أخبار عاجلة
"معلومات الوزراء" يصدر تحليلاً جديداً عن الصناعات الدوائية وأهميتها للاقتصاد العالمي
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله الصناعات الدوائية ومدى ما تمثله من قيمة مضافة للاقتصاد العالمي، مع عرض لكبرى الدول المصدرة والمستوردة للأدوية في العالم، بالإضافة إلى استعراض جهود الدولة المصرية نحو التحول لمركز إقليمي لصناعة الدواء، والتجارب الدولية الرائدة في مجال الصناعات الدوائية بالتطبيق على دولتي أيرلندا باعتبارهما من أبرز التجارب الرائدة في هذا المجال.
أوضح المركز أن الدواء يُعد أحد أهم السلع الضرورية في حياة الإنسان، وقد اهتمت الدساتير والمواثيق الدولية المختلفة بالنص على أهمية تأمين الوصول العادل والمستمر للدواء، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الحق في الصحة، وفي الوقت ذاته، تلعب الصناعات الدوائية دورًا مهمًّا في التنمية الشاملة، حيث تستهدف تحسين صحة الإنسان، بما يعود بالنفع من حيث قدرته على العمل، وكذا توفيرها للعديد من فرص العمل، فضلًا عن أنها تساهم بشكل كبير في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، من خلال الصناعات المكملة للصناعات الدوائية.
ويتزايد اهتمام الدول كافة بتأمين الوصول المُؤَمّن والمستمر للأدوية في أوقات الأوبئة أو الأزمات أو الكوارث؛ لذا فقد اعتبرت الدول -على اختلاف مستويات تقدمها- أن الأدوية وتأمين الوصول إليها من أهم محددات الأمن القومي لها، وسخرت لها العديد من الإمكانيات لتأمينها، بل وسنّت العديد من التشريعات الوطنية لجذب الشركات العالمية المتخصصة في الصناعات الدوائية، وقدمت لها العديد من الحوافز التشجيعية على اختلافها، من قبيل: الحوافز والإعفاءات الجمركية على الأجهزة والمواد المستوردة التي تدخل في الصناعات الدوائية، فضلًا عن حوافز ضريبية أخرى، إلى جانب تخصيص بعض الموارد المالية لحثّ الشركات المتخصصة في الصناعات الدوائية على أنشطة البحث والتطوير.
وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن الصناعات الدوائية تُعد قطاعًا مهمًّا ومتناميًا للعديد من الاقتصادات، مشيراً إلى تقرير الاتحاد الدولي لمصنعي وجمعيات الأدوية الصادر عام 2022 والذى أوضح أن الصناعات الدوائية عبر العالم توفر وظائف لحوالي 5.5 ملايين شخص، وأضاف أن صناعة الأدوية هي صناعة تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، فقد قدرت قيمة مبيعاتها العالمية عام 2018 بحوالي 1.2 تريليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 100 مليار دولار أمريكي عن عام 2017، وتشير التوقعات إلى زيادة متوسط نمو مبيعات الأدوية عالميًّا بنسبة 3 - 6% حتى عام 2023، كما أن النمو في الأسواق الناشئة سوف يكون قويًّا أيضًا، وسوف تقترب مبيعات الأدوية في الصين من مبيعات الأسواق الأوروبية الكبرى في فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة وإسبانيا عام 2023، وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي إيرادات الأدوية في جميع أنحاء العالم قد بلغ حوالي 1.48 تريليون دولار أمريكي عام 2022.
في الوقت ذاته، فإنه من المتوقع أن تصل قيمة قطاع الأدوية عبر العالم إلى حوالي 1.5 تريليون دولار أمريكي عام 2023، ولعل هناك العديد من محفزات نمو هذا القطاع، ومن بينها المنصات الرقمية المتطورة، فضلًا عن تحليل البيانات الضخمة، إلى جانب الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي.
نسبة العاملين في قطاع الصناعات الدوائية
وفي مجال إتاحة فرص العمل، مثلت نسبة العاملين في قطاع الصناعات الدوائية عام 2017 حوالي 0.8% - 1% في بعض الدول مثل سويسرا، وسلوفينيا، والدنمارك، ويتركز معظم الوظائف التي يتيحها هذا القطاع في مجال البحث والتطوير، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يعمل حوالي 480 ألف شخص في القطاع، بما يمثل حوالي 0.3% من إجمالي القوة العاملة فيها، وذلك في عام 2018.
وقد أبرز التحليل كبرى الدول المصدرة والمستوردة للأدوية في العالم، حيث تتمثل أكبر 10 دول مصدرة للأدوية بالعالم عام 2022 في: المملكة المتحدة، إسبانيا، هولندا، فرنسا، إيطاليا، إيرلندا، الولايات المتحدة الأمريكية، سويسرا، بلجيكا، ألمانيا، في حين تعد أكبر 10 دول مستوردة للأدوية في العالم عام 2022 هي: هولندا، فرنسا، المملكة المتحدة، إيطاليا، اليابان، الصين، سويسرا، ألمانيا، بلجيكا، الولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار التحليل إلى أن أيرلندا وهولندا تُعدان من الدول ذات التجارب الدولية الناجحة في مجال الصناعات الدوائية، حيث ينمو السوق فيهما بنسبة كبيرة، وتوفر الصناعات الدوائية فيهما العديد من فرص العمل.
وقد ذكر التحليل أن أيرلندا تحتل المرتبة الثامنة بين الدول الأكثر إنتاجًا للأدوية حول العالم، كما تضم 9 من أكبر 10 مصانع للأدوية في العالم، ولقد حظي مجال الصناعات الدوائية بالنصيب الأكبر من استثمار رأس المال، حيث تم استثمار 8 مليارات دولار في بناء مصانع جديدة بها، كان معظمها في السنوات العشر الأخيرة، وهو ما يواكب موجة الاستثمار الكبيرة في مصانع التكنولوجيا الحيوية حول العالم، وقد أهّل ذلك أيرلندا لأن تصبح من اللاعبين الدوليين المؤثرين في صناعة الأدوية عالميا، وتضم صناعة الأدوية في أيرلندا مزيجًا من الشركات العالمية والمحلية. حيث تمتلك حوالي 120 شركة أجنبية مصانع لها في أيرلندا، بما في ذلك 9 من أكبر 10 شركات أدوية في العالم، وتعتبر صناعة الأدوية جديدة نسبيًّا على الاقتصاد الأيرلندي، حيث إن معظم الشركات العاملة في هذا المجال لم يكن لها وجود في أيرلندا إلا منذ الستينيات. وفي الأصل كانت الصناعة تتركز في إنتاج المواد الفعالة بكميات كبيرة لتصديرها إلى بلدان أخرى لتتم معالجتها وتحويلها إلى منتجات نهائية، وبعد ذلك، تم إنشاء مصانع لإنتاج المنتجات النهائية في أيرلندا. وفي السنوات الأخيرة، أنشأت عدة شركات مراكز بحثية وشاركت أيضا في مشاريع بحثية مشتركة مع الجامعات الأيرلندية.
وذكر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن صناعة الأدوية تعتبر متقدمة للغاية في أيرلندا، حيث تشتمل على أحدث التقنيات وأحدث المعدات وإجراءات مراقبة الجودة الصارمة. وتقدم صناعة الأدوية في أيرلندا مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات، بدءًا من البحث والتطوير للأدوية الجديدة وحتى تصنيع وتسويق الأدوية الجديدة للبشر والحيوانات، وتعد أيرلندا الآن أكبر مصدر صافٍ للأدوية في الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل صادرات الأدوية أكثر من 50٪ من إجمالي صادرات أيرلندا.
ومن الجوانب المهمة في تطوير قطاع الصناعات الدوائية في أيرلندا، والذي ساعد على تعزيز مساهمته بشكل كبير في الاقتصاد الأيرلندي، نجاح القطاع في تنويع طبيعة استثماراته في أيرلندا، والتي انتقلت من التركيز على إنتاج المواد الفعالة في الصناعات الدوائية إلى الأنشطة الدوائية ذات القيمة الأعلى، وفي الوقت ذاته فإن مناخ الاستثمار يقوم على دعم ثقافة الابتكار.
كما أن هناك عوامل جذب متعددة في أيرلندا لشركات صناعات الأدوية، حيث تعتبر أيرلندا ثالث أكثر اقتصاد حريةً على مستوى العالم وفقًا لمؤشر الحرية الاقتصادية عام 2023، ويعتبر ذلك أحد أهم عوامل جذب الشركات العالمية في مجال الصناعات الدوائية للاستثمار في أيرلندا، كما يمكن في أيرلندا لأي من الشركات توظيف موظفين من أي دولة من دول الاتحاد الأوروبي بدون عوائق.
حوافز تشجيعية
كما أشار التحليل إلى قيام أيرلندا بتقديم العديد من الحوافز التشجيعية المختلفة للشركات التي يتم تأسيسها بها، وهو ما يعد أمرًا جاذبًا لشركات الصناعات الدوائية، ومن بين هذه الحوافز: تقديم إعفاء ضريبي بنسبة 25% لنفقات البحث والتطوير المؤهلة داخل المنطقة الاقتصادية الأوروبية. ويمكن استخدام هذا الائتمان الضريبي بالتزامن مع معدل ضريبة الشركات العادي البالغ 12.5%، وبالتالي تحفيز الإنفاق على البحث والتطوير بمعدل فعال يبلغ 37.5%.
كما تمتلك أيرلندا نظامًا للملكية الفكرية يمكن أن يساعد في حماية الشركات المبتكرة التي تمارس أعمالًا تجارية، فيمكن لـصندوق تنمية المعرفة أن يُخَفِّض معدل ضريبة الشركات الأيرلندية إلى 6.25% على الأرباح المستمدة من بعض أصول الملكية الفكرية، حيث يتم تنفيذ أنشطة البحث والتطوير المؤهلة في أيرلندا. ويمكن المطالبة بهذا الحافز بالتزامن مع الإعفاء الضريبي على البحث والتطوير بنسبة 12.5% -السابق الإشارة إليه- من معدل ضريبة الشركات.
إلى جانب ذلك، تتمتع أيرلندا بسجل ناجح في التميز البحثي السريري والأكاديمي، وتخصص الحكومة مبالغ طائلة لهذا الأمر لتمويل الأبحاث، كما يوجد في أيرلندا وفقًا لبعض التقديرات حوالي 50 ألف شخص يعملون في مجال الصيدلة وعلوم الحياة، كما تستحوذ أيرلندا على أعلى نسب من خريجي مجالات العلوم والهندسة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
كما تناول التحليل تجربة هولندا، حيث توجد معاهد بحثية عالمية المستوى، وقوة عاملة متعلمة تملك مهارة عالية، ونظام رعاية صحية ممتاز، جنبًا إلى جنب مع موقع مركزي، يجعل منها قاعدة مثالية لعمليات صناعة الأدوية الحيوية. وقد زاد الإنفاق على الرعاية الصحية والطبية على مدى السنوات القليلة الماضية، مما يعكس إمكانات قوية لتطوير أدوية جديدة، وفرص دخول / توسع جديدة، وفي الوقت نفسه، تتخذ الحكومة مبادرات مختلفة لخفض أسعار المنتجات الصيدلانية.
عقد اتفاقات لإتاحة الأدوية
ووفقًا لوزارة الصحة الهولندية، فإن الدولة تنفق المزيد من الأموال على الأدوية لأنها غالبًا ما تكون مكلفة، فضلًا عن قيام الحكومة بعقد اتفاقات مع الأطباء والصيادلة وشركات التأمين الصحي لإتاحة الأدوية، كما يتم تقوم مراقبة فعالية الأدوية وجودتها والمخاطر الناجمة عنها، كما أنه لا يمكن لشركات الأدوية طرح دواء جديد في السوق الهولندي ما لم يتم تقييمه وتسجيله من قبل مجلس تقييم الأدوية، وهذا ما يسمى ترخيص التسويق.
كما ينظم قانون الأدوية الهولندي قواعد استخدام الأدوية بشكل آمن، حيث يحدد بعض الالتزامات، ومنها على سبيل المثال: أنه يجب على الأطباء والصيادلة الإبلاغ عن الآثار الجانبية الخطيرة للأدوية، كما يجب على الأطباء مراعاة قواعد صارمة عند وصف الأدوية أثناء الاستشارة عبر الإنترنت، فضلًا عن أنه يجوز لمفتشي الرعاية الصحية فرض غرامات على انتهاك قانون الأدوية، ويمكنهم تحديد العقوبة بأنفسهم حسب الموقف، إلى جانب أنه يوجد في كل صيدلية صيدلي واحد يتحمل المسؤولية النهائية عن صرف الأدوية.
وتتخذ الحكومة الهولندية العديد من التدابير للحفاظ على أسعار الأدوية لكي تكون معقولة وفي المتناول، ومن بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة للسيطرة على أسعار الأدوية ما يلي: تعديل قانون أسعار الأدوية بناءً على متوسط تكلفة الأدوية المماثلة في 4 دول مرجعية، وهذه البلدان المرجعية هي: بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وإلى جانب ذلك، تقوم الحكومة الهولندية بإبرام اتفاقيات مع مقدمي الرعاية وشركات التأمين الصحي ومنظمات المرضى بشأن الأدوية باهظة الثمن لإتاحتها واستخدامها بشكل مناسب، كما تتفاوض الحكومة على أسعار الأدوية مع شركات الأدوية لإتاحتها بأسعار معقولة للجميع، فضلًا عن تخفيض تكلفة الأدوية باهظة الثمن.
مركز إقليمي لصناعة الدواء
وقد استعرض التحليل جهود الدولة المصرية نحو التحول إلى مركز إقليمي لصناعة الدواء، حيث تجدر الإشارة إلى أن الدولة المصرية قد أولت الصناعات الدوائية اهتمامًا كبيرًا باعتبارها من أهم ركائز الأمن القومي المصري، وفي هذا السياق أنشأت مصر مدينة الدواء المصرية بمحافظة القليوبية، وذلك وفقًا لأحدث النظم التكنولوجيا المتطورة عالميًّا في مجال الصناعات الدوائية، لإنتاج الدواء الآمن والفعال باستخدام تكنولوجيا التنظيف الذاتي الإلكتروني. وتبلغ المساحة الكلية للمدينة حوالي 180 ألف متر مربع، فالمرحلة الأولى منها تقام على مساحة 120 ألف متر مربع، والثانية على مساحة 60 ألف متر مربع، وتتكون من 15 منطقة لإنتاج المحاليل الوريدية، وقطرات العين والأذن، والأمبولات، فضلًا عن إنشاء مصنع لإنتاج بنج الأسنان. وتستهدف مدينة الدواء المصرية إنتاج أدوية أخرى ذات فعالية وبأسعار مناسبة في متناول المواطن المصري، مثل أدوية الكُلى والمخ والأعصاب، وأدوية متعلقة بفيروس كورونا المستجد، وأدوية الأمراض المزمنة، وأدوية السرطان، وأدوية الفيتامينات. ويأتي هذا من منطلق إيمان الدولة بأهمية تأمين الوصول الآمن والمستدام للأدوية والارتقاء بنوعيتها وجودتها.