المؤشر العالمي للفتوى: أردوغان يواصل استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده وتبرير أطماعه الاستعمارية
استمرارًا لما نشره المؤشر العالمي للفتوى في فبراير الماضي حول استغلال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخطاب الديني و سلاح الفتاوى لتثبيت أركان حكمه في الداخل التركي وإبراز مطامعه السياسية في الخارج، أكد المؤشر، التابع لدار الإفتاء المصرية والأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، استمرار أردوغان في استخدام هذا السلاح حتى الآن.. وقد خلص مؤشر الإفتاء في هذا الإطار إلى عدة نتائج كان أهمها: ورصد مؤشر الفتوى حال الخطاب الإفتائي في الداخل التركي، مشيرًا إلى أنه يرسِّخ للديكتاتورية المطلقة لأردوغان ومشروعه العثماني الذي يسعى جاهدًا لتنفيذه ولو على حساب شعبه وأبناء وطنه. وأشار المؤشر إلى المعاملة الوحشية لكل المعارضين بلا استثناء، وذلك بعد إضافة الحكومة التركية إلى هيئات إنفاذ القانون عنصرًا جديدًا ذا خلفية دينية، وقضى هذا العنصر الجديد بأن تتعامل الجهات الأمنية مع معارضيهم والمشتبه بهم باعتبار أنهم "كفار" أو "أعداء الإسلام"، وقد أعطت حكومة أردوغان لتلك الجهات ذريعة ومبررًا باعتبار أن ما يقومون به من تنكيل لخصومها السياسيين هي أعمال مقبولة ينتظرون عليها الثواب في الآخرة. كما أورد المؤشر فتوى أخرى لعالم الدين التركي "خير الدين كرمان"، وهو محسوب على نظام أردوغان، تقول تلك الفتوى: "إن الضرر الذي يلحق بجماعة صغيرة جائزٌ في مقابل تحقيق المصالح العامة للأمة"، مشيرًا إلى أن المعسكر الأردوغاني وحزب العدالة والتنمية كثيرًا ما يردِّدون مثل تلك الفتاوى التي تتنافى بشكل واضح مع مبادئ الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان على حدٍّ سواء. خطاب ديني عنصري وتابع المؤشر العالمي للفتوى أن الرئيس التركي تمكن من إقصاء كل من رفض مبايعته، كحركة فتح الله غولن، ولا يزال يستخدم خطاب الكراهية بشكل متعمد ضد خصومه السياسيين؛ بل ويصفهم أحيانًا بأنهم "كفار". ولفت المؤشر إلى أن أردوغان أعلن في البداية تخليه عن حزبه القديم وهو حزب "الرفاه" بقيادة نجم الدين أربكان، الذي كان يمثِّل الإسلام السياسي هناك، وتعهَّد (آنذاك) بأنه لن يتبنى مشروعًا إسلاميًّا خلال حياته السياسية، غير أنه بعد تمكنه من السلطة، بدأت تظهر لديه نزعته التاريخية وهي "الاستئثار بالسلطة"، وبدأ يقترب من التنظيمات الإسلامية العنيفة ويبتعد عن الديمقراطيين والجماعات الإسلامية المعتدلة. اللعب بورقة المساجد والظهور بمظهر خليفة المسلمين ولفت المؤشر إلى ورقة المساجد التي يستخدمها أردوغان جيدًا في الداخل التركي، بهدف المكاسب السياسية وإنقاذ شعبيته المترنحة نتيجة وباء كورونا والانهيار الاقتصادي لبلاده؛ حيث كشف المؤشر أن مسئولي الشئون الدينية نشروا مؤخرًا رسائل جديدة تدعو الأتراك لانتظار قرار تحويل متحف "آيا صوفيا" إلى مسجد. واعتبر مؤشر الفتوى أن تجديد الحديث الآن عن موضوع تحويل الكنيسة القديمة "آيا صوفيا" إلى مسجد، وما رافقه من نشر مقطع فيديو لأردوغان وهو يتلو القرآن في رمضان الماضي، هي موضوعات استهلاكية لكسب الطبقات المتدينة. وأكد المؤشر أن قضية تحويل آيا صوفيا إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحًا دعائيًّا بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم. وقد بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى احتل العثمانيون إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد. وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة. ومع توظيف النظام التركي لشعارات تسييس الدين، عاد موضوع تحويل آيا صوفيا إلى مسجد ليصبح سلاحًا انتخابيًّا بيد أردوغان وجنوده يرفعونه كلما احتاجوا إلى أصوات العامة من الناس. استغلال مذبحة مسجد كرايست شيرش بنيوزيلندا وأبرز المؤشر العالمي للفتوى مثالًا آخر لاستخدام ورقة المساجد لحزب العدالة والتنمية قبيل الانتخابات المحلية في مارس 2019؛ فعندما شعر أردوغان بقرب هزيمته لجأ لتوظيف رجال الدين، في محاولة منه ومن حزبه لمنع المحافظين من الذهاب بعيدًا عن حزبه الإسلامي. وأشار المؤشر إلى أنه في تجمع حاشد عام 2019، عُرضت أمام حشد مؤيد لأردوغان شاشة عملاقة تضمنت لقطات للمذبحة التي وقعت في مارس 2019 بمسجد كرايست شيرش بنيوزيلندا، حيث استغل أردوغان تلك المذبحة للظهور على أنه حامي حمى المسلمين والخليفة المزعوم. خطط أردوغان الاستعمارية في الخارج أبطالها إخوان وحول الحديث عن الخارج التركي، أكد المؤشر العالمي للفتوى أن الرئيس التركي لا يزال يراهن على جماعات الإسلام السياسي للدفاع عن مصالح أنقرة داخل بلدانهم، ولاحظ المؤشر أن أردوغان جنَّد دعاة ومفتين، مثل الصادق الغرياني وعبد الله المحيسني وخالد المشري وغيرهم؛ لأن حاجز اللغة يتطلب أشخاصًا ينتمون لتلك الدول؛ وهو ما يوفره هؤلاء الدعاة داخل كل دولة، وقد تناول مؤشر الإفتاء بعضًا من تلك الفتاوى التي ترسِّخ للنزعة الاستعمارية التي تؤمن بها حكومة أنقرة وأنها من صميم عقيدتهم.. في ليبيا.. فتاوى "الغرياني": دماء وأموال الليبيين تحت خدمة أردوغان وتناول مؤشر الإفتاء الأوضاع في ليبيا بعد إرسال السلطات التركية آلاف المرتزقة وتحريضهم على الاقتتال هناك، مؤكدًا أن أردوغان جنَّد مفتين ينتمون لجماعة الإخوان الإرهابية ليبرروا كل تلك الأفعال الدنيئة، ومن بين هؤلاء الصادق الغرياني مفتي ليبيا المعزول الذي أجاز استيلاء الميليشيات والمقاتلين في طرابلس على الممتلكات، وأفتى بأن "السيارات والأسلحة الثقيلة والمعدات والنقود لا تُعدُّ من السلَب الذي يختص به المقاتل، بل هي غنيمة، أربعة أخماسها مِلكٌ لجميع الحاضرين للقتال، وخُمسها تتصرف فيه القيادة للمصالح العامة". وقال الغرياني نصًّا: "يجب علينا أن نقف مع تركيا كما وقفت معنا وهبَّت لنصرتنا في وقت الأزمة والظروف الصعبة، ونتعامل بإيجابية مع البنود الأخرى للاتفاقية ولا نخذلهم"، في إشارة لاتفاقيتي التعاون العسكري وترسيم الحدود البحرية اللتين وقعهما رئيس حكومة الوفاق فايز السراج والرئيس التركي نهاية شهر نوفمبر الماضي، والتي تتيح لأنقرة الاستفادة من مخزونات الطاقة الموجودة بشرق المتوسط عبر البوابة الليبية. وأضاف الغرياني: "ينبغي أن تكون لتركيا الأسبقية في علاقاتنا الاقتصادية، وفيما يتعلق بالتنقيب عن النفط والغاز، فهي أولى من أي دولة أخرى". وحثَّ الغرياني حكومة فايز السراج على ضرورة الالتزام بـ"العهد والميثاق" لأن تركيا أوفت بعهدها، في إشارة إلى الدعم التركي اللامحدود الذي قدمته أنقرة إلى حكومة الوفاق وقواتها في معركتها ضد الجيش الليبي. وأشار المؤشر إلى أن الغرياني كان قد أصدر فتوى شاذة حول عزم أنقرة إنشاء قواعد عسكرية في ليبيا، واعتبر حينها أن هذا الأمر "حلال شرعًا ومشروع قانونًا"؛ بل واستشهد على ذلك بآيات قرآنية. كما أجاز الغرياني أيضًا دفع أموال الزكاة للجماعات المسلَّحة لشراء المقاتلين والسلاح لصالح حكومة الوفاق، في تبرير فاضح لانتهاكات تركيا في ليبيا واستثمارها في أموال الليبيين وتأجيجها للاقتتال فيما بينهم. وفي فتوى أخرى، دعا المفتي المعزول، وزير التعليم بحكومة الوفاق "محمد عماري زايد" إلى وقف الدراسة في طرابلس وإرسال الطلاب إلى القتال لمواجهة الجيش الوطني الليبي، وزعم الغرياني بهتانًا أن أردوغان يضحِّي بأمنه ومصالحه - على حد قوله - ويضع نفسه في مواجهة الجميع للدفاع عن الشعب الليبي. وأخيرًا، أصدر الغرياني (الملقَّب بمفتي الإرهاب) فتوى بعدم تكرار أداء فريضة الحج والعمرة لمن أداهما، لتوفير نفقاتهما إلى الميليشيات الإرهابية الموالية ضد الجيش الوطني الليبي. إشعال نار الفتنة ضد السودان.. وإخوان مصر يدعمون الليرة التركية وأوضح المؤشر أن الغرياني لم يكتفِ بإصدار فتاوى ضد بلاده ولمصلحة أردوغان؛ بل أطلق بيانًا تكفيريًّا يتهم فيه السودانيين بالمشاركة في العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر (أصدر الغرياني فتوى سابقة بإهدار دمه) لاستعادة طرابلس من الإرهابيين، و"ناشد" ما أسماهم بـ"الإخوان من علماء السودان وعقلائها" للتدخل لوقف إرسال "المرتزقة" للقتال ضدهم. وأبان مؤشر الفتوى أن فتوى الغرياني الخاصة بالسودان تندرج ضمن إشعال الفتنة وإثارة الشارع السوداني عبر دعوة الإسلاميين هناك للانقلاب على ضد الحكومة والمؤسسة العسكرية السودانية، مثل ما تفعل جماعة الإخوان الإرهابية في مصر. من جانب آخر، لفت مؤشر الفتوى لبعض فتاوى وآراء أعضاء الجماعة الإرهابية في مصر التي تمنت انهيار اقتصاد بلادهم، في حين دعوا بكل السبل وعبر منابرهم وقنواتهم التي تبث من الخارج لدعم الليرة التركية بعدما أصابها الانهيار والترنح الشديد. وحذر صابر مشهور، القيادي بالجماعة من انهيار العُملة التركية، وقال: "لو سقطت الليرة التركية سيسقط الإسلام!!، لو سقطت الليرة التركية يا مسلم ستُغتصب زوجتك أمام عينيك أينما كنت"، ودعا لدعم الاقتصاد التركي بشراء البضائع التركية دعمًا للإسلام، على حد زعمه. وقال القيادي بالجماعة محمد إلهامي حول نفس الأمر: "هذه ليست معركة تركيا، بل هي معركة الأمة الإسلامية كلها". المحيسني والمشري.. أذرع إخوانية تؤيد غزو أردوغان لليبيا وانتقل مؤشر الفتوى لوجه إرهابي آخر يؤيد أطماع الرئيس التركي، وهو "عبد الله المحيسني"، المفتي الشرعي لجبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة بسوريا. وأورد المؤشر تقارير أكدت ارتباط "المحيسني" بعلاقة وثيقة مع أردوغان كغيره من الإرهابيين المرتبطين بجامعة الإخوان، ففي أكتوبر من عام 2016، أجرت صحيفة "يني شفق" الموالية للنظام التركي حوارًا معه عدَّد من خلاله إنجازات الدولة العثمانية، دون أن يذكر المذابح والأهوال التي ارتكبوها. وأشار المؤشر إلى أن المحيسني حث أنصاره مؤخرًا عبر مقطع فيديو مصور على ضرورة المشاركة في قتال الجيش الوطني الليبي، وظهر المحيسني في تسجيل مرئي صدر بعنوان: "الصرخة الأخيرة إلى أهلنا في ليبيا"، دعا خلاله إلى ما وصفه بـ "الجهاد والنفير وتقديم الأرواح رخيصة لمواجهة القوات المسلحة". ولفت مؤشر الفتوى إلى أن تنظيم الإخوان الإرهابي في ليبيا سعى متمثلًا في القيادي خالد المشري، أحد مؤسسي حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لإخوان ليبيا، إلى استجلاب الدعم التركي للإرهابيين في حكومة السراج. وأكد المؤشر أن المشري (الذي يُعرف بأنه من أكبر عملاء قطر وتركيا وأحد مشرعني الغزو التركي لليبيا) يُعدُّ عرَّاب الاتفاقية الأمنية التي وقَّعها السراج مع أردوغان، والتي أسست للغزو التركي لليبيا. على غرار ليبيا.. داعية إخواني كويتي ينصح اليمنيين بطلب تدخل عسكري تركي وتطرق مؤشر الفتوى إلى فتاوى إخوانية أخرى كان بطلها الداعية الكويتي "حاكم المطيري" الذي طالب الشعب اليمني بضرورة المطالبة بالتدخل العسكري التركي، على غرار تدخل أنقرة في دعم المليشيات المتطرفة في ليبيا. ونقل مؤشر الفتوى قول المطيري: "إن المعركة الاستراتيجية القادمة للدفاع عن العرب والمسلمين تقودها تركيا، وعلى العرب خوض الصراع للدفاع عن مستقبل الأمة". وشدد المطيري على أهمية دعم مشروع الإخوان في اليمن، بتعزيز العلاقة لخدمة المعركة الاستراتيجية والاستفادة من الدروس في ليبيا. وحول ليبيا، قال الإخواني الكويتي في فتوى نشرها على صفحته الشخصية على موقع تويتر: "يحرم شرعًا القتال في صف قوات حفتر وإعانة المحتل الروسي في ليبيا على قتل شعبها وتقسيم أرضها، وهو كالقتال مع ميليشيات الأسد وروسيا في سوريا (ومن يتولهم منكم فإنه منهم)". فداء المجذوب.. قصة تورط إمام أسترالي في تهريب الأسلحة من ليبيا لسوريا عبر تركيا وتابع المؤشر العالمي للفتوى الحديث حول استخدام الرئيس التركي لأشخاص وكيانات في الغرب أيضًا للترويج لأفكاره وتنفيذ مشروعاته الاستعمارية، وكذلك القيام بعمليات غير شرعية، مثل عمليات تهريب السلاح، مؤكدًا أن خير مثال على ذلك الإمام الأسترالي من أصول سورية "فداء المجذوب"، الذي لعب دورًا رئيسيًّا في سوريا، حيث نشرت تقارير موثقة ربطت بين مسئولين كبار في الحكومة التركية وشبكة تهريب أسلحة برئاسة أحد عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي. وأوضح المؤشر أن المجذوب كان قائد شبكة تهريب أسلحة من ليبيا إلى سوريا عبر تركيا، وأثبتت تقارير أمنية حوله أنه عمل مع عناصر القاعدة، حيث كان حلقة الوصل بين المجلس الوطني السوري وشبكة القاعدة وكبار المسئولين الأتراك.