اهم الاخبار
الجمعة 22 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

سلام الأنابيب.. خطوط الغاز العابرة للحدود تعزز التقارب السياسي بين الدول العربية

- النخب الحاكمة تتخذه وسيلة لوقف الصراعات وتعزيز المصالح المشتركة.. دورة يتعاظم خلال السنوات القادمة

الوكالة نيوز

تصاعد تأثير الغاز أو ما تطلق عليه بعض الادبيات " سلام الانابيب " العابـرة للحـدود، فـي دعم العلاقات العربية- العربية، بما يسهم في تعزيز المصالح المشتركة بيـن الدول العربية ، " هذا ما جاء في التحليل الاستراتيجي لمركز العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة " وهو ما عكسه إيصـال الغاز المصري إلـى لبنـان عبر الأراضي السـورية والأردنيـة، وتوفير حلول عربية للأزمـات العربيـة الممتدة وخاصـة نقـص الطاقـة علـى نحـو مـا تعانـي منه لبنـان، والحفـاظ علـى قنـوات اتصـال لمنـع تدهـور العلاقات العربيـة البينية، وهـو مـا تجسـد فـي تأييـد المغرب الحفـاظ علـى خـط أنابيـب الغـاز الجزائري الـذي يصـل إلـى أسـبانيا، ًعلـى الرغـم من قطع العلاقات الدبلوماسية بيـن المغـرب والجزائر ، فضلاً عن الاستغلال  الأمثل للثـروات البتروليـة والغازية في المناطق المشتركة، الأمـر الـذي ينطبـق جلياً علـى تشـغيل أول خط ينقل الغـاز للكويـت مـن المنطقـة المشـتركة مـع السـعودية، وإعـادة إدماج سـوريا فـي المنظومـة العربيـة، بعـد اعلان الحكومـة العراقيـة اعتزامهـا اسـتيراد الغـاز الطبيعـي مـن سـوريا، وكذلـك التأكيد على الدعم الثابت للحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو ما برز جلياً في الاتفاق المصري- الفلسطيني بشأن تطويـر حقـل غـاز غزة.

- اتجاهان رئيسيان

ووفقاً لما جاء بالتحليل الاستراتيجي لمركز العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة فانه يشير اتجـاه رئيسـي فـي اًلأدبيـات إلـى أن الغـاز يمثـل عامـل صـراع فـي التفاعلات الإقليميـة، نظـرا للتنافـس بيـن الدول علـى ملكية المـوارد الطبيعية، وبصفـة خاصـة فـي الشـرق الأوسـط أو شـرق المتوسـط، لاسـيما مـع تصاعـد المخاطـر الأمنيـة الناتجـة عـن الثـورات الشـعبية والصراعـات المسـلحة وما أدت إليـه مـن قيـام جماعـات مسـلحة بمهاجمـة خطـوط الأنابيـب وإحـداث أضـرار بها ، في حيـن يذهـب اتجـاه آخـر إلـى أنه يمكـن لخطـوط أنابيـب الغـاز أن تسـهم فـي حـل النزاعـات القائمـة، فـي ظـل وجـود حاجـة مشـتركة لاسـتثمار هـذا المـورد ليصبـح وسـيلة لتعزيـز التعـاون، ومـن المحتمـل أن يتزايـد دورها خلال السنوات المقبلة، لاسـيما أنها الوسـيلة الأكثر فعالية ، وفي هـذا السـياق، تعـددت المؤشـرات الدالـة علـى دور الغـاز فـي دعـم أو علـى الأقـل الحفـاظ علـى العلاقات بيـن الـدول العربيـة، فـي ظـل توافـر الإرادة السياسية للنخـب الحاكمـة فـي تلـك الـدول، خلال الفتـرة الماضيـة، وذلك على النحـو التالي:

- الغاز العربي وتعزيز المصالح المشتركة

وهو مـا عكسـه إيصـال الغـاز المصـري إلـى لبنـان عبر الأراضـي السـورية والأردنيـة، والـذي انتهـى إليـه الاجتمـاع الـوزاري لـدول "خـط الغـاز العربـي"، فـي 8 سـبتمبر الجـاري، والـذي اسـتضافته الأردن وضـم إلـى جانبهـا مصًـر وسـوريا ولبنـان، حيـث يمثـل ذلـك إحيـاءاً لاتفاقيـة قديمـة بيـن الـدول الأربعـة وقعـت فـي عـام 2003، وقطعـت أشـواطا علـى ثـاث مراحـل. فقـد بـدأ تنفيـذ تصدير الغـاز الطبيعي المصـري إلـى الأردن عبـر سـوريا فـي ديسـمبر 2009، حتـى توقـف فـي عـام 2011، بسبب تضرر خطوط الانابيب خلال الاحتجاجات ضد النظام السـوري، والتـي تطـورت إلـى صراعـات مسـلحة بيـن أطـراف مختلفـة.

وهنا، أوضحـت وزيـرة الطاقـة والثـروة المعدنيـة الأردنيـة هالـة زواتـي أن "الاجتمـاع يأتـي إيمانـاً بـأن التعـاون بيـن دول خط الغاز العربي سيكون خطوة فعالة ومؤثرة في دعم المشاريع الاستراتيجية وتعزيز المصالح المشتركة التي شانها الانعـكاس إيجابـاً علـى التنميـة الاقتصاديـة والاجتماعيـة فـي هـذه الـدول"، مشـيرة إلـى أن " اجتماعات فنيـة عقدت على هامـش الاجتمـاع الـوزاري تمـت خالهـا دراسـة جاهزيـة البنيـة التحتيـة الازمـة لنقـل الغـاز الطبيعـي فـي كل دولـة مـن الـدول الأربعـة والمتطلبـات الفنيـة الازمـة، والاتفـاق علـى تقديـم خطـة عمـل واضحـة وجـدول زمنـي لإيصـال الغـاز الطبيعي المصري الي لبنان علي ان ينهي الفريق المشكل اعماله ضمن مدة محددة وان يتم رفع النتائج ليتم اعتمادها بتوافق الأطـراف والعمـل بمضمونهـا بأسـرع وقـت".

- إحياء اتفاقيات وتوفير حلول للأزمات الممتدة

تعكس كلمـة وزيـر الخارجية المصري سـامح شـكري في ختـام أعمال الـدورة الــ156 لمجلـس الجامعـة العربيـة علـى المسـتوى الـوزاري في 9 سـبتمبر الجاري، التـزام ثابت لمصر تجاه أشـقائها العـرب، مـن أجـل تخطـي هـذه الفتـرة الاسـتثنائية فـي تعـدد جبهاتهـا وتنـوع مصـادر تهديدهـا للعالـم العربـي، إذ أن هـذه التحديـات تفـرض علـى الـدول العربيـة بًـذل جهـود اسـتثنائية لمواجهتهـا، والعمـل المتواصـل علـى بلـورة أفكار غيـر تقليدية لتعزيـز التعـاون البينـي العربـي، مشـيرا إلـى إيمـان مصـر بضـرورة وجـود حلـول عربيـة للأزمـات العربيـة يتعيـن تنفيذها بـدلاً مـن انتظـار الحلـول القادمـة مـن الخـارج، وهـو مـا يفسـر الحمـاس المصـري لإعـادة إحيـاء الاتفاقيـة العربيـة لتوصيـل الغـاز إلـى لبنـان التـي تعانـي أزمـة طاقـة حـادة، وبمواكبـة مـن البنـك الدولـي لتوفيـر مظلـة ماليـة، ودراسـتها مـن كل الأبعاد التقنية والإداريـة والفنية.

وفي هـذا السـياق، قـال وزيـر البتـرول والثـروة المعدنيـة المصـري طـارق المـا فـي 8 سـبتمبر الجـاري: "انطاقاً مـن دور مصـر الدائـم تجـاه الأشـقاء العـرب فـي كافـة القضايـا وبتوجيهات مـن الرئيس عبدالفتاح السيسـي، بتسـخير كافـة الإمكانيات لمـد يـد العـون للشـعب اللبنانـي الشـقيق والتكاتف معـه وتضافر الجهـود لتجاوز محنـة أزمة الطاقـة والتحديات التـي تواجهها لبنـان، تعمـل مصـر علـى سـرعة التنسـيق لوصـول الغـاز الطبيعـي المصـري إلى لبنـان عبـر الأردن وسـوريا، حرصـاً من مصـر فـي التخفيـف عـن كاهـل الشـعب اللبنانـي والمسـاهمة فـي دعـم لبنـان واسـتقراره". كمـا قـال وزيـر الطاقـة والثـروةً المعدنيـة السـوري بسـام طعمـة أن "مشـروع خـط الغـاز العربـي يعـد مـن أهـم مشـاريع التعـاون العربـي المشـترك"، مضيفا أن "الرئيـس السـوري بشـار الأسـد و ّجـه للمساعدة فـي تجـاوز الصعوبات التـي يواجهها الشعب اللبناني في مجـال الطاقة".


- تنشيط السلام والحفاظ على قنوات اتصال

على نحو ما تجسـد فـي تأييد المغـرب الحفاظ على خـط أنابيـب الغـاز الجزائـري. فعلـى الرغـم مـن قطـع العاقات الدبلوماسـية بيـن المغرب والجزائر، بنـا ًء على قـرار اتخذته الأخيرة فـي 24 أغسـطس الفائـت، إلا أن الأولـى أعربـت عـن تأييدها الحفاظ علـى خط أنابيب الغـاز المغاربـي- الأوروبي، الـذي يربـط الحقـول الجزائريـة بالقـارة الأوروبيـة، مـروراً بالمملكة المغربيـة، فيما ينتهي الاتفاق بشـأنه في أكتوبـر 2021، وهـو مـا جـاء فـي تصريـح المديـرة العامـة للمكتـب الوطنـي للهيدروكاربـورات والمعـادن أمينـة بنخضـرة لوكالـة "المغـرب العربـي للأنبـاء الأساسـية" فـي 21 أغسـطس الفائـت، والـذي قالـت فيـه: "إن إرادة المغـرب للحفـاظ علـى هـذا الخط لتصدير الغـاز تـم دائمـاً تأكيدهـا بوضـوح وعلـى جميـع المسـتويات منـذ أكثـر مـن ثـاث سـنوات"، وأضافـت: "إرادتنـا (....) عبرنـا عنهـا شـفاهياً وكتابيـاً، فـي العلـن وخـال المحادثـات الخاصـة"، الأمـر الـذي يضـع حـداً لما تـم تداوله مـن تقارير بشـأن نوايا المغـرب منـع تجديـد العقـد الخـاص بخـط أنابيـب الغـاز الـذي يربـط الجزائـر بأسـبانيا منـذ عـام 1996. في حيـن كان موقف الحزائر مختلف نسبياً حيث لم تبد رأياً متوافقاً أو مختلفاً مع التوجه المغربي وهو ما عبر عنه وزير الخارجية  الجزائـري رمطـان لعمامـرة خـال مؤتمـر صحفـي فـي 25 مـن الشـهر نفسـه، بقولـه: "فيمـا يخص ملـف الغاز، سـيتم اتخاذ قرار لشـركة المحروقـات (سـوناطراك)، بعـد إجـراء تقييـم وفـق الاعتبـارات الدولية ومـا يتناسـب مع الوضـع الجديد".

- المنطقة المقسومة والاستغلال الأمثل للثروات

الامر الـذي ينطبـق جليـاً علـى تشـغيل أول خـط ينقـل الغـاز للكويـت مـن المنطقـة المشـتركة مـع السـعودية (عمليـات الخفجـي)، وهـو مـا أعلنتـه الشـركة الكويتية لنفط الخليـج فـي 11 أغسـطس الفائـت. ووفقـاً لبيـان الشـركة، سـيجري التشـغيل عبـر ربـط خطـوط الأنابيـب البريـة والبحريـة بطـول 100 كيلومتـر مـع خطـوط الغـاز التابعـة لشـركة نفـط الكويـت التـي تقـوم بتغذيـة محطـة "الـزور" للطاقـة، وتصل الطاقة الاسـتيعابية لخـط الأنابيـب إلـى 24 مليـون قـدم مكعبـة مـن الغـاز الخفيف. وتجدر الإشـارة إلـى أن هـذه الخطوة تمثل حصيلـة تعـاون مـع شـركة "أرامكـو" لأعمـال الخليـج بمـا يسـهم فـي تعزيـز قـدرة الكويـت لاسـتفادة مـن مـوارد الغـاز فـي إنتـاج الطاقـة وتخفيـض تكاليـف اسـتيراده لتغطيـة الاسـتهاك المحلـي، عـاوة علـى الاسـتغال الأمثـل للثـروات البترولية في المنطقـة المقسـومة بيـن الكويـت والسـعودية خاصـة فـي إنتـاج وتوليـد الطاقـة.

- عودة دمشق وإعادة إدماج سوريا


وذلك بعـد إعـان الحكومـة العراقيـة اعتزامهـا اسـتيراد الغـاز الطبيعـي مـن سـوريا، إذ أشـار وزيـر النفـط العراقـي إحسـان عبدالجبـار بعـد اجتمـاع مـع نظيـره السـوري بسـام طعمة فـي 29 أبريل الماضـي، إلـى أن البـاد تعتـزم اسـتيراد الغـاز الطبيعـي مـن سـوريا، وفقـاً لمـا ذكرتـه وكالـة "الأنبـاء العراقية". ويسـهم ذلك فـي عـودة متدرجـة للعاقـات بيـن الـدول العربيـة مـن جانـب وسـوريا مـن جانـب آخـر، علـى مسـتويات مختلفـة، اقتصاديـة ونفطيـة وأمنيـة، فـي الوقـت الـذي تطـرح مسـألة عـودة سـوريا لمقعدهـا فـي الجامعـة العربيـة بعد تجميـده لسـنوات، وهو ما يسـهم فـي إعـادة سـوريا إلـى الحاضنـة العربيـة، حتـى لا تتـرك للقـوى الروسـية والإيرانية والتركيـة، بحيث يعـاد خطأ ترك العراق لإيـران بعـد الاحتـال الأمريكـي فـي عـام 2003.

- الدعم الفلسطيني والدعم الثابت للحقوق

والذي يمثل قاسـماً مشـتركاً للتوجهات السـائدة لغالبيـة الدول العربيـة، علـى نحـو بـرز جليـا فـي مؤشـر الاتفـاق المصـري- الفلسـطيني بشـأن تطويـر حقـل غـاز غـزة، حيـث أكـد وزيـر البتـرول المصـري طـارق المـا فـي 21 فبرايـر الماضـي علـى موقـف بـاده الثابـت والداعـم للحقـوق الوطنية الفلسـطينية، بمـا فيهـا الحـق فـي اسـتغال المـوارد الطبيعيـة والسـيادة علـى هـذه المـوارد، وفـي مقدمتهـا حقـل غـاز غـزة. إذ شـهد لقـاء وزيـر البتـرول المصـري مـع مسًـئولي الطاقة بالسـلطة الوطنية الفلسـطينية، توقيـع مذكرة تفاهـم بين الأطراف الشـريكة في حقل غاز غزة والمتمثلة حاليا. في صندوق الاستثمار وشركة اتحاد المقاولين " CCC " مع الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعيـة "إيجاس".

وتجدر الإشـارة إلـى أن هـذه المذكـرة تعـزز مسـاعي تطويـر حقـل غـاز غـزة والبنيـة التحتيـة الازمة، بمـا يو ّفـر احتياجات فلسـطين مـن الغـاز الطبيعـي فضـاً عـن تعزيـز التعـاون بيـن البلًديـن، مـع تأكيـد الجانبيـن علـى أن تطويـر حقـل غـاز غزة سـيكون لـه أثـر كبيـر علـى قطـاع الطاقـة فـي فلسـطين وتحديـدا فـي إيجـاد حـل جـذري لأزمـة الطاقـة التـي يعانـي منهـا قطـاع غـزة، وتزويـد محطـة جنيـن لتوليـد الطاقـة بالغـاز. كمـا اتفـق الجانبـان في هـذا الإطـار على تكثيـف التعـاون الثنائي، ومـع بقيـة الـدول الأعضـاء فـي منتـدى غـاز شـرق المتوسـط، لاسـيما إسـرائيل، مـن أجـل تسـهيل وتسـريع عمليـة تطوير حقل غـاز غـزة.

- مداخل مختلفة

خلاصة  القول وفقاً لـ  التحليل الاستراتيجي لمركز العالم العربي للأبحاث والدراسات المتقدمة، فإن هنـاك مداخـل مختلفـة لإسـهام خطـوط أنابيـب الغاز فـي دعـم التعـاون العربـي- العربي، والحفـاظ على تشـغيله وتحسـين فعاليتـه، والالتـزام بمـا يطلـق عليـه "بروتوكـول العبـور"، ومنهـا دور مصـر والأردن وسـوريا فـي تخفيـف أزمـة الوقـود التـي أصابـت لبنـان فـي سـياق أزمـة اقتصاديـة تصنـف بأنهـا مـن بيـن الأسـوأ فـي العالـم، وتلبيـة الاحتياجـات مـن الكهربـاء، ومنـع تدهـور العاقـات بيـن بلديـن علـى نحـو مـا هـو قائـم بيـن الجزائـر والمغـرب، وتجـاوز الخافـات بيـن السـعودية والكويـت بشـأن اسـتغال الثـروة النفطيـة والغازيـة في المنطقة المقسـومة، ودعم مصر الوضع الفلسطيني باسـتغال حقـل غـاز غـزة، وهكذا .

على ضـوء ذلـك، يمكـن القـول فـي النهايـة إن هـذه التطـورات فـي مجملها تشـير إلى أن ثمـة اتجاهاً تقـوده الـدول العربية الرئيسـية لدعـم الـدول التـي تواجـه أزمـات علـى المسـتويات المختلفة، باعتبـار أن ذلك يمثـل أحد المداخل الأساسـية ليس فقـط لتعزيـز التعـاون والتضامـن العربـي، وإنمـا أيضـاً لمواجهة تدخلات القـوى الأخرى غيـر العربية .

ﺗﻔﻀﻴﻼﺕ اﻟﻘﺮاء