تحقيقات وحوارات
فيديو.. من هو راعي الإبل الذي أصبح يمتلك جبل عامر الذهبي في السودان؟
محمد حمدان دقلو قائد ميليشيات الدعم السريع.. ورجل السودان القوي
في يوم 13 أبريل عام 2019، رقي الفريق محمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي" إلى رتبة فريق أول، وتم تعيينه نائباً لرئيس المجلس العسكري الانتقالي الذي ترأسه الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وذلك في أعقاب عزل الرئيس السوداني عمر البشير في 11 أبريل وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان حميدتي رفضه المشاركة في المجلس، "إلى حين الاستجابة لمتطلبات الشعب والبدء فيها".
وفي 20 أغسطس من نفس العام، تم تشكيل المجلس السيادي لقيادة المرحلة الانتقالية لمدة 39 شهراً، والذي تكون من 11 عضواً - ستة مدنيين وخمسة عسكريين، وأصبح حميدتي النائب الأول لرئيس المجلس الذي ترأسه البرهان أيضاً.
بدا مسار صعود حميدتي إلى مقدمة المشهد السياسي في السودان غريباً، إذ جاء من خارج المؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية التقليدية.
يعد حميدتي أحد العناصر الأساسية التي أطاحت بالرئيس السابق البشير، الذي كان قد قربه منه ودعمه وأضفى الشرعية على الميليشيا القبلية التي كان يقودها، ودمجها في المؤسسة العسكرية تحت اسم "قوات الدعم السريع".
ينحدر حميدتي من قبيلة الرزيقات ذات الأصول العربية التي تقطن إقليم دارفور غربي السودان.
وقد ترك الدراسة في عمر مبكر وعمل في العشرينات من عمره في تجارة الإبل بين ليبيا ومالي وتشاد بشكل رئيسي، فضلا عن حماية القوافل التجارية من قطاع الطرق في مناطق سيطرة قبيلته.
جنى حميدتي ثروة كبيرة من عمله هذا في التسعينيات، مما مكنه من تشكيل ميليشيا قبلية خاصة به تنافست مع ميلشيات قبلية أخرى، وعند اكتشاف الذهب في جبل عامر سيطرت ميليشياته على مناجمه.
تبدأ قصة حميدتي في عام 2003، عندما حشدت حكومة البشير قوات من الرعاة العرب لمحاربة المتمردين الأفارقة في دارفور، وكانت نواة هذه القوات، التي عرفت لاحقا باسم "الجنجويد" مؤلفة من رعاة إبل من عشيرتي المحاميد والماهرية، من قبائل الرزيقات في شمال دارفور والمناطق المتاخمة لها في تشاد.
وخلال الحرب الضارية في دارفور بين عامي 2003-2005، كان قائد الجنجويد الأكثر شهرة والأسوأ سمعة هو موسى هلال، زعيم عشيرة المحاميد.
وبرز حميدتي الذي كان يعمل إلى جانب هلال، عندما تمكن من توسيع الميليشيا التي يقودها من الماهرية وضم إليها قبائل أخرى، لينافس زعيمه السابق هلال وليستعين به البشير لاحقا إثر خلاف مع الأخير.
قوات الدعم السريع
وأضفى البشير الشرعية على هذه الميليشيا بتسميتها "قوات الدعم السريع" وفق مرسوم رئاسي أصدره في عام 2013. وكان قوامها الأساسي مكونا من 5000 عنصر، كانوا مسلحين ونشطين قبل ذلك بوقت طويل.
لم يعجب ذلك رئيس أركان الجيش، إذ أراد أن يذهب المال لتعزيز القوات النظامية، لكن البشير كان متخوفا من وضع الكثير من السلطة في أيدي جهاز الأمن والمخابرات الوطني، بعد أن كان قد طرد مديره للتو بتهمة التآمر ضده.
لذا أصبحت قوات الدعم السريع مسؤولة أمام البشير نفسه، وقد أعطى البشير لحميدتي لقب "حمايتي"، بمعنى "الذي يحميني".
وشاركت قوات الدعم السريع في عدد من النزاعات الإقليمية ومن أبرزها دورها في القتال ضمن قوات التحالف بقيادة السعودية في جنوب اليمن وعلى طول سهل تهامة - الذي يشمل مدينة الحديدة الساحلية. كما وفر حميدتي وحدات للمساعدة في حراسة الحدود السعودية مع اليمن.
وأشارت تقارير إلى أن عدد "قوات الدعم السريع" التي يقودها حميدتي وصل إلى أكثر 40 ألف شخص في عام 2019.
اتهم المتمردون في دارفور، الخرطوم في عام 2003، بتهميش مناطقهم اقتصاديا وسياسيا، الأمر الذي أدى إلى نشوب نزاع مسلح بين الطرفين، وقالت الأمم المتحدة إن ما يقرب من 300 ألف شخص قتلوا في ذلك النزاع ونزح الملايين عن ديارهم.
واعتقلت الحكومة السودانية عام 2014 الصادق المهدي، زعيم حزب الأمة، بسبب انتقاده لممارسات قوات الدعم السريع التي كانت تقاتل إلى جانب الحكومة في إقليم دارفور.
وحتى عام 2017 كانت قوات الدعم السريع تابعة لجهاز الأمن والمخابرات ثم أصبحت تابعة لمؤسسة الجيش، بالرغم من أن معظم أفرادها ليسوا عسكريين.
وقد اشتد التنافس بين حميدتي وهلال عندما اكتُشف الذهب في جبل عامر في ولاية شمال دارفور في عام 2012.
وجاء ذلك في اللحظة التي كان فيها السودان يواجه أزمة اقتصادية لأن جنوب السودان قد انفصل، مستحوذا على 75 في المئة من نفط البلاد، بدا الأمر وكأنه هبة من السماء.
تعدين الذهب
واستولى رجال ميليشيات هلال بالقوة على المنطقة، وقتلوا أكثر من 800 شخص من قبيلة بني حسين، وباتوا أثرياء عن طريق تعدين الذهب وبيعه.
وبحلول عام 2017، بلغت مبيعات الذهب 40 في المئة من صادرات السودان. وكان حميدتي حريصا على السيطرة عليها.
وكان يمتلك بالفعل بعض المناجم وأنشأ شركة تجارية تعرف باسم الجُنيد. ولكن عندما تحدى هلال الرئيس البشير مرة أخرى، ومنع الحكومة من الوصول إلى مناجم جبل عامر، قامت قوات حميدتي بشن هجوم مضاد.
وفي نوفمبر2017، اعتقلت قواته هلال، واستولت قوات الدعم السريع على مناجم الذهب الأكثر ربحية في السودان.
أصبح حميدتي بين عشية وضحاها أكبر تجار الذهب في البلاد - ومن خلال السيطرة على الحدود مع تشاد وليبيا - وهي أكبر قوة حرس حدود لها، وظل هلال قابعا في السجن.
في أعقاب إقالة البشير، بات حميدتي يظهر أسبوعياً في الأخبار وهو يوزع الأموال على رجال الشرطة لإعادتهم للخدمة في الشوارع، و للعاملين في قطاع الكهرباء لإعادتهم إلى مواقع عملهم، والمعلمين للعودة إلى مدارسهم، أو يوزع السيارات على رؤساء العشائر.
وقد سيطرت قوات الدعم السريع على معسكرات قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي التي بدأت في الانسحاب من دارفور، قبل أن توقف الأمم المتحدة هذا الانسحاب.
وقال حميدتي إنه زاد من عديد قوات الدعم السريع المشاركة في اليمن، ونشر لواء في ليبيا للقتال إلى جانب قوات خليفة حفتر.
وقد اتُهمت قوات الدعم السريع بالاشتراك فيما عرف إعلامياً بـ "مجزرة القيادة العامة" عندما قامت قوات مسلحة قيل إنها تابعة للمجلس العسكري وقوات الدعم بفض اعتصام سلمي في 3 يونيو/ حزيران عام 2019، ما أسفر عن مقتل أكثر من 120 شخصا، وألقي العديد من القتلى حينها في نهر النيل.
وتقول ويلو بيردج، مؤلفة كتاب "الانتفاضات المدنية في السودان الحديث" وأستاذة التاريخ في جامعة نيوكاسل البريطانية، "لقد ارتكبت قوات الدعم السريع فظاعات في دارفور، ويثير تحركها بعد الإطاحة بالبشير ريبة الكثيرين، وخاصة المتمردين في دارفور".
نائباً للبرهان في المجلس العسكري
ومنذ تعين حميدتي نائباً للبرهان في المجلس العسكري، ثم عضواً في مجلس السيادة الانتقالي الذي يترأسه البرهان، كانت تقارير إعلامية تظهر بين الحين والآخر تتحدث عن وجود خلافات بين الرجلين.
ورغم العديد من البيانات الصادرة عن المجلس للتأكيد على عدم وجود صراع، وتأكيد البرهان نفسه على أن القوات المسلحة (التي يشغل البرهان منصب قائدها العام) وقوات الدعم السريع (بزعامة حميدتي) "على قلب رجل واحد"، ترددت أصداء خلافات بينهما حول عدد من القضايا، من بينها حركة وانتشار قوات الدعم في الخرطوم وولايات أخرى، فضلاً عما تردد عن محاولة الدعم السريع عقد صفقات ذات طابع اقتصادي، مع عدد من الشركات الدولية دون علم الدولة.
كما تحدثت تقارير إعلامية نقلاً عن مصادر عسكرية عن أن الصراع يتركز بالأساس حول النفوذ الشخصي، أكثر من كونه صراعاً بين القوات المسلحة والدعم السريع، ويبدو أن هذا ما أدى إلى احتدام الصراع بين الرجلين خاصة عقب القتال الذي دار في الفترة الماضية بين الجيش السوداني من جهة وبين قوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي من جهة أخرى.