تعليم
التعليم الجامعي وحرية التفكير والنقد واستقلال الرأي
بقلم – محمد أيمن سالم
"التعليم الجامعي أساسه حرية التفكير والنقد واستقلال الرأي" مقولة لأحمد لطفي السيد، وأعتبر مقولته منهجًا إداريًا لابد وأن يُفَعّل داخل جميع مؤسساتنا التعليمية، كي نستعيد من جديد مكانة الجامعة وطلابها وأساتذتها كما كانت في عهد أحمد لطفي السيد، فقد دعى لحرية التفكير خلافًا لما نجده حاليًا من تنشئة جيل مشوه فكريًا، لا يعرف عن الحرية سوى أنها تخريب وتدمير وعصيان للمجتمع رابطًا إياها بأحداث العنف بعد25يناير التي كان شاهد عيان عليها، والسبب الرئيسي هنا أن من يتولون تنفيذ خطط تطوير الفكر هم أنفسهم بحاجة للتأهيل أولًا، فكيف نطلب من شخص أن يساعد في قيادة سفينة وهو لا يعرف عن البحر سوى أنه موطن السمك.
أما عن دعوة لطفي السيد للنقد فأعتبرها جوهر مقولته، فمن دون النقد تصبح لدينا عقولًا جامدة، أحادية التفكير لا تعرف إلا السمع والطاعة، عقولا بمثابة تربة خصبة لفكر متطرف وإرهاب غاشم.
وعن ختامه باستقلال الرأي فهي الفكرة المتممة لهدف المقولة السامي، فيجب أن نمنح طلاب الجامعة العلم، وأقصد بذلك العلم بكل شيء فلا نكتفي بتدريس قيم الوطنية فقط؛ بل نحدثهم عن تاريخ العلمانية والليبرالية ونظم الديمقراطية والسياسات العامة في المجتمعات المختلفة والأزمات العالمية على مر العصور، وعن الإخوان والسلفيين ومراحل تطورهم وصولًا لداعش وتنظيم القاعدة، نحدثهم عن هتلر والنازية والماسونية وعن المخططات الدولية وصفقة القرن، نحدثهم عن غاندي وجيفارا وأفريقيا، وعن سعد زغلول ومصطفي كامل وعرابي والملك فاروق وصراعتهم، نحدثهم عن عصر ناصر والسادات ومبارك، نحدثهم عن الصراع العربي في القدس وقضية فلسطين منذ حرب 48، نحدثهم عن موقعة كوبري الجامعة ومظاهرات طلاب الجامعة في مواجهة الاحتلال، نحكي لهم التاريخ الطلابي لجامعة القاهرة ونذكرهم أن القرارات المصيرية كانت تُتخذ من صوت طلاب الجامعة، وغيرهم من القضايا والمسارات فنذكر لهم كل شيء السلبي والإيجابي وندع لهم حرية الرأي.
وأقسم حينها أننا سنمتلك طلابًا بعقول علماء قادرين على تحديد مساراتهم ودعم أوطانهم بشكل لم يستطع غيرهم فعله، طلابًا يبهرون العالم بصنيع عقولهم وينحني الجميع احترامًا لهم ولقرارتهم، وأؤكد أن طالب الجامعة لا يوجه بل نمنحه العلم ونتركه يتخذ مساره وقراره ورأيه وقناعاته الشخصية، فكهذا نصنع المواطن السوى القادر على البناء والعطاء وأعتقد أن هذا ما يتمناه النظام الحالي، وبرهن على ذلك بفكرة مؤتمر الشباب الدوري برغم تحفظي على بعض أليات عمله.
وبعد معايشتي لعهد الدكتور جابر جاد نصار رئيس جامعة القاهرة السابق في مواجهة عنف الإخوان داخل الجامعة، خاصة وأني كنت طالبًا في دار العلوم حينها، وشاهد عيان على ما حدث فأعترف له بالانتصار الحقيقي، وأنه مهد الطريق أمام الجامعة لتسير في طريقها الصحيح.
حتي جاء الدكتور محمد عثمان الخشت رئيس جامعة القاهرة الحالي ليتسلم الراية ويتولى مرحلة صعبة أيضًا ألا وهي مرحلة البناء، وما جعلني الأشد دعمًا له وإعجابًا به أنه دعى لبناء العقول وليس مجرد بناء المباني، فأعلن عن وضع مناهج في التفكير النقدي وريادة الأعمال من إنتاج خريجين الجامعة، ووضع أسئلة يجيب فيها الطالب وفقًا لرأيه الشخصي، فبدأ بذلك تحقيق مقولة لطفي السيد ودعوته لحرية التفكير والنقد. بالإضافة لتشكيله مجلس الجامعة للثقافة التنوير وضم نخبة من المفكرين والمثقفين والكتاب وغيرهم من القامات، وكانت ثمرة أعمال المجلس في أولي جلساته وثيقة الثقافة والتنوير التي أهدتها جامعة القاهرة للمجتمع المصري ولجميع مؤسسات الدولة، وبعد مطالعتي للوثيقة وبنودها تأكدت أن هناك رؤية صادقة لدي الجامعة لبناء عقل الإنسان المصري.
وأتمنى للدكتور محمد الخشت أن يمنحه الله البطانة الصالحة ومن يعاونه بصدق على تحقيق رؤيته حتى تستعيد جامعة القاهرة مكانتها.