اهم الاخبار
الإثنين 25 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

أخبار عاجلة

«حكاية كتاب».. مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية يقدم لكم حكاية الكتاب السابع

1
1

مؤلف الكتاب في سُطور هو: العلّامة الأديبُ الباحث محمد عبد الله دراز المولود في الثامن من نوفمبر لعام 1894م بقرية «محلة دياي»، مركز دسوق، محافظة كفر الشيخ.

نشأ الدكتور دراز في بيتٍ عامرٍ بالتقوى والصلاح، لأب فقيه لغوي معروف، وأتمّ حفظ القرآن الكريم وتجويده وهو دون العشر سنين.

وفي أوائل عام 1905م انتقل إلى الإسكندرية، ليلتحق بمعهدها النّاشئ في معية والده، ولينال منه شهادة الابتدائية بعد أربع سنوات، ومنه إلى الجامع الأحمدي بطنطا عام 1912م؛ ليحصل على شهادة الثّانوية.

وفي عام 1916م حصل الشيخ دراز على شهادة العالمية، ثم عمل مدرسًا ﺑ «معهد الإسكندرية الأزهري» حتى عام 1928م، ثمّ محاضرًا في الكليات الأزهرية الناشئة عام 1930م، وقد كان الشيخ دراز محبوبًا بين تلامذته وزملائه؛ لِمَا تحلّى به من الأخلاق الكريمة، والتواضع الجم، مع ما شُهِد له به من سعة العلم، وموسوعيّة المعرفة، وصلاح الظّاهر، ونقاء الباطن.

وفي عام 1936 حصل على منحة علمية لدراسة فلسفة الأديان بجامعة السوربون في فرنسا، استغرقت اثنتي عشرة سنة؛ ولكن دون أن ينال طول إقامته في فرنسا، وكثرة احتكاكه بالمستشرقين من أزهريته وثقافته الإسلامية الوسطية الرّصينة.

وقد تميزت كتابات الشيخ المتعددة بعمق التحليل، ودقة الاستدلال، وإحكام الاستنتاج، وكان رحمه الله يؤثر البحث الهادئ؛ طال أمده أم قصر؛ لذا كانت كتاباته وأبحاثه غيث الظمأ لدى الدّارسين.

بالإضافة لإجادته الكتابة باللغة الفرنسية، ورده على جريدة «طان» الفرنسية وغيرها؛ لبيان حقائق الإسلام.

وتقديمه عرضًا رائعًا في القانون الدّولي، إلى جانب مؤلفاته المُميَّزة في الفكر الإنساني.

ولم تكن حياة الإمام العلمية بمعزل عن وطنيته وقضايا أمته؛ فقد كان لمحاضراته في السفارات الأجنبية بمصر إبان ثورة 1919م باللغة الفرنسية الأثر العظيم في شرح قضية بلاده أمام مُمثلي الدُّول الغربية.

كما كان له دور توعوي رائد في مقاومة الاحتلال البريطاني لمصر، وتأييد حركات التحرر العربية الفلسطينية والمغربية والجزائرية.

وفي عام 1958 توفي عالمنا الجليل في لاهور بباكستان أثناء تمثيله لمصر في مؤتمر الثقافة الإسلامية، رحمه الله رحمة واسعة، ونفعنا بعلومه في الدارين.. آمين.

[بين يدي الكتاب]

«الصوم تربية وجهاد» بهذه الكلمات عَنوَنَ الدكتور دراز لكتابه القيّم؛ مُبلورًا جوهر الصوم وغايته في كلمة جامعة؛ إذ الصوم ليس كفًّا عن إشباع شهوتي البطن والفرج وقتًا من الزمان فحسب؛ بل هو مجاهدة للنفس، وتهذيب للطبع، وتغذية إيمانية للرُّوح.

ويعدّ الكتاب مجموعة من البحوث التحليلية النافعة مما لا غنى لمسلمٍ عن معرفتها، قدَّمها الدكتور دراز في أسلوب إبداعيّ؛ حواريّ حِينًا، وأدبيّ أحيانًا أخرى.

ورغم قِلة صفحات الكتاب التي لم تتجاوز المائة؛ إلا أن الكاتب بما حباه الله من قوة بيانٍ استطاع أن يُطوِّف بالقارئ بين معانٍ مُلهِمَةٍ، وموضوعات مُهمَّةٍ؛ نُوردُها مُجملةً في النِّقاط الآتية:

عَرَّفَ المُؤلِّف في البداية بفضل شهر رمضان الكريم، وأثره النافع في النفوس المؤمنة، ومكانته بين شهور السَّنة؛ ثم تحدث عن استقباله بلسان الوَجْد والاشتياق.

فقال: «أقبل إذًا هلال رمضان، ليكن مطلعك على الإسلام من أفُقِ العزة والنصر، وعلى المسلمين من فلك السؤدد والمجد، وليكن مقدمك على البلاد أمنًا ورخاءً ونعمة، وعلى العباد يُمنًا وإخاءً ورحمة»

ثم تحدث عن الهدف من الصوم، والتأهب لاغتنام فرصته، والاستعداد لبذل تضحيته، والإقبال عليه بإيمان واعتقاد، وعبادة وانقياد.

فقال: «فاعرف إذًا ماذا أراد ربك من صومك؟، واعمل على أن تكون نيتك وفق إرادته، وليكن أول ما تذكره من ذلك أنّ الله تعالى الرحيم لا تعنيه من صومك حرارتُه ومرارتُه، ولا يناله من جسمك ذبولةٌ وهزالةٌ ... إنّ الله عز وجل حين قال: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ} لم يقل: لعلكم تتألمون، أو تصِحُّون، أو تقتصدون، وإنما قال: { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)} [البقرة]، فأراد من الصوم أن يكون وسيلتك لنيل صفة المتقين، وأداتك في اكتساب ملكة التقوى».

وبيَّن أن لهذه الفريضة طاقة إيجابية، ومظاهر اجتماعية وإنسانية، ودعا كلَّ ذي لبٍ إلى تدبر مقاصدها، ووعي دروسها، ونيل جائزتها.

فقال: «إني أدعوكم إلى التفكير مليًّا في سر هذا التشريع، لتعلموا أنه تشريع مثاليّ، يخلق المجتمع المثاليّ، انظر إلى هذه التربية العملية على الوحدة والمُساواة، مرتين تتنازل الأمة كلها جملة واحدة للتذوق مع المحرومين طعم العوز والحرمان، ثم تصعد الأمة كلها أخذًا بعضها بأيدى بعض لترتفع فوق مستوى العوز والحرمان، وتتذوق مع المتذوقين طعم الإرتقاء الذي يليق بالإنسان، وبهذا وحده يكون يوم العيد، يوم بهجة وسرور، فهل أعيادنا حقًّا أعياد بهجة وسرور؟»

ثم ألقى الضوءَ على ما حدث في هذا الشّهر الكريم من أحداث عِظام، ووقائع جِسام، فرقت بين الباطل والحقّ، والنّفاق والصدق.

فقال: «في هذا الشهر الكريم غزوة بدر الكبرى، وفي هذا الشهر فتح مكة، الذي أتمَّ الله فيه النصر للإيمان والحق، وأعلن فيه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه سياسة الحبّ والصّفاء والسّلام»

بعد ذلك تحدَّث عن ليلة القدر، ومنزلتها، وفضلها، وتشريف رمضان بها.

فقال: «كانت الإيجاءة القرآنية الأولى إذا هي باكورة هذه النعمة العُظمى، وارتبطت ذكراها بتاريخ نزولها ... إنها ليست دورة فلكيّة آليّة، إنها منحة ربانية يبارك الله بها، الليلة التي يشاء إنزال الملائكة والروح فيها»

ثم كان ختام الحديث مع عنوان: «وداعًا»، الذي ودَّع فيه المُؤلِّف شهر الصوم بوصايا نافعة، وكلمات ماتعة، منها قوله:

«مهلًا مهلًا رمضان، ما أعجلك في ارتحالك عنَّا أيها الضيف الكريم، هلَّا أَمتعتنا بك فترة أخرى، يتدارك فيها المقصرون تقصيرهم، ويزيد فيها المُشمرون تشميرهم؟!»

وفي الحقيقة من يقرأ هذه السّطور التي يختم  بها المؤلف الكتاب، يجد أنها ليست مجرد كلمات يبثّ فيها حُزنه على فِراق أيام رمضان المُباركات، بقدر ما يقرأ بينها حثّه على التَّأهب لاستقباله كل عام بعلو الهمَّة، وشكر النّعمة، وقِراه بما يناسب قدره وكرمه وسرعة انقضائه؛ فهو الضيف الكريم العجول.

ومن هذه السطور قوله: «ما أكثر الذين اعتذروا إليك بمشاغلهم ومتاعبهم، وما أكثر الذين تعللوا لك بضعفهم ومرضهم .. ولكنه مرض القلوب، وصغر النفوس، وخور العزائم، لقد خانتهم رجولتهم فلم يحاولوا أن يقتحموا العقبة، بل فرُّوا من الميدان قبل الملحمة، وحكَموا على أنفسهم مُقدَّمًا قَبل التّجربة»

وكانت آخر كلمات الوداع مع زكاة الفطر، ومما قاله الدكتور دراز فيها:

«هذا الضيف الكريم -يقصد رمضان- لا يُودَّع بمجرد التَّحيات والتّسليمات، ولكن يجهز بالتّحَف والطُّرْفِ ويزود بالهدايا والعطايا، أتدرون ما تحفة ضيفكم؟ زكاة فطركم، إنها طهرة صومكم، وزكاة نفوسكم، وصلاح أمركم»