تعليم
مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يواصل مشروعه التثقيفي بكتاب "جدد حياتك" للغزالي
وُلد الشيخ محمد أحمد السَّقا في قرية: نكلا العنب - مركز إيتاي البارود - محافظة البحيرة، سمّاه والده «بالغزالي»؛ تيمُّنًا بالإمام العَلَم أبي حامد الغزالي رحمه الله تعالى، وقام على رعايته منذ صغره؛ فأرسله -كعادة الناس في ذلك الوقت- إلى كُتّاب القريةِ؛ فأتمَّ حفظ القرآن في سنٍّ مُبكِّرةٍ. التحق الغزالي بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الأزهري، ثم بكلية أصول الدين بالقاهرة؛ ليتخرج عام (1941م)؛ مُتخصّصًا في الدّعوة، والإرشاد الدّيني، ثم حاصلًا منها على درجة العالمية. كما تلَقَّى العِلمَ على يد عدد من علماء الأزهر الشريف أمثال: (فضيلة الشيخ عبد العظيم الزُرْقاني، وفضيلة الشيخ محمود شلتوت، وفضيلة الشيخ محمد أبو زهرة، وفضيلة الدكتور محمد يوسف موسى)، وغيرهم؛ ممن كانوا لهم بالغ الأثر في تكوين شخصيته، وصقل ملكاته ومواهبه. بدأ الشيخ الغزالي عمله إمامًا وخطيبًا بمسجد العتبة الخضراء بالقاهرة، ثمّ تدرّج في الوظائف حتى صار مُفتشًا، ثمّ وكيلًا لقسم المساجد، ثمّ مديرًا للمساجد، ثمّ مديرًا للتدريب، فمديرًا للدَّعوة والإرشاد. وعين في عام (1981م) وكيلًا لوزارة الأوقاف المصرية، وقد أُعِيرَ الشيخُ للتدريس في جامعة أم القرى بمكّة المكرّمة، كما درَّس في كلية الشريعة بقطر، وجامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بالجزائر، التي تولى بها رئاسة المجلس العلمي للجامعة مدة خمس سنوات، وكانت آخر مناصبه. عاش الغزالي حياته حاملًا على عاتقه همومَ وطنه وأمته، ومؤدِّيًا حقَّ دينِه ودعوته؛ تاركًا تراثًا علميًّا ومعرفيًّا ضخمًا بين مقروءٍ ومسموعٍ، تربو مؤلفات الشيخ فيه على خمسين مُؤلَّف. تميزت كتابات الشيخ بحسن العرض، ودقة العبارة، وأدبية الأسلوب، وبراعة الاستدلال، وقوة الحجة، وصدق اللهجة، سواء في هذا نصحه، ووعظه، ومحاورته، ومناظرته. وكان من أبرّ الدّعاة المدافعين عن اللغة العربية، المناهضين للفكر المتطرف، والموقِّرين لأصحاب العلوم والمعارف وإن خالفهم الرأي. توُفِّي الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عام (1996م) في المملكة العربية السعودية أثناء مشاركته في مهرجان الجنادرية الثقافي حول موضوع: الإسلام وتحديات العصر، ودُفِنَ بالبقيع في مدينة سيِّدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم. - [سبب تأليف الكتاب ومنهجه] بدأت حكاية كتاب «جدد حياتك» عندما قرأ «الغزالي» كتابَ المؤلِّف الأمريكي «ديل كارنيجي» الذي كان يحمل عنوان: «دع القلق وابدأ الحياة»، فعزم فور الانتهاء من قراءته على أن يردَّ دروس الكتاب ومعانيه إلى أصولها الإسلامية؛ لا لنقل الكاتب الأمريكي شيئًا عن الإسلام في كتابه؛ وإنما لاتفاق ما توصل إليه -من وجوه لا حصر لها- مع نصوص الوحي الشريف قرانًا وسنة؛ سيَّما وأنَّ ما توصَّل إليه من خلاصات كان بعد استقراء واسع لأقوال الفلاسفة، والمربين، وأحوال الخاصَة، والعامة. كما اشترط الكاتب على نفسه -وفق تعبيره- أن يكون الكتاب مقارنة بين تعاليم الإسلام كما وصلت إلينا، وبين أصدق وأنظف ما وصلت إليه حضارة الغرب في أدب النفس والسلوك، يرى القارئ خلالها معالم التوافق بين وحي التّجربة ووحي السماء. - [بين يدي الكتاب] «جدد حياتك».. بهاتين الكلمتين عَنْوَنَ الغزالي لأولى فقرات كتابه الذي حمل العنوان نفسه؛ مشجِّعًا القارئ على بدء صفحة جديدة من حياته دون تسويف، أو تأجيل، أو انتظار موسم معين، أو مناسبة خاصة، أو غُرَّة عامٍ جديد، ومُقرّرًا أن تجديد الحياة إنَّما ينبع قبل كلِّ شيءٍ من داخل النفس؛ مرتكزًا على إرادتها الحقيقية في تغيير الحياة للأفضل. توالت بعد ذلك فقرات الكتاب؛ متجاوزةً العشرين فقرة، وداعيةً بمجموعها إلى تهذيب الرُّوحِ، وشَحْذِ الهِمَمِ، وإيقاظ الضمائرِ، من خلال ثورةٍ وِجْدانية وعقليةٍ تقوم على أساسٍ إيماني راسخٍ؛ لتقطعَ دابر الإخفاقات كافَّة، وتُعلي صهوةَ الأمل المتعلّق بالعمل، وتستشرف المستقبل دون إغراقٍ فيه أو غفلة عنه، مع تأكيد على محاسبةِ النفس، وتنقية السّر والعلانية، والتخلُّصٍ من علائق القلوب، والحفاظ على صفاء الفطرة، وتركِ البكاء على ما فات؛ للقدرة على استثمارِ الحاضر، وشغلِ أوقاته بما يفيد. كلّ هذا يَعْرِضُهُ المؤلِّفُ مُستندًا إلى النّصوص الإسلامية من الوحيين الشريفين -القرآن والسُّنَّة-، ثمَّ يُتْبِعُه بالنُّقول الَّتي تُظاهر هذه النُّصوص في شواهد وتجارب الكاتب الأمريكي «ديل كارنيجي» في كتابه «دع القلق وابدأ الحياة»؛ ولكن دون أن يعتبِر كلماته مُسلَّماتٍ لا تقبل النَّقد؛ بل كان يقبل الصّحيح؛ ويُصوِّب الخطأ، ويعقِّب بما يوافق الفكر القويم، والفطرة السَّويَّة. ويستطيع مطالعُ الكتاب أن يرى بوضوحٍ تناسقَ فقراته، وعمق عباراته، وحُسْنَ عرض أفكاره، ودقَّة تصوير معانيه، كما يمكنه أن يرى توظيفًا احترافيًّا للعناوين، والأمثال، والأبيات الشعرية، بالإضافةً إلى سَرْدٍ بديعٍ لكثير من مواقف وأحداث السَّيرة النَّبوية، وحياة الصَّحابة والتَّابعين. ورغم كل المحاسن التي حوتها صفحات الكتاب التي تجاوزت المائتي صفحة؛ إلا أنه كَطبِيْعَةِ أيِّ عمل بشريٍّ؛ -مهما بُذِلَ فيه من جهودٍ- لا يصل إلى درجة الكمال؛ ولا يخلو من انتقادات. ومن بين هذه الانتقادات خلو بعض فقرات الكتاب عن المقارنة التي اشترطها الكاتب على نفسه، وضمنها تقدمته، مع الاعتماد على النصوص الإسلامية فقط في كثير من هذه الفقرات. ومنها أيضًا عدم الدّقة في عزو وتوثيق بعض الأحاديث النبويَّة، كحديث: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا..» فقد رفعه المؤلف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أنه موقوف على سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-. هذا بعض ما للكتاب من حسنات، وما عليه من انتقادات، ولم نقصد في هذه البطاقة تتبع جميع ما له أو عليه؛ وإنما قصدنا إعطاء القارئ تصوُّرًا عامًّا عن الكتاب ومؤلفه، يدعوه إلى قراءته، ويعينه على فهم الكتاب وكاتبه. - [اقتباسات] وإليك بعض ما في الكتاب من الجمل البليغة، والحِكَم البديعة: - «لا أدري لماذا لا يطير العباد إلى ربِّهم على أجنحةٍ من الشّوق بدل أن يُساقوا إليه بسياط من الرّهبة ؟! إنَّ الجهل بالله وبدينه هو عِلَّةُ هذا الشعور البارد، أو هذا الشعور النَّافر -بالتعبير الصّحيح-؛ مع أنَّ البشر لن يجدوا أبرَّ بهم ولا أحنَى عليهم من الله عز وجل». - «إن المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلامًا لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحول حقائق حية إلا إذا نفخ فيها المخلصون من روحهم ووصلوها بما في الدنيا من حسٍ وحركة». - «يعجبني أن يواجه الإنسان هذي الحياة وعلى شفتيه بسمة تترجم عن رحابة الصدر، وسجاحة الخلق، وسعة الاحتمال، بسمة ترى في الله عوضًا عن كل فائت، وفي لقائه المرتقب سلوى عن كل مفقود». - «أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده، ولا يزال كذلك حتى ينقضي أجله، ويده صِفر من أي خير». - «ما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين و الحين، و أن يرسل نظرات ناقدة في جوانبها ليتعرف عيوبها وآفاتها، و أن يرسم السّياسات القصيرة المدى، و الطويلة المدى؛ ليتخلص من الهنات التي تزري به». - «إن لكل موهبة وهبها لنا اللهُ حقًّا علينا، هو تنشيطها، واستعمالها فيما خلقت له، وذلك من صميم شكر الله.. أمّا تعطيلها وإهمالها فهو ضرب من الكنود والجحود لنعمته سبحانه». - «إلى البَكَّائِين على ما فات، المتحيِّرين وراء تحقيق المعجزات، الدائرين حول محور من أنفسهم يصارعون المنى، وتصارعهم دون الانتهاء إلى قرار.. إلى هؤلاء نوجّه كلمة (وليم جيمس): إن بيننا وبين الله رابطة لا تنفصم، فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه-سبحانه وتعالى- تحققت أمنياتنا وآمالنا كلها». -«ذا وجدت الصبر يساوي البلادة في بعض الناس؛ فلا تخلطن بين تبلد الطباع المريضة وبين تسليم الأقوياء لما نزل بهم». - «إن الإنسان بفطرته قد يعرفُ الحقيقة فـ (الحلالُ بَيِّنٌ ، والحرامُ بَيِّنٌ ..)؛ بَيْد أنَّ هذه المعرفة لا قيمةَ لها إن لم نحلَّ الحلال ونحرِّم الحرام، وإن لم تقفنا الحدود الفاصلة بين الفضيلة والرذيلة والعدالة والعدوان». مريم محمود