«البحوث الاسلامية»: مصاب كورونا يجب عليه شرعًا أن يعزل نفسه
قالت لجنة الفتوى الرئيسة بمجمع البحوث الإسلامية في ردها عن سؤال ورد إليها بأن رجل مصاب بوباء كورونا، ومع ذلك يمارس حياته بشكل طبيعي ولا يعزل نفسه فهل هو آثم شرعا؟، إن الإسلام قد حثَّ المسلم على التحلِّي بالمسؤولية، ورعاية حُرمة من حوله، ودفع الضرر عنهم؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه"، ففي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن آثار الإسلام تظهر في حماية الإنسان لغيره، فلا ينالهم منه أذى أو ضرر، بل بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا أن إيذاء الغير يتنافى مع حقيقة الإيمان فقال "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن» قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: «الذي لا يأمن جاره بوائقه".
أضافت اللجنة أن وباء "كوفيد 19" ابتلاء من الله تعالى، ومن ابتلي بهذا الوباء فعليه أن يصبر، وأن يتوكل على ربه تبارك وتعالى، وأن يأخذ بالأسباب، وأن يعزل نفسه حتى لا يُلحق الضرر بغيره، ومع الأسف الشديد بعض الناس لا يبالي بخطورة الوباء ويمارس حياته بشكل طبيعي مع علمه بحمله للوباء، وإن أول من يتأذى من المصاب هم أسرته والمقربون منه، وهذا إثم عظيم وجناية كبرى؛ للأدلة التالية: منها قوله تعالى: "قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ"، فوصف الله تعالى المستهتر بحرمة النفس البشرية بالخسران والضلال المبين، وففي هذا أعظم رادع من التهاون والتفريط في كل ما يؤدي لهذه النتيجة.
وتابعت اللجنة: أنه من الأدلة على دفع الضرر أيضًا عن أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "الطاعون رِجسٌ أُرسل على طائفةٍ من بني إسرائيل، أو على من كان قَبلكم، فإذا سمعتم به بأرضٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرضٍ وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه"، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"لا يوردنَّ مُمرض على مصح"، وعن عمرو بن الشريد، عن أبيه، قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم «إنا قد بايعناك فارجع»، ففي هذا الحديث يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن السلوك الرشيد في عدم مخالطة المصاب، وعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ، لاَ تُؤْذِي النَّاسَ، لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ، فَجَلَسَتْ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ الَّذِي كَانَ نَهَاكِ قَدْ مَاتَ، فَاخْرُجِي، فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأُطِيعَهُ حَيًّا وَأَعْصِيَهُ مَيِّتًا.
وأشارت اللجنة إلى أن المنظمات الطبية أكدت أن أفضل وسائل لمجابهة هذا الوباء منع المخالطة؛ تفاديًا لا نتشار الوباء، وهذه من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم الذي بيّن السلوك الرشيد في التعامل مع هذا الداء ونهى عن اختلاط المصاب بغيره، ومن المتيقن أن مخالطة المصاب لغيره تؤدي لنقل المرض إلى غيره.
وأكدت اللجنة أنه يجب على من ابتلي بهذا الوباء أن يصبر على قدر الله تعالى، وأن يأخذ بالأسباب، وأن يعزل نفسه إما بالمستشفى إن تيسر له، وإما في بيته مع الالتزام بإرشادات وزارة الصحة بهذا الشأن، وفي الوقت الذي نأمر فيه المصاب بعزل نفسه فإنا نؤكد على حرمة كافة أشكال التنمر وإظهار العداوة للمصاب أو لأي من أفراد أسرته، وندعو الجميع للتعاون والتكاتف في هذه المحنة، ونسأل الله تعالى أن يرفع الوباء عن البلاد والعباد.