بأقلامهم
د تركي الحمد يكتب: الانسحاب الأمريكي وتسليم أفغانستان على طبق من ذهب لطالبان
الانسحاب الأمريكي العاجل من أفغانستان ، وتسليم الدولة الأفغانية على طبق من ذهب لطالبان ، أمر يثير الكثير من التساؤلات ، مليارات الدولارات التي أنفقت هناك ، والتبشير المحموم " بالديموقراطية " ومحاولة بنائها في أفغانستان خلال عشرين عاما ، كل ذلك ينهار بين عشية وضحاها ؟ هنالك غموض في الأمر .
هل هنالك تحالف خفي ، بعيداً عن حكاية الدوحة ، بين الإدارة الاميركية الحالية وحركة طالبان ؟ لا ندري ، فـ للسياسة دهاليزها وسراديبها المظلمة التي لا نعرف عنها شيئاً ، فطالبان حركة سياسية تسعى للسلطة ، كل السلطة في أفغانستان ، ورغم الايديولوجيا الإسلاموية المتطرفة ، فإنه لا مانع لدى قادة الحركة من ممارسة السياسة بكل ألاعيبها وطرقاتها المتعرجة ، بل وحتى قذاراتها ، للوصول إلى الهدف المنشود ، أما الايديولوجيا فهي متروكة للأتباع ، وليس من الضروري أن يلتزم بها القادة حرفياً ، اذا ما اقتضت المصلحة ذلك .
وطالبان اليوم غير طالبان الأمس ، فقد اكتسبت خبرة وتجربة في العمل السياسي ، تجعلها مختلفة عن أيام الملا عمر ، الذي كان يرى العالم بعين عقائدية واحدة المهم ، وعود على بدء ، من الجلي أن هنالك صفقة خفية ، غير المعلن عنها ، ما بين طالبان وبين إدارة جو بايدن ، تكفل مصلحة الطرفين المصلحة الطالبيناية واضحة وبسيطة ، ألا وهي التفرد بالسلطة في كابل ، وعدم تحرش أميركا بها .
ولكن ما هي المصلحة الأميركية في التخلي العاجل عن حلفاءها في أفغانستان ؟ وفي تقديري المتواضع ، فإن أميركا تضرب عدة عصافير بحجر واحد في هذه الصفقة منها مثلاً ، تعهد طالباني بعدم رعاية واستضافة حركات وتنظيمات مناوئة لأميركا مستقبلاً ، ومنها أن تكون الدولة الإسلاموية الأفغانية ، ورقة ضغط على إيران ، التي يبدو أنها خرجت عن الدور المرسوم لها استراتيجياً ، وخرجت عن السيطرة ، ولذلك لا بد من وجود تنظيم مسلح بجوارها ، لخلق نوع من التوازن بين أقوى فصيلين إسلامويين مسلحين للسنة والشيعة .
ولا اتفق مع من يرى أن تحالفاً سينشأ بين إيران الملالي وأفغانستان طالبان ومنها إشغال روسيا والصين ، والصين خاصة ، بوجود قوة وميليشيا عسكرية مؤدلجة قريبة منها ، لن تهدد وجودها بالطبع ، ولكنها ستلهيها عن التفرغ التام للصراع مع أميركا ولو إلى حين .
أخيراً ، شبه البعض دخول طالبان إلى كابل ، بدخول قوات " الفيتكونغ " الفيتنامية إلى سايغون ( مدينة هوشي منه ) ، ولكن شتان بين الدخولين ، فأحدهما نصر عسكري مبين ( الفيتكونغ )، والآخر أي طالبان ، نتيجة اتفاقيات واتفاقات ، منها ما هو معلن ، كرأس جبل الجليد ، وأكثرها غير معلن، كبقية جبل الجليد في أعماق المحيط ، هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
كاتب المقال : استاذ العلوم السياسية بجامعة آل سعود بـ الرياض