أخبار عاجلة
هل يلقى بوتين هزيمة القيصر نيقولاي ؟!
قبل ساعات من زحف الجيش الروسي فجرا على أوكرانيا واشتعال الحرب أطلق وزير الدفاع البريطاني تصريحا وصف فيه الرئيس بوتين بارتكاب سياسات حمقاء وقال إن بريطانيا سترسل قواتها إلى أوكرانيا وأن المشهد يذكرنا بالخطأ الفادح الذي ارتكبه القيصر الروسي نيقولاي الأول في حرب القرم عام 1853 والتي تمكنت فيها بريطانيا من هزيمة الجيش الروسي وطرده من الإقليم.
هل حقا تشبه حرب القرم 2022 حرب القرم في 1853؟ هل يعني ذلك أن التاريخ يكرر نفسه بعد ما يقرب من قرنين من الزمن ؟
• بدأت حرب القرم في منتصف القرن 19 في صراع بين روسيا والقوى الأوربية بعد تبدل وتغير في التحالفات والعداوات. فقد دخلت روسيا الحرب وحيدة فريدة لا يقف معها أحد (تماما مثل اليوم) ووقفت تواجه كل القوى الأوروبية مجتمعة. لم يكن دخول روسيا الحرب دون حلفاء إلا لأن بقية القوى الأوربية كانت تخشى من توغل روسيا وزيادة حجمها. فقبيل تلك الحرب كانت روسيا قد حققت توسعات شاسعة ضمت بها فنلندا وأراض من بولندا وأراض في البلقان والقوقاز.
• قبل هذه الحرب لم تكن روسيا قد تمكنت من هزيمة نابليون بونابرت (1813) وطرده من حكم فرنسا فحسب بل إن روسيا تعقبت جيش نابليون وفتكت به حتى أن القيصر الروسي دخل العاصمة باريس وأصبح متحكما في مصير أوروبا.
• في حرب 1853 كانت القرم تابعة للدولة العثمانية، ورغم العداء والأطماع الأوربية في الدولة العثمانية الضعيفة (رجل أوروبا المريض أو المسألة الشرقية) إلا أن الجميع أدرك أن تفرد روسيا بتركيا سيزيد من قوة روسيا على حساب أوروبا فاتحد الجميع على طرد روسيا من القرم. دخلت القوات الإنجليزية والفرنسية بقوة تزيد عن 60 ألفا وهزمت الجيش الروسي في القرم.
درس بليغ
• تعتبر هزيمة روسيا في حرب القرم عام 1853 درسا بليغا على وقوف روسيا دون حلفاء بعد أن كانت قد شكلت سابقا تحالفات مرة مع فرنسا ضد إنجلترا أو مع إنجلترا ضد فرنسا او مرة مع النمسا ضد تركيا. المرة الوحيدة التي لقيت فيها روسيا هذه الهزيمة الساحقة كانت تقف فيها وحيدة بعد أن نجحت السياسة البريطانية في تشكيل تحالف ضد روسيا.
• فيما يشبه عالم اليوم في 2022، لم يكن التحالف من دون التضحية بالشعوب الصغيرة كما تتعرض أوكرانيا اليوم. فقد تم التلاعب بكل من بولندا والمجر والبلقان ورمانيا واليونان والقرم. وكما في عالم اليوم، تم استخدام سلاع المقاطعة الاقتصادية وحصار روسيا أو حصار السلع البريطانية والفرنسية في حالة تقلب العداء .
• ترتب على هزيمة روسيا في حرب القرم 1853 نتيجة مهمة في التاريخ الإنساني فقد واجه القيصر الجديد (ألكسندر الثاني) معارضة داخلية وطلائع ثورة فامتص الأمر بمنح الفلاحين الحرية. كان الفلاحون في روسيا آنذاك أقنان أي عبيد لملاك الأرض الأثرياء. ولذلك أطلق على القيصر الجديد بعد هزيمة القرم اسم "القيصر المحرر" للفلاحين.
• لم تكن الهزيمة نهاية المطاف فقد خاضت روسيا بعد أن استجمعت قواتها صداما جديدا مع أوروبا ومع اليابان ومع انجلترا حتى لقيت هزيمة فادحة في الحرب العالمية الأولى تسببت في قيام الثورة الشيوعية وتكوين الاتحاد السوفيتي. وفي خلال تلك الفترة ستتصدى روسيا للنازية وتوقع هزيمة بأوروبا وألمانيا.
في الخامسة والنصف من صباح اليوم 24 فبراير عام 2022 – والناس نيام في كل العواصم الأوربية - أعلن بوتين اجتياح جيشه أوكرانيا وقال إن مهمة جيشه هي:
"طرد النازية من أوكرانيا".
يعني بوتين بكلماته أن روسيا تتعرض لغزو نازي جديد كالذي تعرضت له في الحرب العالمية الثانية، ويتعني كلماته ان حلف الناتو هو صورة مقنعة للنازية.
التاريخ لا يكرر نفسه طبعا، وليس عام 1853 شبيها بعام 2022 ولكن لا يمكن فهم اليوم إلا بالرجوع إلى الأمس ولا يمكن قراءة المستقبل إلا بفهم الماضي القريب والبعيد.