بأقلامهم
شيزوفرنيا الوزراء تتحدي شهداء معهد الأورام
أيام قليلة مضت عن حادث جلل اهتزت لها مشاعر الإنسانية بأكملها، وتهافتت رسائل النعي والتنديد من كل دول العالم حكومات وشعوب لمصر، بينما كان الحال داخل مصر في أسوء ما يكون وبرغم ما ظهر من قوة وثبات في مظهرنا إلا أننا كمصريين كانت قلوبنا تنفطر بين صدورنا، فلم تدرك عقولنا حتى الأن المشهد المؤلم الذي رسمه الإرهاب اللعين على جدران المعهد القومي للأورام، ليقضي على حياة العشرات ويثير الرعب والفزع بين صغارنا من محاربي المرض اللعين. فلم يغب عن خيالي مشهد "الست أم عبد الرحمن" وهي تجلس على أحد أرصفة المعهد بعد الانفجار محتضنة طفلها المكافح لتهدئ من روعه وتطمئنه وعيناها تفيض بالدمع حزنًا وقهرًا من شدة وقسوة المعركة التي تحارب فيها وهي لا تملك سوى الأمل والدعاء والصبر. ولم يجبر نفسي وخاطري إلى حد ما سوى موقف المصريين داخل وخارج البلاد، وتكاتفهم من أجل دعم هذه المؤسسة وتجاوز الحادث بل والانتصار عليه بتوسعات جديدة في المعهد ترفع من قدرته الاستيعابية بفضل تبرعاتهم. وكنت وما زالت مستاء من تجاهل الإعلام المصري للحادث في بادئ الأمر وعدم تغطيته بالشكل المهني المناسب لحجمه حتى إذ نعى السيد رئيس الجمهورية الشهداء وتوالت من بعده المتابعات، ناهيكم عن عدم مراعاة حجم المصيبة وتأثيرها في نفوس المصريين في المواد الإعلامية المعروضة، مما اتاح الفرصة للمتربصين في الاصطياد في الماء العكر، وتصدير المشهد إعلاميا وفقا للشكل الذي يقلل من قيمة الدولة المصرية ويهدم ما بناه المصريين في سنوات، فهل أكثر من 30 شهيد والعديد من المصابين والمذعورين من مرضي السرطان لا يستحقون إعلان الحداد أو مراعاة ما ذلك فيما يذاع؟! ولم يقتصر الأمر على تقصير الإعلام، ومتابعة وزيرة الصحة للحادث الذي وقع في الجيزة من مقر معهد ناصر في شبرا، بل وصل الأمر بها لعقد مؤتمرا صحفيا من شبرا وفقا للمعلومات التي تلقتها تلفونيا، وربما يرجع سبب عدم تواجدها إلي تخوفها من وجود سلسلة انفجارات في محيط الحادث، ولم تتواجد إلا بعد وصول السيد رئيس الوزراء في اليوم التالي واطمئنانها لتأمين موقع الحادث، وعلى الرغم من ذلك تواجد رئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت في قلب الحادث في غضون دقائق من وقوعه ولم يخشى انفجارات او تهديدات بل تفقد المعهد وطمئن المرضى وظل في موقع الحادث لنهاية اليوم التالي دون أن يغادر، ليضرب بذلك مثالا حيا على المسؤولية الوطنية الحقيقية. ولم نفرغ من تلك المشاعر المؤلمة والدعوات بالتبرع التي أغرقت صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، لنفاجئ بحفل للممثلة والمغنية الأمريكية جينيفر لوبيز، تقيمه احدي شركات الاستثمار في مدينة العلمين الجديدة، مدعيين أنه دعما وتنشيطا للسياحة، ولا أدرى إن كان هذا التنشيط سيضيع مفعولة إن تأجل لأسبوعين أو شهر حتى تهدأ نفوس المصريين أم لا. وشارك فيه نجوم الفن من الممثلين الذين لم يضيعوا دقائق من وقتهم الثمين في زيارة المعهد أو تصوير إعلان مجاني دعما لمرضاه، ولم ينتهى الأمر بذلك بل شاركتنا احدى الوزيرات صورة تجمعها بوزيرات اخريات وهن يحضرن الحفل مرتدين ثيابا ناصعة البياض وكأنهن يحتفلن، دون أدنى مراعاة لجلل المصيبة التي سيطرت على نفوس المصريين، وحينما قارنت موقفهن بموقف رئيسة وزراء نيوزيلاندا التي ارتدت ثيابا سوداء وغطاء الرأس لتواسي أسر المسلمين الذين استشهدوا جراء هجوم إرهابي شنه مسلح على أحد المساجد منذ عدة أشهر، أيقنت تماما أننا لا نعرف عن الإنسانية سوى القشور. وبعد متابعة هذا الموقف وردود الأفعال والتصرفات تأكدت تماما أننا نعانى من شيزوفرنيا في جانبي السلوكيات والسياسيات، لسنا كشعب فقط بل شعب وقيادات نرفض ونقبل، ندعى الحزن ونحن نزغرد في آن واحد، لذا أصبحت فكرة بناء الإنسان ضرورة حتمية على المجتمع المصري، وكذلك إعادة القيم والأخلاقيات المصرية الأصيلة لموضعها كما كانت في سابق العصر، ولا عيب في أن نعيد النظر في استمرار عمل المسؤولين من وقت لأخر، وقبل أن نطالب بتمكين المرأة بشكل أكثر من ذلك لا بد أن نراعي تأهيل العناصر المختارة بعناية حتى لا نضيع جهودنا في قضية المساواة التي حلمنا بثمارها لسنوات ودافعنا عنها بسبب سوء الاختيار، لا بد أن يعلم الجميع أن مصر لن تحيا دون إنسانية وقيم وأخلاق. وختاما أوجه تحية إعزاز وتقدير لأرواح شهداء الغدر والإرهاب البريئة سائلا المولى عز وجل لهم الفردوس الأعلى ولذويهم الصبر والسلوان، ولرجال الداخلية عظيم الشكر على تفانيهم في العمل وسرعة الكشف عن ملابسات الحادث وهوية الجناة، ولمصر الأمن والأمان والسلام.