اهم الاخبار
الإثنين 18 نوفمبر 2024
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

تحقيقات وحوارات

رسائل طمأنة لحلفاء واشنطن.. ومغزى التحركات الأمريكية الجديدة في المنطقة

تقليص الوجود العسكري لأمريكا في مناطق الأزمات يثير قلق الحلفاء.. وإدارة بايدن اتخذت إجراءات تزيل المخاوف

الرئيس الأمريكي جون
الرئيس الأمريكي جون بايدن

وّجهـت الخطـوات التـي اتخذتهـا الولايـات المتحـدة الأمريكيـة إزاء العديد من الملفـات الرئيسـية علـى السـاحتين الإقليميـة والدوليـة خـلال الفتـرة الأخيـرة رسـائل متتاليـة أثـارت قلقـاً واضحـاً لـدى بعـض الأطـراف الحليفـة لهـا فـي المنطقـة، لاسـيما بعـد أن توقعـت اتجاهـات مختلفـة أن تكـون المنطقـة هـى الخيـار التالـي لإدارة الرئيـس جـو بايـدن لسـحب القـوات الأمريكيـة منهـا، وتقليـص مسـاحة الانخـراط فـي أزماتهـا، وخاصـة بعـد النجـاح الـذي حققتـه واشـنطن- بدعـم مـن حلفائهـا- فـي الحـرب ضـد تنظيـم "داعـش"، وتحـول التركيـز الأمريكـي للتعامـل مـع القضايـا الداخليـة، والتهديـد الـذي تفرضـه روسـيا والصيـن علـى المصالـح والأمـن القومـي الأمريكـي.

واكد التحليل الاستراتيجي لـ مركز العالم العربي للابحاث والدراسات المتقدمة انه بدا أن إدارة الرئيـس الأمريكـي جـو بايـدن تـدرك طبيعـة هـذه المخاوف، علـى نحـو دفعهـا خلال الفتـرة الأخيـرة إلـى محاولـة اسـتيعابها، سـواء مـن خلال اتخاذ اجراءات تنفيذية علي الأرض مناقضة الترجيحات التي تشير  إلـى احتمـال الانسـحاب الأمريكـي مـن المنطقـة، أو عبـر العمل علـى مواصلة التنسيق والتعـاون مـع القـوى الحليفة فـي المنطقة.

- مؤشرات مختلفة

فـرض الانسـحاب الأمريكـي مـن أفغانسـتان معطيـات جديـدة علـى الأرض، لـم تنحصـر فقـط فـي التطـورات الميدانيـة التي طـرأت علـى السـاحة الأفغانيةً لاسـيما مـا يتعلـق بسـيطرة حركـة "طالبان" علـى السـلطة، وإنما امتـدت أيضا إلـى مناطـق وأقاليـم أخـرى حرصـت القـوى الرئيسـية فيها على متابعـة وتقييم تداعيات مـا حـدث علـى أمنهـا ومصالحها .
ومن هنـا، بـدأت الإدارة الأمريكيـة فـي التحـرك بهـدف طمأنـة الحلفـاء مـن أن مـا حـدث لا يعنـي تراجـع واشـنطن عـن التزاماتهـا، وأنهـا مـا زالـت معنيـة بمواجهـة التحديـات التـي تتعـرض لهـا مصالحهـا ومصالـح حلفائها فـي المنطقة. وقـد بدا ذلـك جليـاً خلال الفتـرة الأخيـرة فـي مؤشـرات عديـدة يتمثـل أبرزهـا فـي:

-  الالتزام بالانخراط في تفاعلات المنطقة

وقد انعكـس ذلـك فـي التصريحـات التـي أدلـى بهـا جـوى هود مسـاعد وزيـر الخارجيـة الأمريكـي بالإنابـة لشـئون الشـرق الأدنـى، خـال الحـوار الـذي أجرتـه معـه صحيفـة "الشـرق الأوسـط"، فـي 7 سـبتمبر الجـاري، حيـث قـال فـي هـذا السـياق: "التزامنا تجـاه المنطقة طويـل الأمد وعميـق. التزاماتنـا الأمنية واضحة وقويـة"، مضيفـاً أن "موقـف الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي كثيـر مـن قضايـا المنطقـة العربية يسـتند فـي المقـام الأول إلى مصالحها ودعـم الشـركاء والحلفاء".


- نشر قـوة عسكرية جديدة لردع ايران

في الوقت الـذي تتحـدث فيـه تقاريـر أمريكيـة عـن إعـادة انتشـار القـوات الأمريكيـة الموجـودة علـى أراضـي عـدد مـن الـدول العربيـة، وتوجيههـا إلـى آسـيا، فـي إطـار الاسـتراتيجية الأمريكيـة لمواجهـة الصعـود الصينـي، وسـحب الولايـات المتحـدة الأمريكيـة منظومـات دفـاع مـن بعـض المناطـق، أعلـن الأسـطول الخامـس الأمريكـي، فـي 8 سـبتمبر الجـاري، إطـاق واشـنطن قـوة جديـدة فـي المنطقـة تضـم طائـرات مـن دون طيـار محمولـة جـواً وبحـراً وتحـت المـاء، وغيرهـا مـن الوسـائل التـي لا تحتـاج إلى عنصـر بشـري، والتي يمكن التحكـم فيها عن ُبعـد، مشـيراً إلـى أن ذلـك يهـدف إلـى ردع إيـران وسـط تصاعـد حـدة التوتـرات معهـا، ولاسـيما بعـد الاتهامات التـي وجهت لهـا بالوقـوف وراء هجـوم بطائـرات مـن دون طيـار علـى نقالـة نفـط مرتبطـة بإسـرائيل فـي ٢٩ يوليـو الماضـي، بالتـوازي مـع تعثـر المفاوضـات التـي تجـري بيـن إيـران ومجموعـة "4+1"- والتـي تشـارك فيهـا الولايـات المتحـدة الأمريكية بشـكل غيـر مباشـر- فـي العاصمـة النمسـاوية فيينا بشـأن إحياء الاتفـاق النووي لعـام ٢٠1٥، والذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة فـي 8 مايـو ٢٠18، علـى نحـو دفـع إيـران إلـى تخفيـض مسـتوى التزاماتهـا فيـه.

-  التوافق مـع إسـرائيل حول مفاوضات فيينا

أبدى الرئيـس الأمريكـي جـو بايـدن، خـال لقائـه الأول برئيـس الـوزراء الإسـرائيلي نفتالـي بينيـت فـي البيـت الأبيـض فـي ٢7 أغسـطس الفائـت، توافقـاً نسـبياً مـع الرؤيـة الإسـرائيلية التي تتبنـى تحفظـات علـى إدارة المفاوضـات مـع إيـران فـي فيينـا، مشـيراً إلـى أن إدارتـه مسـتعدة لاعتمـاد "خيـارات أخـرى" إذا فشـلت الدبلوماسـية فـي كبـح الطموحـات النوويـة الإيرانيـة. وقـد أشـار بيـان للبيـت الأبيـض فـي أعقـاب اللقـاء بيـن بايدن وبينيـت إلـى أنهمـا اسـتعرضا الخطـوات الازمـة لـردع واحتـواء سـلوك إيـران الإقليمـي واتفقـا علـى الالتـزام بالعمل بشـكل بنـاء وتعميـق التعـاون لمعالجـة جميـع جوانـب أمـن إسـرائيل ضـد إيـران والتهديـدات الأخـرى. وكان لافتـاً أن واشـنطن حرصـت علـى ضـم دًان شـابيرو سـفيرها الأسـبق لـدى تـل أبيـب إلـى فريـق المبعـوث الأمريكـي لإيـران روبـرت مالـي، حيـث سـيكون مسـئولا عـن الاتصـالات مـع إسـرائيل، فـي إشـارة إلـى سـعيها لاسـتيعاب مخـاوف الأخيـرة إزاء المعطيات التي يمكـن أن تنتجهـا أى صفقـة محتملـة مـع إيـران فـي فيينـا.


- فرض العقوبات على طهران

بعد أن بـدأت الإدارة الأمريكيـة تـدرك أن محاولاتهـا تخفيـف العقوبـات المفروضـة علـى إيـران لـن تدفـع الأخيـرة إلـى إبـداء مرونـة أكبـر فـي المفاوضات يمكن أن تسـاعد فـي الوصـول إلى صفقة جديـدة فـي فيينـا، بـدأت فـي رفـع مسـتوى هـذه العقوبـات مجـدداً، حيـث أعلنـت وزارة الخزانـة الأمريكيـة، فـي 3 سـبتمبر الجـاري، فـرض عقوبـات علـى شـبكة اسـتخبارات إيرانيـة متورطـة فـي عمليات ماحقـة لمعارضيـن إيرانيين فـي الخارج، ومنها محاولـة خطـف الناشـطة الأمريكيـة مـن أصـل إيـران مسـيح علـي نجـاد.

- زيارات متعددة لـ الأمريكيين للمنطقة

شهدت الفتـرة التي تلت الانسـحاب الأمريكـي من أفغانسـتان زيارات متعـدد لوزيـرى الخارجيـة، أنتونـي بلينكـن، والدفـاع، لويـد أوسـتين، لعـدد مـن حلفـاء واشـنطن فـي المنطقـة، بالتـوازي مـع إجـراء اتصـالات بيـن المسـئولين الأمريكييـن ونظرائهـم فـي المنطقـة، لتعزيـز الشـراكات الدفاعيـة بيـن الولايـات المتحـدة
الأمريكيـة وحلفائهـا، والتأكيـد علـى الالتـزام الأمريكـي بأمـن واسـتقرار المنطقـة، وبحـث التهديدات المشـتركة.


- استمرار الوجود العسكري الامريكي في سوريا

بينما حرصـت إدارة الرئيـس جـو بايـدن علـى سـحب القوات الأمريكيـة مـن أفغانسـتان والتحـول إلـى دور استشاري فـي العـراق بعد سـحب القـوات الأمريكية منهـا بنهاية العـام الجاري، لم تشهد العمليات العسكرية الأمريكيـة فـي سـوريا أى تغييـرات، مـع توقـع مسـئولين أمريكييـن بقـاء مـا يقـرب مـن ٩٠٠ جنـدي فـي سـوريا لمواصلـة الدعم وتقديم الاستشارات لميليشيا "قـوات سـوريا الديمقراطيـة" (قسـد) التـي تقاتـل تنظيم داعش الارهابي.

وقد كان لافتـاً أن الإبقـاء علـى الوجـود الأمريكـي فـي سـوريا كان محـور اتصـالات بيـن واشـنطن وقـادة ميليشـيا "قسـد" في الفتـرة الأخيـرة، حيـث أشـارت إلهـام أحمـد الرئيسـة التنفيذيـة لـ"مجلـس سـوريا الديمقراطيـة"، فـي 4 سـبتمبر الجـاري، إلـى أنهـا أبلغـت مساعد وزيـر الخارجيـة الأمريكـي بالإنابـة لشـئون الشـرق الأدنـى جـوى هـود، بـأن "بقـاء القـوات الامريكية يمثل ضمانـة أساسـية للوصـول إلـى تفاهمات سياسية .

إن مـا سبق ووفق التحليل الاستراتيجي الصادر عن مركز العالم العربي للابحاث والدراسات المتقدمة فان الامر في مجمله يطـرح دلالـة مهمـة تتمثـل فـي أن استنساخ "النمـوذج" الأفغانـي فـي المنطقـة، لاسـيما فـي دول الأزمـات، يواجـه إشـكاليات عديـدة. ففضلا عـن أن ذلـك يمكـن أن يزيـد مـن مخاطـر اتسـاع نطـاق نشـاط التنظيمـات الإرهابيـة، فإنـه سـيوفر فرصـة لخصـوم واشـنطن للتحـرك مـن أجل ملء الفراغ الناتج عـن أى خطوة قد تتخذهـا الأخيرة في هذا الصدد .