تحقيقات وحوارات
عندما أعاد زايد وإخوانه كتابة التاريخ .. قصة صعود دولة عصرية من قلب الصحراء | فيديو
الإمارات فخامة الاسم تكفي .. من لقاء السميح لاستكشاف المريخ .. حكاية دولة آمنت بأن الثروة في الرجال وليس النفط والمال
في قلب الصحراء، وبين رمالها الذهبية التي تمتد بلا نهاية، نشأت قصة تحمل في طياتها الإصرار والإبداع والاتحاد. إنها قصة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي بدأت بحلم في عقول قادتها، وتجسدت بعمل دؤوب وإرادة لا تعرف المستحيل.
في هذا الموضوع، نسرد تفاصيل تلك الحقبة التاريخية، بدءًا من لقاء السميح، إلى التحديات التي واجهت الاتحاد، وصولًا إلى التحول التنموي الذي جعل الإمارات نموذجًا يُحتذى به عالميًا. إنها رحلة ملهمة عن الإصرار والوحدة وصنع المستقبل.
لقاء السميح: البداية نحو الاتحاد
في صباحٍ دافئ من شهر فبراير لعام 1968، كانت الرمال الممتدة بلا نهاية في منطقة "السميح" شاهدة على حدث سيُغير مجرى التاريخ ، حيث جلس رجلان أعينهما ترى أبعد من الأُفق الذي يحيط بهما: الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم أبوظبي، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي. التقيا في ذلك المكان ليضعا حجر الأساس لدولة الإمارات كما نعرفها اليوم.
فقبل أسابيع قليلة من هذا اللقاء، تحديدًا في 16 يناير من عام 1968، أعلنت بريطانيا عن نيتها الانسحاب من منطقة الخليج العربي بحلول نهاية عام 1971 ، هذا القرار من شأنه أن يترك الإمارات السبع المُتفرقة في خطر أمني وسياسي، وسط تدخلات إقليمية مُحتَملة للاستحواذ على خيرات المنطقة.
بحكمته وبصيرته أدرك الشيخ زايد أن هذه هي أنسب لحظة للاتحاد بين الإمارات السبع، بالإضافة إلى قطر والبحرين. خاصة أنه كان يسعى لهذا الاتحاد من قبل حتى أن تُعلن بريطانيا انسحابها.
رتبَّ الشيخ زايد لقاءً تاريخيًّا مع الشيخ راشد في منطقة السميح التابعة الآن لإمارة أبو ظبي، وبدأ بينهما حوار حول توحيد الإمارات المتفرقة في كيانٍ واحد قادر على مواجهة هذا التحدي الكبير ، اتفق الشيخان على وضع خطة لإقامة اتحاد يبدأ من أبوظبي ودبي، كنواة تستقطب بقية الإمارات ، لكن الأمر لم يكن بهذه السهولة.
تحديات بناء الاتحاد وتحقيق الحلم
بعد أسابيع قليلة من لقائهما قام الشيخ زايد والشيخ راشد بدعوة حكام الإمارات السبع، بالإضافة إلى قطر والبحرين، إلى الاجتماع في دبي. كان الهدف هو تشكيل اتحاد يضم تسع كيانات في كيان واحد لمواجهة التحديات الأمنية والسياسية، لكن الخلافات حول توزيع السلطات وصلاحيات الحكومات المحلية عطلت ذلك المشروع الكبير. إذ انسحبت قطر والبحرين من المفاوضات واختارتا الاستقلال.
رغم ذلك لم يتراجع الشيخ زايد عن رؤيته، وواصل جهوده لتوحيد الإمارات السبع.
كانت الإمارات السبع متفرقة، لكل إمارة قوانينها، تقاليدها، ومخاوفها. بعض الحكام كانوا مترددين بشأن فكرة الاتحاد، لكن الشيخ زايد عمل بحكمة على إزالة تلك المخاوف. إذ زار كل حاكم بشكل شخصي، مستخدمًا أسلوبه الهادئ والدبلوماسي. أخبرهم أن الاتحاد لا يعني أن يفقدوا استقلالهم، بل يعني أن يكتسبوا قوة أكبر، وأن يكونوا معًا يدًا واحدة.
تدريجيًا، بدأت الإمارات المختلفة تتجاوب مع الفكرة. وبحلول أواخر عام 1971، كانت ست إمارات مستعدة للتوقيع على اتفاقية الاتحاد، وهي: أبوظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، والفُجيرة. وبقيت إمارة واحدة مُتردد بشأن الانضمام، هي إمارة رأس الخيمة.
الإعلان عن قيام دولة الإمارات
في صباح الثاني من ديسمبر من عام 1971، اجتمع حكام الإمارات الست في قصر الضيافة بدبي ، وفي تلك اللحظة التاريخية أعاد زايد وإخوانه كتابة التاريخ ، وتم الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، واختيار الشيخ زايد رئيسًا للاتحاد والشيخ راشد نائبًا للرئيس .
وحينها رُفع العلم الإماراتي لأول مرة ، لتبدأ قصة صعود دولة عصرية من قلب الصحراء ، دولة اختزلت كل معاني الحكمة والعزيمة، لتستمر بمنهج راسخ في النمو والبناء والتطوير ، دولة آمنت بأن الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس ثروة النفط والمال .
ومع ذلك كانت فرحة الاتحاد ينقصها انضمام إمارة رأس الخيمة ، إذ كان حاكمها، الشيخ صقر بن محمد القاسمي، مُترددًا بسبب قضايا تتعلق بالسيادة ، لكن الشيخ زايد لم يفقد الأمل ، " فقد علمته الصحراء أن يصبر كثيراً حتى ينبت الخير " ، وبالفعل تسلح بالصبر وخاض سلسلة مفاوضات وحوارات لاقناع الشيخ صقر، بأن الاتحاد يعزز استقرار الجميع ويحمي مصالح الجميع .
فكان له ما اراد بعد جولات من الصبر والجلد .. إذ وافق الشيخ صقر وإمارة رأس الخيمة على الانضمام، وفي 10 فبراير 1972 اكتمل الاتحاد ليشمل الإمارات السبع التي نعرفها الآن.
الانطلاقة الكبرى: التنمية وبناء الدولة
وكان الاتحاد نقطة البداية، لكن التحديات التي واجهتها الدولة الوليدة كانت هائلة ، لم تكن هناك بنية تحتية تربط الإمارات ببعضها البعض، وكانت الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة محدودة للغاية.
بدأ الشيخ زايد العمل فورًا، واستغل موارد النفط بحكمة لإطلاق خطة تنموية شاملة ، لتحقق الدولة كل يوم قفزات جديد نحو عالم جديد مليئ بالنجاحات والمكتسبات ، الأمر الذي جعل من الإمارات مركزاً لـ الكوكب ، تحمل مشعل التغيير وراية الحرية وسط عالم متغير ومنطقة مليئة بالتحديات .
- وبحلول عام 1985، تم إنشاء شبكة طرق تربط جميع الإمارات بطول 3000 كيلومتر.
- ارتفعت نسبة المتعلمين من أقل من 20% في الستينيات إلى أكثر من 70% بنهاية الثمانينيات.
- تم إنشاء 1400 مدرسة بحلول عام 2000، مقارنةً بأقل من 50 مدرسة قبل الاتحاد.
- تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للدولة من 6.5 مليار درهم عام 1975 إلى 75 مليار درهم بحلول 1990.
لكن التنمية لم تكن مُقتصرة على الداخل فقط. كان الشيخ زايد حريصًا على تعزيز مكانة الإمارات إقليميًا ودوليًّا، وذلك عبر دعمه للقضايا العربية الكُبرى.
ففي حرب أكتوبر 1973، لعب الشيخ زايد دورًا بارزًا بدعمه لمصر وسوريا. إذ أمر بوقف تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل، وقال عبارته الشهيرة: "النفط العربي ليس أغلى من الدم العربي."
كما قدم مساعدات مالية سخية لدعم الدول العربية في مواجهة التحديات، وحرص على أن تكون الإمارات دائمًا في صف التضامن العربي.
وبعد سنوات طويلة من العطاء رحل القائد المؤسس والشيخ الكريم في2 نوفمبر 2004. كان رحيل الشيخ زايد لحظة حزينة على الأمة العربية كلها، لكنها لم تكن النهاية. إذ تولى من بعده ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وبدأ حقبة جديدة من التطوير.
تابع الشيخ خليفة نهج والده في تطوير البلاد، وشهدت الإمارات تحت قيادته قفزات نوعية كانت كالآتي:
- تضاعف الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 1.4 تريليون درهم بحلول 2020.
- مساهمة القطاعات غير النفطية تجاوزت 70% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، تأكيدًا على نجاح خطط التنويع الاقتصادي.
- أصبحت الإمارات من أكبر مراكز التجارة العالمية، حيث يمر عبر موانئها أكثر من 50% من التجارة في الشرق الأوسط.
- تم إطلاق مشاريع ضخمة مثل "برج خليفة"، أطول مبنى في العالم، و"مدينة مصدر"، كأول مدينة مستدامة في العالم.
- الإمارات أصبحت واحدة من أكبر 20 دولة في التجارة العالمية، بإجمالي تجارة خارجية بلغ 1.7 تريليون درهم في 2021.
- كما ركز الشيخ خليفة على الاستثمار في الطاقة المتجددة والابتكار، مما جعل الإمارات رائدة عالميًا في هذه المجالات.
ثم رحل الشيخ خليفة في 13 مايو 2022 بعد مسيرة طويلة من النجاحات، وتولى من بعده الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قيادة الدولة ، مؤمنا بأن الثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس ثروة النفط والمال ، لذا واصل مسيرة أسلافه نحو تعزيز مكانة الإمارات عالميًا، مع التركيز على الابتكار والتكنولوجيا :
- أطلقت الإمارات "مسبار الأمل" في 2020، لتصبح أول دولة عربية تصل إلى المريخ.
- ارتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 1.8 تريليون درهم بحلول 2023.
- الإمارات سجلت نموًا اقتصاديًا بنسبة 7.6% في 2022، وهي من أعلى المعدلات في المنطقة.
- توسع محطة براكة للطاقة النووية، حيث أصبحت مسؤولة عن توليد 25% من احتياجات الكهرباء في الإمارات.
- إطلاق مشروع "الطاقة الشمسية 5000 ميغاواط" في دبي، ليكون من بين أكبر مشاريع الطاقة الشمسية عالميًا.
- التركيز على تطوير الذكاء الاصطناعي، حيث تضاعفت الاستثمارات في هذا المجال لتصل إلى 20 مليار درهم بحلول 2023.
- الإمارات احتلت المرتبة الأولى عربيًا في مؤشر السعادة العالمي لعام 2023.
الإمارات: دور ريادي ومستقبل واعد
من لقاء السميح إلى استكشاف المريخ، تروي قصة الإمارات ملحمة من الإصرار والعمل الجماعي. بفضل رؤية الشيخ زايد وقادة الإمارات من بعده، تحولت الدولة من صحراء إلى واحدة من أكثر الدول تقدمًا في العالم ، إنها قصة ملهمة عن الإيمان بالحلم، وعن كيف يمكن للوحدة والعمل أن يصنعا المستقبل.
إنها الإمارات يا سادة ، فخامة الاسم تكفي وسيادة الفخر تُغني ،وبدا لسان حال كل مواطن إمارتي يقول في احتفالات اليوم الوطني للدولة : وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ .. الحمد لله على نعمة الإمارات .