اهم الاخبار
الجمعة 26 أبريل 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تعليم

بعد النهاية.. بيت الحكمة تصدر أحد أشهر روايات الصين

IMG-20200124-WA0010
IMG-20200124-WA0010

أصدرت مؤسسة بيت الحكمة للصناعات الثقافية واحدة من أشهر روايات الصين خلال هذه الفترة، والحاصلة على جائزة واحدة من أفضل الإصدارات 2017 رواية "بعد النهاية" للأديب الصيني الحاصل على جائزة ماودون في الأدب تشو داشين، ومن ترجمة الدكتور "يحيى مختار" الذي صدر له من قبل روايات "نهر الزمن" و"١٩٤٢" و"بكين بكين" وغيرها. رواية نصف سياسية نصف فلسفية، رواية ظاهرها يحمل استقصاء لحياة حاكم ما، وباطنها يجسد علاقات مجتمعية وعاطفية متشابكة ومعقدة كما هي حياتنا جميعا، رجل مات، يعاد إحياءه بعيون 26 مقابلة أدبية مع بعض من كانوا قريبين منه، 26 رؤية مختلفة لرجل واحد، و26 رواية متباينة للحدث نفسه. بيت الحكمة .. الرواية تحمل حلم الصين، وهموم الصين، وتراجيديا الحياة، كل حياة وهي محاولة تصوير خيالي للواقع استخدم الكاتب فيها الأسلوب الواقعي من خلال لقاءات أجرها الكاتب مع 26 شخصية، يسردون فيها علاقاتهم ومواقفهم مع هذا الحاكم ومن جوانب متعددة ومختلفة، مما رسم صورة كاملة لحياة هذا الحاكم من خلال هؤلاء لأشخاص ذوي الهويات المختلفة. تعد شبكة العلاقات الاجتماعية التي عمد الكاتب إلى تنوعها هي شواهد وادلة من جوانب مختلفة تضفي صبغة واقعية وتزيد من مصداقية حديثه، كما أن النعي والتأبين في بداية الرواية ونهايتها يعطي طابع واقعي على الأحداث، وكأن الكاتب يحاول أن يعيد هذا الحاكم إلى الحياة امامنا مرة أخرى. ولربما كانت هذه الزيارات الاستقصائية قد جعلت الرواية بعيدة بعض الشيء عن كونها سياسية بحته، وهو ما ابعد عنها شبهة كونها رواية خيالية تحمل بيانات غير حقيقية ولكن هذه الزيارات على ميزتها تلك إلا أن لها عيب كبير، وهي أنها تفقد الكتابة شاعريتها، فتبدو في الكثير من الأحيان على انها كتابات صحفية بعيدة عن النمط الادبي، فالكلام ليس كلام الكاتب بل هو يستعير افواه الأخرين ليتحدث من خلالها. قد يختلف البعض حول تصنيف الرواية فمنهم من قد يجدها سياسية، ومنهم من قد يجدها إنسانية في المقام الأول ولا علاقة لها بالسياسة، كل ما في الأمر أن بطل الرواية هو شخص يعمل في الوسط السياسي فالقارئ لن يجد مؤامرات واغتيالات واياد خفيه وجنس وما الى ذلك مما تتمتع به الروايات التي تتحدث عن الوسط السياسي بل هي في مجملها نقد للذات وللواقع الحياتي في الصين، ومحاولة لفهم أعمق لأسرار وخبايا النفس البشرية. يكشف لنا الكاتب في هذه الرواية عن اسرار هذا الحاكم "الافتراضي" وعلاقاته الاجتماعية المتشابكة والمعقدة، بما فيها ميلاده، وطفولته، والتحاقه بالدراسة، وتخرجه من الجامعة، وزواجه، والتحاقه بالعمل، وتدرجه في المناصب وصولاً إلى شغله لمنصب حاكم المقاطعة، سارداً لنا تفاصيل من حياته، ونجاحاته، وانتكاساته، وأفراحه، وآلامه، واحزانه، وهمومه، وجوانب متعددة من شخصيته بواقعية شديدة، تجعل القارئ يشعر بأنها سيرة فعلية لشخصية حاكم حقيقي، وأن هؤلاء الأشخاص الافتراضيين الذين أجرى معهم مقابلات صحفية هم بالفعل شخصيات حقيقية. بيت الحكمة .. تعد قصة كفاح تحكي لنا سيرة طفل ولد لأسرة قروية فقيرة ولكنه نجح في شغل واحداً من أكبر المناصب في البلاد رحلته بدأت في الحياة كطفل قروي كان أملاً لعائلته الفقيرة في أن يصبح شخصا ذو شأن كي يكون عوناً وفخراً لعائلته ويدفع عنها المظالم، حيث كانت عائلته قد تعرضت للظلم من أحد أقرباء عمدة قريتهم في صغره، حينها قرر جده منعه من تعلم العزف على المزمار أو تعلم الرسم الشعبي ووفر له ظروف التعليم والالتحاق بالدراسة كي يصبح من ذوي الشأن في المجتمع، وهو ما كان له تأثير كبير على شخصية هذا الفتى اليافع، بل حتى إن جدته منعته من الزواج من الفتاة التي يحبها، حتى يتزوج بابنة المحافظ الذي كان معجبا به حتى تتهيأ له الظروف كي يتدرج في سلم المناصب. من خلال سرد الكاتب نرى الحاكم "أويانغ وانتونغ" وهو يشغل العديد من المهام الأخرى في الحياة فنجده أب، وزوج، ومُطَّلق، وأب بالتبني، وابن، وخال، وصديق، ورئيس، ومرؤوس، ومعلم، ومتعلم، وحبيب، ومحبوب، ومكروه، ومذنب، ومتدين، وغير ذلك من الجوانب. يحكي لنا الكاتب عن شخصية الحاكم "أويانغ وانتونغ"، حياته، وتجاربه، وخبراته، ومآثره، ومصيره، وكيف كان من الصعب عليه أن يكون حاكماً صالحاً في ظل تلك البيئة التي كان يعيش فيها. كما دعم الكاتب أحاديثه بالكثير من الحقائق والأرقام والوقائع التاريخية والاحصائيات الاقتصادية وغيرها من المعارف والمعلومات، وهو ما يصبغ الاحداث بصبغة واقعية، ويدل أيضا على سعة اطلاع ومعرفة الحاكم، وحبه للتعلم من الاخرين. وهي دعوة لجميع المسئولين أن يحذوا حذوه، فأمثاله من المسئولين لهم دور هام في بناء الامة ونهضة الوطن. وهنا نجد أن الكاتب قد خالف توقعات القراء، فهو لم يصف البطل بأنه شخصية فاسدة ومرتشية ومثيرة للجدل، بل على العكس، يصف الكاتب بطل الرواية على أنه شخص صارم ملتزم متسامح وخلوق، وهذا بخلاف ما جرت عليه الأحوال في مثيلاتها من روايات الأوساط الرسمية في الصين التي كانت دوما تركز على الطابع الشعبي سواء الساخر او الافتراضي المتهكم، وتتمحور احداثها حول السلطة والجنس والفساد والثراء الفاحش. وهذا ما يعكس تطلعات الكاتب في أصحاب المناصب. وبخلاف شخصية الكاتب، لم تخلو الرواية من انتقاد سياسات الدولة على العديد من الأصعدة. والصعوبة تكمن هنا، فالكتابة على مستوى انتقاد العيوب ليست بالأمر الهين كما هو الحال في الكتابة على مستوى التجميل. وعلى جانب آخر يخبرنا الكاتب انه لا يوجد شخص مثالي، فهذا الحاكم كان شغوفا بالسلطة حتى انه ترك حبيبته القروية الفقيرة من أجلها، وتزوج بفتاه من عائلة مرموقة حتى يعتمد على والدها في الترقي، كما انه أوعز لصديقه وابن قريته بأن يتزوج من ابنه مسئول عسكري حتى يساعده في المستقبل، كما أهمل في توعية زوجته المرتشية، وتحرش بممثلة الاوبرا الفاتنة بعدما ثمل، بل وأخطأ في الحكم على أحد الكوادر وهو ما أدى الى انتحاره. ولكن في المقابل نجده قد ساعد حبيبته الأولى بالمال، واستدعى وابنتها لتعمل معه براتب مجزي، ولم يتمادى في العلاقة مع الممثلة الفاتنة خوفا عليها وعلى نفسه، وظل يعيش في حالة من تأنيب بسبب تقصيره في حق زوجته، وظلمة للكادر الذي انتحر فظل يبحث عن ابنته كثيرا كي يساعدها. بيت الحكمة .. كما انه كان يعمل دوماً لمصلحة الشعب فنجدة يساعد العامل المهاجر على الحاق ابنه بالدراسة، ويساعد صاحب الشركة المفلس، ويعمل على اغلاق المصانع والمناجم التي لوثت البيئة واضرت بصحة السكان، ويلتمس النصح من ذوي الخبرات، ومن خلال هذه الأحداث المتنوعة يستطيع القارئ أن يلمس صدق الحاكم في عقاب الفاسدين ومساعدة المحتاجين، وعزمه ومثابرته على تحسين معيشة الناس، وصمته في وجه تعنيف رؤسائه، وندمه وأسفه في حق من قصر في حقهم. وايضاً وجهة نظره في السلطة والمال، وقلقة الدائم على دولته وامته، وكيفية تمسكه بأخلاق المهنة في مواجهة اطماع اقاربه وزوجته وأصدقائه، وفي مواجهة اغراءات المال والنساء، بل حتى انه عندما شعر باليأس من تغيير أحوال الفساد حوله فكر في الاستقالة، وهو ما يثير تعاطف القارئ. فالكاتب يريد من كل هذا أن يعبر عن تطلعاته وآماله في الطبقة القيادية في الصين من خلال هذه الحاكم، ووجهة نظره في الاخلاق والمسئوليات التي يجب أن يتحلى بها المسئولين، وكأن لسان حاله يقول: ماذا لو أصبح كل الحكام مثل "أويانغ وانتونغ"؟ لم تخلو الرواية أيضا من التطرق بالحديث إلى العديد من طبقات المجتمع، وكشف فساد رجال الأعمال والرشوة والدعارة. فحملات مكافحة الفساد واعتقال الكثيرين من المسئولين جعلت الكاتب يتساءل كيف لهؤلاء الأشخاص أن يصلوا إلى مواقع المسئولية، وكيف تحولوا لهذا النوع من المسئولين، وما السبب في وجودهم في تلك المناصب. بيت الحكمة .. وبدأ الكاتب كمن يحمل هموم تدني الاخلاق ومشكلات التوظيف، والترقي، والتلوث، والإنتاج، والصناعة، والزراعة، والرشى، والتمويلات، والوساطة، والتعليم، والدين الأمريكي، وسباق التسليح، والتهديدات الجيوسياسية، والأمن الداخلي، والأمن السيبراني. حيث يرسل الكاتب رسالة ضمنية مفادها أن الشعب هو من أوكل لهؤلاء المسئولين إدارة شئونه وعليه أن يكون على دراية تامه بأمورهم الشخصية، ويوضح الكاتب أيضا أن هؤلاء المسئولين بينهم نسبة لا بأس بها من الكفاءات وإلا ما كانت الصين لتصل إلى ما هي عليه اليوم. الا أن مشاكل الفساد لا تزال مستشريه وهذا هو مثار قلق الكاتب. كما يبرز الكاتب أن الصين بالرغم من تطورها الهائل والسريع، إلا انها لا تزال في حاجة إلى الاستفادة من الغرب في بعض الأمور. وكلها آمال وتطلعات تبرز سعي الكاتب نحو الكمال والمثالية. رودينا رفعت اقرأ أيضا: مؤسسة بيت الحكمة تصدر كتاباً أدبياً جديداً بعنوان «مقابلة خاصة جداً»