تعليم
مركز الأزهر يوضح حكم الامتناع عن الحجر الصِّحي
أصدر مركز الازهر العالمي للفتاوى الإلكترونية بيانا لتوضيح مشروعية الحجر الصِّحي وأنه واجبٌ شرعيٌّ على المَرضَى والمُصَابين بمرضٍ مُعْدٍ، والامتناعُ عنه جريمةٌ دينيَّةٌ وكارثةٌ إنسانيَّة يرتكبها الإنسان في حقِّ نفسِه ودِينه ووطنه. فقد اهتمَّ الإسلامُ الحنيف والشَّرعُ الشَّريف اهتمامًا بالغًا بأسس الصِّحَّة العامَّة، والمحافظة عليها من الأمراض والأوبئة، وذلك عن طريق الطبِّ الوقائي، فالإسلام أَوَّل من وضع قانون الحجر الصِّحي، ليتمسك به المسلم تمسكًا قويًا، ذلك أن المسلم إذا كان قويًا صحيح البنية كان أقدر على القيام بواجباته. فعن أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «الطاعون آية الرِّجز، ابتلى الله -عز وجل- به ناسًا من عبادِه، فإذا سمعتم به، فلا تدخلوا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها، فلا تفرُّوا منه» [رواه مسلم]. فالحجر الصِّحي: هو المنع من دخول أرض الوباء، أو الخروج منها؛ منعًا لانتشار العدوى بالأمراض المعدية السريعة والانتقال مثل الطاعون والكوليرا والتيفوس وكورونا المستجد، ويعتبر الحجر الصحِّيُّ أعظم نظام في الطبِّ الوقائي، وأقوى وسيلة يُلجأ إليها للوقاية من الأمراض الوبائية؛ لحصرِ المرض في أضيق حدوده وحجره في مَهدِه الأَوَّل حتى لا ينتشر وتكثرُ الإصابة به. وكذلك وردت نصوص نبويَّة شريفة ترشد إلى منع اختلاط المريض بالأصحَّاء؛ حمايةً لهم وحفاظًا عليهم، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يُورِدَنَّ مُمرِضٌ على مُصحٍّ» [رواه البخاري] و عن عمرو بن الشَّريد، عن أبيه، قال: كان في وفدِ ثَقيف رجلٌ مجذومٌ، فأَرسلَ إليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّا قد بايعناك؛ فارْجِع» [رواه مسلم]. وعن ابن أبي مليكة، أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- مَرَّ بامرأةٍ مجذومة وهي تطوفُ بالبيت، فقال لها: "يا أَمَة الله، لا تُؤذِي النَّاس، لو جلستِ في بيتك"، فجلستْ في بيتها، فمرَّ بها رجلٌ بعد ذلك، فقال: إنَّ الذي نهاك قد مات، فاخرجي، فقالت: "والله ما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتًا" [موطأ مالك]. فعزل المرضى والبعد عن مخالطتهم إلا لضرورة قد أمر به الشَّرعُ الشَّريف، وهذا لا يُنافي التَّوكُّل على الله -سبحانه-، بل هو مقامُ عينِ التَّوكُّل، فقد تَعبَّدَنا الله -تعالى- بألا نُلقي بأيدينا إلى التُّهْلُكة، فقال -جلَّ جلاله-: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:195]، كما أمر –سبحانه- عبادَه أن يأخذوا حذرهم من كلِّ ما يُمكن أن يُلحِق الضَّرر بهم ويُهلكهم، وأكَّد وجوب حفظ النفس بقوله -تعالى-: {خُذُوا حِذْرَكُمْ}[النساء:71]. فالحجر الصحي تدبير احترازي يقتضي منع اختلاط مرضى الأمراض المعدية بجمهور الأصحاء، والامتناع عنه حرامٌ شرعًا. وهو من الإجراءات الصِّحية المعتبرة، والأسباب الوقائية في المجتمع المتحضر الآن، وأَوَّل من وضع نظام الحجر الصِّحي ونفذَّه وأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولقد تمَّ تطبيقه عمليًا لدى الصحابة -رضى الله عنهم-، وكان من أَثَر ذلك إنشاء أول مستشفى للحجر الصحي في الإسلام، وكان للمجذومين على يد الوليد بن عبد الملك عام (88هـ/706م)، في حين لم تعرف الدُّنيا وقتها هذا النوع من المستشفيات. وقد قامت العديد من دول العالم بتبني ما شُرع على لسان سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وأيَّدته التَّجارب الطبية بعد قرون كثيرة، بل وأصبح من الإجراءات التي تلجأ إليها المستشفيات العامَّة والخاصَّة في مناحي العالم للقضاء على أمراض كثيرة معدية، وأثبتت في هذا الفاعلية في مكافحة انتشار العديد من الأمراض المنتقلة. فقد توصل العلماء في الطبِّ الحديث أن حصر المرض في مكان محدود يتحقق بإذن الله بمنع الخروج من الأرض الموبوءة. فالنهي عن الخروج من الأرض الموبوءة يمثل حجرًا صحيًّا سبق إليه الإسلام الطب بمئات السنين، كما أن منع الدخول إلى الأرض الموبوءة يعد إجراء وقائيًّا سبق إليه الإسلام. هذا؛ والله -تعالى- أعلى وأعلم، وأعزُّ وأحكم، ونسأله سبحانه أن يكشف عنّا البلاء والوباء وأن يُبارك لنا في شعبان ويبلغنا رمضان ويرُدَّنا إلى بيوته مردًا جميلًا عاجلًا غير آجل .