الفن
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً..عمل فني مبدع لبطل الدراما النفسية المعقدة
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً ..تم طرح فيلم "ليكن طريقك مفتوحاً" أو "درب السلامة" عبر مواقع البث و المشاهدة منذ عدة ايام، ليتصدر قائمة نتفلكس تركيا كأكثر الأعمال مشاهدة بعد يوم واحد فقط من صدوره، بل و تصدر تريند عدد كبير من الدول منها دول عربية و أمريكا اللاتينية و غيرها من دول أوروبا في ليلة عرضه.
هو آخر افلام النجم الرائع انجين اكيوريك و هو كذلك أفضل فيلم له، إذا لم يفاجئنا بعد فترة من الزمن بعمل افضل من كل ما سبق كعادته، و رغم حديثنا المتواصل عن أدائه المبهر في كل شخصية يقدمها و توحده مع الدور ، مازال انجين أكيوريك قادراً على ابهارنا و تقديم كل ما هو جديد و ممتع و جذاب، فجعبته مازات ممتلئة، و لن تنتهي ألاعيبه و لن يتوقف عن بث سحره في العالم ليخطف عيون المشاهدين و قلوبهم.
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً :
حيث نظراته وإنفعالاته وتقمصه الدور بطريقة مبهرة، فنظرة واحدة منه تكفي للتعبير عن سيماريو العمل بأكمله و لا جاحة للحوار أو غيره، فكانت عيونه تحكي عن غضبه، ضروسه بحركتها العصبية التي تصف بدون كلمات غليانه الداخلي مع تجهم وجهه، شيء في منتهى الاحتراف، فقد كان أداء انجين أكيوريك هو اقوى عناصر الفيلم بكل تأكيد.
كما كانت قصة الفيلم جميلة و مؤثرة مالت للحزن و الدراما طوال الأحداث و تعاقب الخسائر للبطل صالح الذي فقد كل شيء، و لكن رسالة الفيلم القوية و الجميلة في النهاية، و التي تؤكد للانسان أنه مهما كانت خسائره، مازال هناك أمل، و سيظل الله رحيماً بعباده الصالحين.
فما اسمى هذه الرسالة الجميلة التي تزيد ايمان الانسان في الله و توعد بمكافأة الانسان الصالح، و ذو النوايا الحسنة و القلب النظيف، مهما كانت أخطائه الغير مقصودة.
قصة جميلة بنهاية غير تقليدية و مفاجأة رغم تلميحات السيناريو في أكثر من موقف لهذه النهاية، ما جعل المشاهد يشعر أن الحقيقة كانت أمام عينه و لكنه لم ينتبه لها، و هذا ما يُطلق عليه الانقلاب الدرامي العادل و المحسوب دون مبالغة.
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً :
كما تألق أيضاً الفنان تولغا ساريتاش في شخصية كريم، ربما مساحة السيناريو المخصصة له لم تساعده في ابراز كل قدراته، و لكنه كان جيداً، و ساعدته كثيراً علاقة الصداقة القوية بينه و بين أنجين أكيوريك في الحقيقة ما خلق بينهم انسجاماً جميلاً على الشاشة و كيمياء فنية عالية.
كذكلك تألقت الفنانة الجميلة بيلفو بانيان الشهيرة بمرجان مسلسل "اشرح أيها البحر الاسود" التي جسدت دور الزوجة المخلصة و المحبة لزوجها ، التي استطاعت أن تعالجه من حالة اكتئابه و صمته الدائم التي وصلت إلى حالة تخشب فقد معها قدرته على الحركة و كأنه صنم، و لكنها نجحت فيما فشل فيه الاطباء و استطاعت بصفعاتها لزوجها أن تلفت انتباهه لها من جديد، حيث تألقت في دور الزوجة المتفانية رغم قلة مشاهدها.
من أكثر العناصر الملفتة للنظر في الفيلم هي حرص النجم انجين أكيوريك على تقديم دور مناسب لسنه، حيث كان آخر أعماله هو مسلسل "ابنة السفير" الذي لم يكن الدور مناسباً لسنه على الاطلاق، و لكن رغم ذلك ابدع في الدور و ابهر الجميع كعادته.
اعجبني في الفيلم اللجوء إلى طائر ليعلم صالح الصبر و الرضا / تماماً مثل قصة الغراب الذي علم قابيل كيف يدفن هابيل، حيث سرق صالح الطائر لينقذه من الموت كما يظن، و لكنه بمجرد أن أطلق سراحه تم اصطياده و قتله ليظن أنه السبب ايضاً في مقتله، و لكن في الحقيقة أن عمر الطائر انتهى و مهما حاول الانسان أن يمنع الموت عن الآخرين لن يستطيع ابداً، فلا يموت المصاب أو المريض، بل يموت من جاء أجله و انتهى عمره.
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً :
يعيب السيناريو الاعتماد الكلي على مشاهد كريم و صالح معاً في أكثر من نصف مدة الفيلم، و كل ذلك لجعل الصدمة اكبر على المشاهد حين يكتشف في النهاية ان كل تلك الحوارات بين كريم و صالح ما هي إلا وهم للبرهنة على ما يعاتنيه صالح من اضطراب ما بعد الصدمة ، و مدى تأثير موت كريم على شخصية صالح الذي كاد يفقد عقله من الحزن و الألم و الشعور بالذنب الذي تجدد مرة أخرى بعد موت كريم و الذي كان موجوداً من الاساس منذ حادث اسرة صالح.
حيث كنت افضل التركيز على المرحلة القاسية من حياة صالح بعد اصابة كريم و دخوله في غيبوية و رد فعل صالح بعد اكتشاف اصابته التي اصبحت عاهة مستديمة، و تطور حالته النفسية من الاحباط الشديد للصدمة للانكار، و كذلك التركيز على علاقته بزوجته و حبه لها، و كذلك كان من المفترض تصوير الحادث الذي توفت فيه عائلة صالح ، و عدم الاكتفاء بالحديث عن الأمر و الحكي عنه، و اظهار مدى الاضطراب النفسي الذي عاشه صالح بعد هذا الحادث بسبب تأنيب للضمير و الشعور بالذنب الذي يؤرقه و كيف تجاوز الأمر و تزوج و وقع في الحب، و تلك الترسبات التي كانت سبباً في توهج الجرح من جديد كنوع من التمهيد لعقدة الفيلم الرئيسية، بدلاً من الاكتفاء بلقطات قصيرة من الماضي فقط.
و لكن فضل الكاتب التركيز على مشاهد كريم و صالح، فالفيلم كان يحتاج إلى عدد دقائق أطول للاستفاضة في العرض و الطرح و كذلك تقليص مشاهد صالح و كريم أكثر من ذلك، لاعطاء المساحة الأكبر للاحداث الاهم ، و لكن هذا لا يمنع جمال الفيلم.
كذلك يؤخذ على الفيلم مشهده الساخن و الجريء جداً الذي لم يكن له داعي ابداً و لا يتناسب مع أجواء الفيلم الحزينة.
فيلم ليكن طريقك مفتوحاً :
و لكن في النهاية الفيلم جميلاً و ممتعاً، يكرم شهداء الوطن و يكرم من فقدوا أجزاءً من أجساده ليحموا الوطن، في حين بعد انتهاء خدمتهم ينساهم الجميع و يبقون وحدهم مع اعاقتهم الجسدية و النفسية التي لن تتركهك ابداً و لن يستطيعوا أن ينسوها ابداً.
و رغم سوداوية الأحداث و كآبة الفيلم إلا انه في النهاية يبث الأمل في روح المشاهدين، فبعد الكثير من الاحداث الكئيبة و الحزينة و كمية الكوارث التي انهالت على رأس البطل، إلا أن الأمل مازال موجوداً و شفاء الروح ليس مستحيلاً، مهما كانت تلك الروح مثقلة بالأعباء و ذنوب النفس، فيمكن شفائها إذا نظر الانسان لما يملكه و لم يفكر طوال الوقت فيما خسره فقط.
بالنسبة لنوعية الأعمال التي يقدمها انجين اكيوريك دائماً، فلقد اعتاد المشاهد أن يرى انجين أكيوريك في اعمال قيمة و ذات عمق نفسي كبير، فهو يحب تقديم الشخصيات المعذبة و المتألمة التي تعاني من ألم النفس و الروح، خاصةً في السينما لدرجة أنني كمشاهدة اتمنى أن أرى له عملاً بسيطاً و هادئاً أو رومانسيتاً تقليدياً، فعلى الممثل التنويع في أدواره كي لا يفقد المشاهد شغفه لمتابعة كل ما هو جديد للفنان و كي لا يصل لحالة التشبع من الممثل.
فعلى الممثل الابتعاد عن التكرار النمطية في نوعية الأعمال التي يقدمها، خاصةً و أن انجين أكيوريك طاقة فنية كبيرة و يمكنه تقديم كل شيء و النجاح في كل شيء و تناسبه الرومانسية بشكل كبير، خاصةً مع ملامحه الدافئة الناضجة و المتفهمة بشكل كبير.