بأقلامهم
عيسى بن عربي البوفلاسة يكتب : بعيداً عن الضجيج.. الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالإمارات
بعيداً عن الضجيج الذي يحدثه البعض نتيجة ما يعيشه من خيبة أمل ومرارة، بعد أن أوفت الإمارات بالتزامها الدولي الذي أطلقته بمجلس حقوق الإنسان أثناء مشاركتها في الاستعراض الدوري الشامل أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ذلك التحدي الذي راهن البعض على عدم قدرة الإمارات على الوفاء به، وقطع صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، الشك باليقين بإصداره القانون رقم 12 لعام 2021 بإنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان كمؤسسة وطنية مستقلة تعمل وفق مبادئ باريس في أغسطس الماضي، وهو ما ضاعف لدى البعض الألم والحيرة الذي هو الباعث الحقيقي لمشاعرهم السلبية وآلامهم المستمرة، والتي تزايدت كثيراً مع إصدار صاحب السمو رئيس الدولة قرار تشكيل مجلس أمناء الهيئة وتعيين أمين عام لها، ولتبدأ الإمارات بذلك مرحلة جديدة في عملها المعني بإعلاء القيم والمبادئ الإنسانية السامية، بعد أن استكملت منظومتها التشريعية والمؤسساتية المعنية بحقوق الإنسان، ولتبدأ عامها القادم بقاعدة وطنية متكاملة، وبشراكة دولية عميقة ومتأصلة.
تعتبر المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان أحد الأجهزة الرسمية المستقلة التي تنشئها الدولة بهدف تعزيز احترامها وامتثالها للقيم والمبادئ المتكرسة بالاتفاقيات والصكوك الدولية، وفي العام 1991 عقدت الورشة الدولية الأولى حول المؤسسات الوطنية المعنية بتعزيز وحماية حقوق الإنسان بمدينة باريس، وحددت خلالها المبادئ الأساسية والتوجيهية الخاصة بتنظيم وعمل ومهام المؤسسات والهيئات الوطنية المعنية بحقوق الإنسان بالعالم والتي أطلق عليها «مبادئ باريس»، وقد تم تبنيها من قبل «لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة» في العام 1922، كما تم اعتمادها من قبل «الجمعية العامة للأمم المتحدة» في العام 1993، وتتمحور هذه المبادئ حول مراقبة حقوق الإنسان، وتقديم المشورة لمختلف هيئات ومؤسسات الدولة، وتحقيق الشراكة الإقليمية والدولية، والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان بالمجتمع، إضافة إلى بعض المهام والاختصاصات المهنية، ويعد الامتثال لمبادئ باريس أساساً لنيل الاعتماد الدولي الذي يؤهلها للتفاعل مع كافة الآليات الدولية بمجلس حقوق الإنسان والهيئات الأممية الأخرى، ويعتبر نظام الاعتماد الخاص بالمؤسسات الوطنية أحد أكثر الأنظمة الدولية فرادة، إذ تعنى به لجنة التنسيق الدولية لمؤسسات حقوق الإنسان «ICC» التي تم إنشاؤها بموجب القانون السويسري بمدينة جنيف، والتابعة للشبكة الدولية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان «GANHRI» ويقوم على أساس «مراجعة النظراء»، وهي الهيئة الوحيدة غير التابعة للأمم المتحدة التي تمنح نظام الاعتماد الرسمي امتثالاً لمبادئ باريس، وهو يمنح كل خمس سنوات ويتم اعتماد المؤسسات الممتثلة لمبادئ باريس بشكل كامل بالتصنيف (أ)، وذلك بتنسيق خاص مع وحدة المؤسسات الوطنية والآليات الإقليمية «NIRM»، التابعة لقسم العمليات الميدانية والتعاون الفني والتقني بمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان «OHCHR»، وتجتمع اللجنة بشكل سنوي في مدينة جنيف في شهر مارس من كل عام بالتزامن مع اجتماعات مجلس حقوق الإنسان.
ومن خلال استعراض ودراسة قرار إنشاء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان بالإمارات، فإنه من المهم التركيز على ما يتميز به القانون من حرص على استيفاء كافة المتطلبات المتعلقة بالالتزام بمبادئ باريس، حيث أكد القانون على استقلالية الهيئة المالية والإدارية وشخصيتها الاعتبارية المستقلة، وعلى صعيد الاختصاصات والمسؤوليات فقد أولاها القانون أهمية كبيرة ومنحها الولاية الواسعة، وذلك من خلال تأكيد مسؤولية الهيئة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إضافة إلى المشاركة مع كافة السلطات والمؤسسات بوضع وتطوير الخطط والاستراتيجيات المعنية بتعزيز حالة حقوق الإنسان وإعداد الدراسات والتقارير الخاصة بحالة حقوق الإنسان بالدولة، إضافة إلى الإسهام الفاعل في نشر ثقافة حقوق الإنسان بالمجتمع، وتقديم التوصيات والاستشارات لجميع أجهزة ومؤسسات الدولة، وتعزيز الشراكة الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان، وهي بذلك تكون قد استوفت كافة الانشغالات التي عبرت عنها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في هذا المجال.
أما فيما يتعلق بقرار تشكيل مجلس أمناء الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان الذي صدر في 19 ديسمبر 2021، فمن المهم الإمعان في قراءته بما يمثله من توجه حضاري في إيلاء العناية بتعزيز احترام حقوق الإنسان، والارتقاء بعمل الهيئة على النحو الذي يعزز من إسهامها وشراكاتها ودورها في الارتقاء بحالة حقوق الإنسان بالدولة، وبما يسهم في تفعيل دور الهيئة على النحو الذي ينسجم مع التوجهات العليا لأجهزة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، وعلى رأسها الأمين العام للأمم المتحدة الذي عبر في رسالته للعالم عن توجهات الأمم المتحدة وتطلعاتها المعنية بحقوق الإنسان، وما تضمنته رسالة المفوضية السامية لحقوق الإنسان خلال المؤتمر الدولي الذي عقد العام الماضي ودعوتها الأخيرة التي وجهتها بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، حيث تم الاعتناء بتمثيل المرأة في جملة القضايا الرئيسية التي تستهدفها الهيئة، إضافة إلى تعزيز الشراكة مع منظمات المجتمع المدني التي حظيت بالاهتمام في التمثيل بعضوية الهيئة، كما تم الاهتمام أيضاً بدور الإعلام الرئيسي في إثراء ونشر ثقافة حقوق الإنسان وذلك بتعيين كفاءات وخبراء في الإعلام بعضوية الهيئة، وإدراكاً لما يمثله الأمن الإنساني من تحدٍ كبير وواسع ومتنامٍ لقضايا حقوق الإنسان بالعالم، فقد تم دعم المجلس بعدد من الكفاءات المتخصصة في تحقيق الأمن الإنساني وارتباطاته المتجذرة بحقوق الإنسان، إضافة إلى العديد من القضايا التي هي محور الاهتمام العالمي في عالم حقوق الإنسان، كقضايا الإرهاب والتطرف والاتجار بالبشر ونشر ثقافة السلام والتسامح وقبول الآخر، والتي تم العناية بها بشكل كبير من خلال تمثيل عدد من الخبراء والمختصين بتلك الجوانب في عضوية الهيئة، وتحقيق الشراكة مع كافة مراكز الدراسات والبحوث ذات البعد الإنساني والقانوني بتمثيلها في عضوية الهيئة بنخبة من الكفاءات الوطنية المتميزة، إضافة إلى تمثيل كافة الاختصاصات النوعية للمجتمع والضرورية لعمل الهيئة، والأهم هو تكليف إحدى الكفاءات الوطنية التي تمتلك العديد من الخبرات الدولية في كافة المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان والتنمية الإنسانية، إضافة إلى خبراتها الواسعة في مختلف المجالات المتعلقة بحقوق الإنسان وارتباطاته التنموية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مدعومة بشراكة دولية عميقة من خلال العمل مع العديد من الأجهزة والهيئات الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق المواطنة العالمية وتحقيق السلام والرفاهية للشعوب الإنسانية، وهي بذلك تستكمل وفاءها والتزامها بالمبادئ والتوجيهات العليا التي عبرت عنها المفوضية السامية لحقوق الإنسان في هذا الإطار.