المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يكشف أسباب الضغوط الأمريكية غير المسبوقة على إيران
قال مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في دراسة له أن إيران لم تواجه على مدار العقود الأربعة الماضية، ضغوطًا أمريكية أقوى في أى مرحلة ماضية مثلما تبدو في الوقت الحالي، وذلك لاعتبارات عديدة، يتمثل أهمها في أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استفادت، على الأرجح، من التجارب السابقة في التعامل مع إيران، سواء فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضت عليها لأسباب مختلفة، أو حتى ما يتصل بالمفاوضات التي أجريت معها وانتهت بالوصول إلى تفاهمات حول ملفات إقليمية أو صفقات على غرار صفقة الاتفاق النووي.
ومن هنا، يمكن تفسير أسباب حالة الارتباك الواضحة التي تبدو عليها السياسة الإيرانية في الوقت الحالي.
وأضافت الدراسة أنه إذ لم تعتد إيران على مواجهة مثل هذه الخيارات المحدودة في التعامل مع الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية، خاصة أنها، في المراحل السابقة، مارست أنشطة عديدة، كثير منها غير مشروع، ساهمت، إلى حد ما، في تقليص حدة تلك الضغوط وتعزيز قدرتها على احتواء تداعياتها، لا سيما تلك التي سبقت الوصول إلى الاتفاق النووي.
بدا هذا الارتباك جليًا في الجدل الذي أثارته تصريحات الرئيس حسن روحاني خلال زيارته لسويسرا في 3 يوليو 2018، والتي أشار فيها إلى إمكانية إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز في حالة وصول صادراتها النفطية إلى المستوى صفر، حيث سارعت اتجاهات عديدة في الداخل إلى تأكيد أن الرئيس لم يقصد هذا المعنى في تصريحاته، قبل أن تؤكده مرة أخرى تهديدات مماثلة أطلقها بعض المسئولين، خاصة في الحرس الثوري مثل قاسم سليماني، وعدد من الشخصيات البارزة في تيار المحافظين الأصوليين وفي مقدمتهم علي مطهري نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
اعتبارات عديدة:
يمكن القول إن "سد الثغرات" يمثل العنوان الرئيسي للسياسة التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه إيران في المرحلة الحالية، والتي تحاول من خلالها منع الأخيرة من الاستناد إلى الآليات السابقة التي ساعدتها في مواجهة العقوبات الدولية والأمريكية التي فرضت عليها قبل الوصول إلى الاتفاق النووي. وتتمثل أهم محددات تلك السياسة في:
1- محاصرة مصادر التمويل: خاصة فيما يتعلق بالعوائد التي توفرها الصادرات النفطية، والتي تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الأولي للدعم الذي تقدمه إيران للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في دول الأزمات، على غرار حزب الله والميليشيات الطائفية التي قامت بتكوينها وتدريبها في سوريا والعراق وحركة أنصار الله الحوثية في اليمن. وهنا، فإن الأمر لا يتعلق بدعوة الدول المستوردة للنفط الإيراني إلى تخفيض مشترياتها وإنما إلى وقفها بشكل كامل، من أجل الوصول بالصادرات النفطية الإيرانية إلى المستوى صفر، وهو المستوى الذي يمكن أن يفرض عواقب قوية على إيران قد لا يستطيع النظام تحملها، على نحو يفسر مسارعته إلى التهديد بوقف صادرات النفط من المنطقة بأكملها.
ورغم أن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية في هذا السياق تواجه عقبات عديدة، منها معارضة بعض الدول لهذا التوجه، حتى الآن، على غرار الهند وتركيا، إلا أن ذلك لا ينفي أن السياسة التي تتبعها إدارة ترامب يمكن أن يكون لها دور في حسم مواقف هذه الدول تجاه هذا الملف الذي يحظى باهتمام خاص من جانب واشنطن.
وقد كان نجاح إيران في تصدير جزأ من إنتاجها النفطي خلال فترة العقوبات السابقة التي وصلت فيها أسعار النفط إلى مستويات عالية، سببًا في تعزيز قدرتها على التعامل مع تداعيات العقوبات، ودعم موقفها خلال المفاوضات التي أجريت مع دول مجموعة "5+1" وانتهت بتسوية أزمة الملف النووي.
2- عرقلة الاستثمارات: بالتوازي مع ذلك، تبدو الإدارة الأمريكية حريصة على عدم السماح بمنح أية إعفاءات للشركات الأجنبية التي تستثمر في إيران، وذلك لدفع تلك الشركات إلى الانسحاب من السوق الإيرانية، وتقليص قدرة إيران والدول الأوروبية على اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز فرص العمل بالاتفاق النووي حتى بعد الانسحاب الأمريكي منه.
وهنا، كان لافتًا، على سبيل المثال، أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بدعوة ألمانيا إلى رفض نقل بعض الأموال الإيرانية إلى طهران وتقدر بنحو 300 مليون يورو، وذلك لمنع إيران من استخدامها في مواجهة الضغوط التي تتعرض لها في المرحلة الحالية، وإنما سعت أيضًا إلى إقناع الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم التي تجري تعاملات مع شركات داخل إيران بالانسحاب بدورها من السوق الإيرانية مقابل تعزيز قدرتها على دخول السوق الأمريكية، حيث عقد السفير الأمريكي لدى برلين ريتشارد غرينبيل اجتماعات مع غرفة التجارة والصناعة الألمانية إلى جانب مجموعة من المستثمرين لمناقشة هذا الملف تحديدًا.
3- تشبيك الملفات: تركز الإدارة الأمريكية الحالية على الربط بين الملفات الخلافية العالقة مع إيران، على عكس الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة باراك أوباما، التي منحت أولويتها للوصول إلى اتفاق خاص بالبرنامج النووي فقط، دون الملفات الأخرى التي تحظى بأهمية خاصة، على غرار البرنامج الصاروخي والدور الذي تقوم به إيران على الساحة الإقليمية.
بل إن إدارة أوباما حرصت على إشراك إيران في الجهود التي بذلت للوصول إلى تسويات لبعض الأزمات الإقليمية وفي مقدمتها الأزمة السورية، على نحو مثل أحد الأسباب التي دفعت إيران إلى الإمعان في مواصلة تدخلاتها في تلك الأزمات.
لكن الإدارة الأمريكية الحالية بدت حريصة على تأكيد أن المشكلة مع إيران لا تنحصر في الاتفاق النووي، وإنما تمتد أيضًا إلى الملفات الإقليمية الأخرى إلى جانب البرنامج الصاروخي، خاصة في ظل إصرار طهران على تهريب الصواريخ إلى التنظيمات الإرهابية والمسلحة، فضلاً عن استخدامها، وفقًا للرؤية الأمريكية، الأموال الخاصة بعوائد تصدير النفط في مواصلة الدعم المالي والعسكري الذي تقدمه لهذه التنظيمات.
وقد انعكس هذا التحول في الأهمية الخاصة التي تبديها واشنطن لتقليص الوجود العسكري الإيراني في سوريا، وهو الملف الذي يمثل أحد المحاور الرئيسية في محادثات الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فيلاديمير بوتين في هلسنكي في 16 يوليو الجاري، إلى جانب محادثاته السابقة مع بعض المسئولين الغربيين الذين التقاهم خلال قمة حلف الناتو في بروكسل في 12 من الشهر نفسه.
4- توجيه تهديدات مباشرة: على غرار التهديدات الخاصة بتدمير أى قطعة عسكرية إيرانية تحاول الاقتراب من السفن العسكرية الأمريكية في الخليج العربي، والتي دفعت طهران إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات استفزازية في هذا الصدد، على غرار تلك التي اتخذتها خلال عهد إدارة أوباما، لدرجة أنها أقدمت، في 12 يناير 2016، على اعتقال عشرة بحارة أمريكيين كانوا على متن زورقين قالت أنهما دخلا مياهها الإقليمية، وبث فيديو يصور لحظة الاعتقال، بشكل تسبب في تعرض الإدارة الأمريكية السابقة لانتقادات داخلية قوية.
وأشار بيل اروبان المتحدث باسم الأسطول الأمريكي الخامس، في 15 مارس 2018، إلى أن التحركات والتصرفات الإيرانية في الخليج تغيرت إيجابًا، مؤكدًا عدم وقوع حوادث "غير مهنية وغير آمنة" منذ عام 2017، حينما حلقت طائرة إيرانية من دون طيار على مسافة قريبة من مقاتلة أمريكية.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية إن إيران تبدو في المرحلة الحالية أمام مفترق طرق، في ظل الأزمات العديدة التي تواجهها على أكثر من مستوى، والتي ستحدد تداعياتها، بدرجة كبيرة، مدى قدرتها على مواجهة الضغوط الأمريكية الحالية التي ستصل إلى أعلى مستوى لها في 4 نوفمبر المقبل.