تحقيقات وحوارات
مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يرصد تداعيات تصاعد التوتر بين إيران وأوروبا
أكد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، ان العلاقات مع الدول الأوروبية تكتسب في المرحلة الحالية أهمية خاصة بالنسبة لإيران، باعتبار أنها تمثل إحدى المتغيرات الأساسية التي يمكن أن تساعدها في التعامل مع الضغوط التي تفرضها السياسة الأمريكية، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي وإعادة فرض عقوبات على إيران، إلا أن ذلك لم يدفع إيران إلى التراجع عن بعض الآليات المستقرة التي تستند إليها في سياستها الخارجية، والتي تتسبب بصفة مستمرة في توسيع نطاق الخلافات بين الطرفين، وربما تؤدي في النهاية إلى تراجع قدرة طهران على احتواء تداعيات العقوبات الأمريكية التي يقترب موعد تفعيل الحزمة الأقوى منها في 5 نوفمبر القادم.
أزمة محورية:
تصاعدت حدة الأزمة التي فرضها اتهام بعض الدول الأوروبية لإيران بالتورط في محاولة تفجير المؤتمر الذي نظمته قوى المعارضة الإيرانية في مدينة فيلبنت بشمال فرنسا في 30 يونيو 2018، والذي حضرته شخصيات سياسية إقليمية ودولية بارزة. فبعد نحو مرور ثلاثة أشهر على اعتقال شخصين إيرانيين في بلجيكا ودبلوماسي إيراني في ألمانيا (يعمل في السفارة الإيرانية في النمسا) بتهمة المشاركة في تلك المحاولة، فرضت السلطات الفرنسية عقوبات خاصة بتجميد أصول وحدة الأمن الداخلي التابعة لوزارة الاستخبارات الإيرانية وكل من الدبلوماسي الإيراني اسد الله اسدي الذي قامت ألمانيا بتسليمه إلى بلجيكا، ونائب وزير الاستخبارات سعيد هاشمي مقدم.
وتوازى ذلك مع القرار الذي اتخذته السلطات الفرنسية بإغلاق "مركز الزهراء" بتهمة العمل على الترويج للتطرف وتأييد بعض التنظيمات على غرار حركة حماس وحزب الله اللبناني.
مسارات محتملة:
ومن دون شك، فإن هذه الأزمة قد تفرض تداعيات عديدة على موقف إيران من الإجراءات التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة الأخيرة، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تعزيز جهود واشنطن: تُلقى هذه الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكا، الضوء من جديد على السياسة التي تتبناها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه إيران، باعتبار أن أحد أهدافها يرتبط بوقف دعم إيران للإرهاب. وبمعنى آخر، فإن هذه الأزمة سوف تساعد واشنطن على الترويج للإجراءات التي اتخذتها تجاه إيران، التي تتهمها بأنها الراعي الأول للإرهاب في العالم.
ويبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سوف تسعى إلى استثمار تلك الأزمة في إقناع دول عديدة بتبني إجراءات مماثلة تجاه إيران، خاصة أن بعض تلك الدول لم تحدد مواقفها بالفعل من العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران، لا سيما عندما تصل إلى الصادرات النفطية عقب تفعيل الحزمة الثانية منها في 5 نوفمبر القادم.
ومن هنا، يمكن تفسير مسارعة مجلس الأمن القومي الأمريكي، في 2 أكتوبر الجاري، إلى الإشادة بالإجراءات التي اتخذتها السلطات الفرنسية، باعتبار أنها "تمثل ردًا قويًا على الهجوم الإيراني الإرهابي الفاشل في باريس".
واللافت هنا، هو أن هذا الترحيب الأمريكي بالموقف الفرنسي جاء بعد فترة وجيزة من الانتقادات التي وجهتها واشنطن لبعض الدول الأوروبية، بسبب إصرارها على التوصل إلى آليات مالية ومصرفية مشتركة مع إيران لتفادي العقوبات الأمريكية المفروضة عليها.
2- تغيير محتمل في المواقف: قد تدفع الأزمة الجديدة بعض الدول الأوروبية إلى إجراء تغيير في سياستها إزاء العلاقات مع إيران. إذ أن هذه التطورات تطرح دلالة مهمة تتمثل في أن الاتفاق النووي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في 14 يوليو 2015 ورفعت بمقتضاه العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها في 16 يناير 2016، لم يمنع إيران من مواصلة أنشطتها التخريبية الأخرى، على غرار دعم التنظيمات الإرهابية أو مواصلة تطوير برنامجها الصاروخي ومحاولة التمدد داخل بعض دول الأزمات أو انتهاك حقوق الإنسان واستهداف المعارضة.
وهنا، فإن هذا التغيير المحتمل قد يساهم في اقتراب بعض تلك الدول من السياسة الأمريكية، خاصة أن واشنطن بررت انسحابها من الاتفاق النووي بأنه لم يؤد إلى دفع إيران نحو تبني سياسة أكثر اعتدالاً في التعامل مع التطورات الإقليمية والدولية، على نحو ما كانت تطمح إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، التي كانت تعول على أن هذا الاتفاق سوف يعزز مكانة تيار المعتدلين داخل إيران الذي يسعى إلى تحسين العلاقات مع الخارج ودعم فرص إعادة دمج إيران في المنظومة الدولية من جديد.
3- ضغوط متزايدة: ربما تتجه الدول الأوروبية الرئيسية إلى ممارسة مزيد من الضغوط على إيران من أجل عدم استهداف قوى المعارضة الإيرانية، خاصة على الأراضي الأوروبية، وكبح تدخلاتها الإقليمية التي تسببت في تفاقم الأزمات المختلفة، لا سيما الأزمة السورية.
وهنا، فإن اتجاهات عديدة ترى أن تلك الدول قد تحاول استثمار تعويل إيران على استمرار العلاقات الاقتصادية بين الطرفين لمواجهة تداعيات العقوبات الأمريكية كآلية لممارسة ضغوط عليها، من أجل الاستجابة لإجراء مفاوضات جديدة حول الملفات الإقليمية.
وقد اتجهت بعض تلك الدول، في الفترة الأخيرة، إلى التركيز على التداعيات السلبية التي تفرضها أدوار إيران التخريبية في المنطقة. ففضلاً عن أن المستشارة الألمانية انجيلا ميركل أكدت، في 27 أبريل 2018، على أن "الاتفاق النووي لم يعد كافيًا"، في إشارة إلى ضرورة توسيع نطاقه أو إجراء مفاوضات جديدة للوصول إلى اتفاق مختلف يشمل الملفات الأخرى ذات الاهتمام المشترك، فإنها أكدت خلال زيارتها لإسرائيل، في 4 أكتوبر الجاري، على أنها "لا تريد رؤية أى وجود لإيران في سوريا".
4- التواصل مع روسيا: رغم الخلافات العالقة بين الطرفين، قد تحاول بعض الدول الأوروبية فتح قنوات تواصل مع روسيا من أجل الوصول إلى تفاهمات تتعلق بالعمل على تهيأة المجال أمام إخراج إيران من سوريا، في ظل النفوذ البارز الذي تمتلكه روسيا التي تحولت إلى الطرف الرئيسي الذي لديه القدرة على توجيه مسارات الترتيبات السياسية والميدانية في سوريا.
ويبدو أن تلك الدول تدرك أن ثمة خلافات لا تبدو هينة بين إيران وروسيا في سوريا، تتعلق بتلك الترتيبات وموقع النظام السوري وفصائل المعارضة منها فضلاً عن شكل نظام الحكم في سوريا في مرحلة ما بعد الوصول إلى تسوية للأزمة، وهو ما قد تحاول استثماره بهدف تعزيز فرص إخراج إيران من سوريا.
متغيرات قائمة:
مع ذلك، لا يمكن القول إن الدول الأوروبية تتجه إلى التخلي عن الاتفاق النووي في المرحلة الحالية، خاصة أنها ترى أن البديل عن ذلك قد يكون الخيار العسكري الذي ترى أن ارتداداته سوف تصل إلى حدودها بشكل سريع، على نحو ما هو قائم حاليًا من استمرار موجات اللاجئين والمهاجرين وارتكاب عمليات إرهابية على أراضيها. لكنها قد تحاول استخدامه كورقة ضغط لدفع إيران إلى التوقف عن أنشطتها الاستفزازية، على غرار استهداف رموز المعارضة الإيرانية وتطوير البرنامج الصاروخي.
فضلاً عن ذلك، لا تتوافر مؤشرات، حتى الآن، توحي بأن إيران قد تستجيب لتلك الضغوط المحتملة التي قد تمارسها الدول الأوروبية. بل إنها قد تتعمد التمسك بسياستها خلال المرحلة القادمة، كرسالة بأنها لن تقدم تنازلات في المدى القريب على الأقل، وهى آلية ربما تحاول استغلالها استعدادًا للاستحقاقات المؤجلة التي قد تنتجها العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، على نحو سوف يفرض مزيدًا من التوتر في علاقاتها مع الدول الغربية بشكل عام.