الاقتصاد التركي يدخل النفق المظلم بعد فوز أردوغان بالانتخابات الرئاسية
لم يقلص فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية التي أجريت في 24 يونيو الفائت من حدة التحديات التي تواجه الاقتصاد في المرحلة الحالية، خاصة أنه يتزامن مع تزايد الاختلالات الاقتصادية في البلاد خلال الأشهر الماضية، على غرار تدهور قيمة العملة مقابل الدولار نتيجة اتساع عجز الحساب التجاري والتدخل المستمر من جانب الرئيس في السياسة النقدية للبنك المركزي. واللافت في هذا السياق أن بعض الجهات الدولية أبدت مخاوف عديدة إزاء تأثير فوز أردوغان على الأوضاع الاقتصادية، لا سيما بعد تحول البلاد نحو تطبيق النظام الرئاسي بدلاً من البرلماني بموجب التعديلات الدستورية التي أقرت في إبريل 2017، ومنحت الرئيس صلاحيات واسعة على حساب البرلمان، في الوقت الذي يسعى فيه أردوغان أيضًا إلى إعادة هيكلة إدارة الاقتصاد لتخضع فيه صناعة القرار الاقتصادي لمؤسسة الرئاسة، بالتوازي مع إضعاف بعض المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي. ضغوط اقتصادية: رغم ارتفاع معدل النمو الاقتصادي لمستويات غير مسبوقة بنهاية عام 2017، إلا أن ذلك لم يحل دون تزايد عجز الحساب الجاري واستمرار تدهور سعر صرف الليرة، وهو ما دفع العديد من المؤسسات الدولية إلى التحذير من أن نمو الاقتصاد التركي غير مستدام على ضوء هذه الإشكالات. ووفق معهد الإحصاء التركي، بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2017 نحو 7.4%، أى أكثر من ضعف مستواه البالغ 3.2% في عام 2016. ومع ذلك، تضاعف العجز التجاري في الفترة من يناير إلى إبريل 2018 ليبلغ نحو 27.4 مليار دولار مقابل 17.6 مليار دولار في نفس فترة المقارنة في العام السابق. وعلى مستوى عام 2017، زاد العجز التجاري إلى 76.6 مليار دولار مقابل 65.1 مليار دولار في عام 2016. وبالتوازي مع ذلك، ساهم اتساع عجز الميزان التجاري في تراجع أداء ميزان المدفوعات، وهو ما تسبب في انخفاض العملة وخسارتها أكثر من 20% من قيمتها منذ بداية عام 2018، في الوقت الذي واصل فيه الرئيس أردوغان ضغوطه على البنك المركزي لخفض سعر الفائدة، مؤكدًا، في 15 مايو الماضي، عزمه إحكام سيطرته على السياسة النقدية عقب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. كما زادت مخاطر الدين الخارجي، خاصة مع بلوغها مستوى قياسيًا قدره 453.2 مليار دولار بنهاية عام 2017 ( ما يوازي 53.3% من الناتج المحلي) مقابل 408.195 مليار دولار في عام 2016 (ما يوازي 47.2% من الناتج). ونتيجة لهذه الأوضاع، اتجهت وكالة "موديز" إلى وضع تصنيف تركيا تحت المراقبة بعد أن خفضت تصنيفها، في 8 مارس الماضي، من درجة (Ba1) إلى (Ba2) في مؤشر على عدم نجاح السياسات الاقتصادية في معالجة المشكلات الاقتصادية، وسط توتر العلاقات السياسية مع الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية. مرحلة فارقة: أدى فوز الرئيس أردوغان وحزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى تصاعد المخاوف الدولية من تدهور الأوضاع الاقتصادية للبلاد وخاصة مع تحول تركيا للنظام الرئاسي بدلاً من البرلماني وفق التعديلات الدستورية التي تمت الموافقة عليها في إبريل 2017. ويأتي ذلك رغم تعهد أردوغان في برنامجه الانتخابي بالعمل على تحسين الأداء الاقتصادي ومعالجة المشكلات الرئيسية التي أضرت بالمستوى المعيشي للمواطنين وفي مقدمتها ارتفاع معدل التضخم، وذلك بجانب الاهتمام بقضايا التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية وزيادة نسبة مشاركة النساء في القوة العاملة إلى 49% بنهاية عام 2023، إلى جانب مواصلة تشجيع السوريين المقيمين في تركيا على العودة للمناطق الآمنة بشمال سوريا في مسعى يهدف إلى تقليص حدة الانتقادات الشعبية من مزاحمة السوريين للأتراك في سوق العمل. وبموجب النظام الرئاسي، سوف يتم إلغاء منصب رئيس الوزراء ويُصبح بوسع أردوغان إصدار مراسيم لتشكيل وزارات وإقالة موظفين حكوميين من دون الحاجة إلى موافقة البرلمان. وبالتوازي مع ذلك أيضًا، ستشرف مؤسسة الرئاسة على العديد من الهيئات التي ستشارك في صنع القرار السياسي والاقتصادي. وبحسب تصريحات أردوغان، من المقرر إعادة هيكلة الإدارة الاقتصادية، بحيث يتم تخفيض عدد الوزارات من 26 وزارة إلى 16 وزارة مستقبلاً، كما سيتم إنشاء 9 هيئات تابعة و4 مكاتب أخرى ستكون مهامها اقتراح السياسات في المجالات المختلفة بما فيها السياسات الاقتصادية، وهو ما يعني أن صناعة القرار الاقتصادي ستخضع بشكل رئيسي لسلطة المؤسسة الرئاسية. تداعيات محتملة: أثارت التغييرات المحتملة في شكل وبنية الإدارة السياسية والاقتصادية للبلاد شكوكًا لدى العديد من الأوساط الاقتصادية من إمكانية تحسن الأداء الاقتصادي عقب فوز أردوغان، وذلك على الرغم من ارتفاع الليرة فور إجراء الانتخابات بأكثر من 3% لتصل إلى 4.54 مقابل الدولار. وتدور الشكوك حول أنه ليس هناك مؤشرات قوية تكشف عن اتجاه أردوغان نحو تبني سياسات اقتصادية كلية جديدة من شأنها التخفيف من المشكلات الاقتصادية التي عانى منها الاقتصاد خلال الفترة الماضية، في الوقت الذي توعد فيه الأخير قبل الانتخابات بالسيطرة على الاقتصاد. ويشير ذلك، حسب أحد الاتجاهات، إلى تصاعد اﻟﺿﻐوط ﻋﻟﯽ أداء المؤسسات الاقتصادية، ومن بينها البنك المركزي، وبما قد يجعل أغلبها تحيد عن تطبيق السياسات الاقتصادية السليمة. ومع ذلك، فإن ثمة اتجاهًا آخر يرى أن هذه التغييرات قد تمكن حزب "العدالة والتنمية"، بالتحالف مع الأحزاب الأخرى، من طرح السياسات الاقتصادية الداعمة لمسار التنمية في البلاد. لكن في حقيقة الأمر، لم يتمكن الحزب من الحصول على أغلبية مقاعد البرلمان، حيث حصل، وفق النتائج المعلنة، على أكثر قليلاً من 42% من الأصوات، وهو ما يعني عدم قدرته على تشكيل الحكومة منفردًا، ليعزز من حالة الانقسام حيال السياسات الداخلية والخارجية، وبما ما قد يعمق من تصاعد المخاطر الجيوسياسية في البلاد. وبناءً على ذلك، رهنت وكالة "موديز" قرار تخفيض التصنيف الائتماني السيادي على السياسات التي تنتهجها الحكومة الجديدة التي سيشكلها أردوغان بعد فوزه بالانتخابات، ومدى قدرتها على تطبيق سياسات تعزز النمو المستدام ودعم قوتها المالية. وختامًا، يمكن القول إن آفاق الاقتصاد التركي خلال الفترة المقبلة ستتوقف على مدى اتجاه الحكومة الجديدة نحو تطبيق سياسات اقتصادية يمكن أن تفرض تداعيات إيجابية وتوفر في الوقت نفسه المناخ الملائم للمؤسسات الاقتصادية كافة، بما فيها البنك المركزي، للعمل بحرية من أجل اتخاذ إجراءات سليمة تعزز من الثقة الدولية مجددًا فيه.