اهم الاخبار
الخميس 14 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

بأقلامهم

محمد السمالوسي يكتب: وما هي بعورة!

محمد السمالوسي
محمد السمالوسي

مازال بعض البشر يعيشون في جاهلية ما قبل الإسلام، فالجاهليّة هي جاهليّة سلوك وأفعال وتصرفات، وليست جاهليّة عقيدة، أي نعم البُعد العقدي فيه ضبابية عند البعض ولكن إلى حد ما أفضل.

بعض الناس، يُقيم علاقاته ومصالحه على أساس ما الثمرة التي سأجنيها من هذا الشخص حتى لو كان هذا الشخص شيطانًا رجيمًا، ويعرض عن الطيب الطاهر حتى لو كان ملاكًا شريفًا.. وهذا الإعراض يأتي من بواعث جاهليّة يعتبرها أرباب النقص عورات، وما هي بعورة!!

بعض أهل النقص يستنكرون على الفقير والبسيط أن يتعلّم، فليس من حقه، ففقره عورة لا تغفر، يعدون أنفاس الطموح البسيط، ويحسبون هذا كله هينًا وهو عند الله عظيم.. يحتقرون الناس لأنهم ليس لديهم مساكن فاخرة أو سيارات فارهة أو جاه أو سلطان أو ترف أو نسب، يقدرون الكلب رغم نجاسته، ويتحاشون الإنسان العفيف رغم طهارته..

ومن الناس من ينظر لأصحاب المهن البسيطة، كالباعة الجائلين أو عمال النظافة أو عاملات المنازل.. وغيرهم، أنهم عورات يجب أن يتخلص منهم المجتمع، فهم أصل كل عفن، ومنبع كل عطن، ومورد كل مرض.. لاحق لهم في الحياة، فهم عبيد، بنظرة هتلرية يغتالون القوم آلاف المرات، يؤلمونهم بلسانهم المتلمظ كل ثانية، ينظرون لأولادهم أنهم لاحق لهم في أي شئ، لا تعليم ولا عمل ولا عيش كريم ولا طموح مشروع، يكفي أننا نقبلهم لخدمتنا على مضض.

يرون أن الناس مقامات ولا يعلمون  أن القلوب مقامات وليس البشر أو الناس مقامات.

لا يعلم القوم أن الله يؤتي من يشاء من فضله، ولا يحق لك أن تُحقر غيرك أو تنظر له أنه عورة، هو شخص عفيف يعمل الحلال، وما يدريك إذا كان هذا مقامه في الدنيا، وهذا مقامك في الدنيا، أن يختلف الأمر في الآخرة، فأبوجهل على نسبه وماله وقوته في جهنم، وسيدنا بلال على حبشيته في الجنة..

فكلنا لآدم وآدم من تراب، وليس بيننا شريف أو وضيع بينما بيننا الطائع والعاصي، والتقوى هي المعيار والعمل الصالح هو الركن الركين عند رب العالمين.

يختزل البعض الإسلام في الصلاة، فيدخل الصلاة يركع ويسجد، وقلبه لاه لاهث كله مرض، ويصوم رمضان وضميره كله لوثة وازدراء واحتقار لغيره.. لا يعرفون أن الدين شامل وليس جزءا على حساب جزء.

يرى البعض أن الأرملة عورة، وما هي بعورة!! فما ذنبها أن مات عنها زوجها، أليس الموت كأسًا كلنا سنتجرعه جميعًا؟! إذا حزنت مشكورة، وإذا ضحكت منكورة، إذا خرجت مرصودة، وإذا هجعت مصدومة، وإذا تزوجت مقهورة بنظرات جافة، وكأنها أتت بالفواحش، وإذا مكثت متهومة.. قليل من يرعاها ويسأل عنها ويتدبر حالها وحال أولادها، ينفق عليها، لاشئ يفعلونه سوى الكي المعنوي رغم أن الساعي على الأرملة له أجر المجاهد.. هي ليست عورة بل إنسان له قلب وروح، ومن لحم ودم، له الحق الكامل أن يعيش حياة كريمة بعيدة كل البعد عن العبث واللهث والنهش!

أصحاب هذه النفوس، هم عورات، حاضرين في كل مأتم للندب، لاهثين خلف كل مغنم للجمع..هم العورة وليس غيرهم!