والاستجابة .. ولا حاجة لوسطاء في محراب الإيمان .
- كفى عبثاً بمقاصد الدين
فالشرع الإلهي محفوظ .. والتدخل فيه إفتراء على الله .. وقد حذر سبحانه وتعالي قائلاً : " وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ " .. صدق الله العظيم .. فالتشريع الإلهي لم يُترك للبشر يعبثون به .. بل هو دعوة دائمة لنشر المحبة والسلام .. وتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمعات لا التحريض والانقسام .
ويختتم علي الشرفاء مقاله بنداء أشبه بجرس الإنذار .. نداء من القلب إلى العقول .. من الضمير إلى الأمة : كفى عبثاً بمقاصد الدين .. كفى استثماراً باسم السماء في صراعات الأرض .. الله هو السلام .. ودينه هو السلام .. ورسوله جاء بالسلام .. فلنُطفئ نيران الكراهية .. ولنُشعل قناديل المحبة في قلوبنا .. ولنعيد الإنسان إلى مقامه الذي أراده له خالقه : حراً .. كريماً .. آمناً .. اللهم إني قد بلّغت .. اللهم فاشهد .