تحقيقات وحوارات
الحصاد مر..تكلفة الحرب الأمريكية في أفغانستان والعراق تجاوزت الـ5,8 تريليون دولار
- التجارب أثبتت فشل الإدارات الأمريكية المتعاقبة.. لم تنجح قي محاربة الإرهاب أو إرساء الديمقراطية.. الفاتورة باهظة
يطــرح اقتــراب موعــد الذكــرى العشــرين لأحــداث ١١ ســبتمبر ٢٠٠١ الإرهابيـة، والتـي علـى إثرهـا قـادت الولايات المتحدة الأمريكية حرباً ضـد تنظيـم "القاعدة" في أفغانستان (اكتوبر ٢٠٠١)، انتهت بانسحاب القوات الأمريكيـة منهـا بعـد عقديـن فـي ٣١ أغسـطس الفائت، تسـاؤلات عديـدة حـول مـدى نجـاح الجهـود الأمريكية لمكافحة الارهاب وتحقيق الاستقرار والامن في المنطقة، بعـد عقديـن مـن العمليـات العسـكرية تحـت القيـادة الأمريكيـة المباشـرة (أفغانسـتان ٢٠٠١، والعـراق ٢٠٠٣) أو تحـت قيـادة حلـف الناتـو (ليبيـا ٢٠١١).
تكلفة مرتفعة
لـم تقـدم الإدارات الأمريكيـة المتعاقبـة، منـذ بدايـة الحـرب الأمريكيـة العالميـة علـى الإرهـاب، تقديـرات رسـمية لتكاليـف الحـروب الأمريكية "الأبديـة" التي خاضتهـا الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي أعقـاب أحداث 11 سـبتمبر للقضاء علـى التنظيمـات الإرهابيـة ، لكن التقديرات الأمريكية - غير الرسـمية والبحثية تشـير إلى أن خسـائرها المالية والبشـرية فاقت ما توقعه مهندسوها ، فقد بلغ إجمالـي العمليـات العسـكرية في أفغانسـتان والعـراق حوالي ٢ تريليـون دولار كنفقـات مباشرة ، وقد تصـل تكلفتهـا إلـى الضعـف (٤ تريليـون دولار) عنـد إضافـة النفقـات علـى المحاربيـن القدامـى والناجيـن مـن الحربيـن، والتكاليـف غيـر المباشـرة الأخرى ، وتقـدر تلـك التقديـرات أن التكلفـة البشـرية للحربيـن تشـمل مقتـل مـا يقـدر بسـبعة آلاف أمريكي بالبلديـن، بجانب مئـات الآلاف من القتلـى والجرحـى مـن العراقييـن والأفغان .
الفاتورة باهظة
وتصـل تكلفـة الحـرب الأمريكيـة فـي أفغانسـتان والعـراق وكذلـك الصراعـات الناجمة عن هجمـات سـبتمبر الإرهابية خلال عقديـن إلـى ٥,٨ تريليـون دولار وفـق دراسـة لباحثيـن مـن جامعـة بـراون الأمريكيـة. ويشـمل هـذا المبلـغ الإنفـاق المباشـر وغيـر المباشـر علـى المعدات العسـكرية، والأمـن الداخلـي الأمريكـي، وغيرها ، ومن الجدير بالذكـر أن الرئيـس الأمريكي جـو بايدن قـد أشـار إلـى إحصـاءات الجامعـة عـن تكلفـة الحـرب الأمريكيـة علـى افغانستان لتبرير قراره بانسحاب القوات الأمريكيـة مـن الأخيـرة رغـم معارضـة الكثيريـن داخـل واشـنطن وخارجها ، وقد أشـارت الدراسـة إلـى أن الصراعات في العـراق وسـوريا كلّفـت الولايات المتحدة الامريكية تريليوني دولار أخرى ، وكلفت عمليات مكافحة الإرهـاب الأخرى فـي أماكـن مثـل الصومال وأجـزاء أخـرى مـن إفريقيـا حوالـي ٣٥٥ مليـار دولار .
إخفاقات متعددة
لـم تنجح الاستراتيجيات التي تبنتها الإدارات الجمهوريـة والديمقراطيـة المتعاقبـة خـلال العقديـن الماضييـن في إحـداث التغييـرات التـي كانـت تخطـط لهـا واشـنطن لمنـع إنتـاج وانتشـار الإرهـاب بالمنطقـة، ولكنهـا زادت مـن حـدة الأزمـات والصراعـات الكائنـة، على نحو فـرض تهديدات مباشرة لامن واستقرار دول المنطقـة ومصالح واشـنطن وحلفائها ، وتتمثل أبـرز تلـك الإخفاقـات فيمـا يلي :
استمرار نشـاط التنظيمـات الإرهابيـة
فشـلت الحـرب الأمريكيـة العالميـة علـى الإرهـاب فـي القضـاء علـى التنظيمـات الإرهابيـة التـي تنشـط فـي المنطقـة، فقـد أخفقـت فـي القضـاء علـى تنظيـم "القاعـدة" الذي خطـط لأحـداث سـبتمبر الإرهابية نهائيـاً رغـم تريليونـات الـدولارات التـي أنفقـت خـلال عقدين على العمليات العسـكرية ضد مناطـق انتشـاره وتمركزه، حيث لا يـزال نشـطاً فـي المنطقـة، واسـتقطب دعـم العديـد مـن التنظيمـات الإرهابيـة التـي تديـن بالـولاء الفكـري والتنظيمـي لـه، علـى غـرار حركـة "شـباب المجاهديـن" فـي الصومـال، وتتظيـم "القاعـدة فـي بـلاد المغـرب الإسـلامي".
وعلـى الرغـم مـن نجـاح الجهـود الدوليـة بقيـادة الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي القضـاء علـى المشـروع الـذي تبنـاه تنظيـم "داعـش" الـذي بـدأ فـي اجتيـاح مناطـق واسـعة مـن العـراق وسـوريا فـي منتصـف عـام ٢01٤، إلا أنـه لا يـزال يمتلـك مناطـق نفـوذ وسـيطرة علـى الأراضـي فـي بعـض دول الأزمـات، وتتبعـه أيضـاً العديـد مـن التنظيمـات المتطرفة التـي تدين بالـولاء لـه، وتنفـذ عمليـات إرهابيـة باسـمه ، ويأتـي ذلـك متسـقاً مـع التقديـرات الأمريكيـة – الرسـمية وغيـر الرسـمية – التـي تكشـف عـن أن عـدد الهجمـات الإرهابيـة وضحاياهـا حـول العالـم ارتفـع بصـورة كبيـرة عمـا كانـت عليـه قبـل أحـداث سـبتمبر الإرهابيـة. وقـد أشـار بعضهـا إلـى ارتفـاع العـدد مـن ثـلاث إلـى خمـس مـرات سـنوياً ممـا كان عليـه الحـال فـي عـام ٢001.
تراجع ثقـة الحلفاء الاقليميين
أدت السياسـات الأمريكيـة التـي اتبعتهـا إدارتـا الرئيسـين بـاراك أوباما ودونالـد ترامب، فيمـا يتعلـق بتقليـص الانخـراط الأمريكـي فـي المنطقـة، فضـلاً عـن قـرار إدارة الرئيـس بايـدن بالانسـحاب الامريكي مـن افغانستان بعد عقدين من حرب مكلفة بشرياً ومالياً بها وما ترتب عليه من فوضي الي اهتزاز ثقة حلفاء الولايات المتحدة الأمريكيـة بالمنطقـة فـي قدرتهـا عـن الوفـاء بالتزاماتهـا الأمنية تجاههـم. وتزايـد اقتناعهم باحتمالات تخلي واشـنطن عنهـم فـي وقـت يتصاعـد الحديـث داخـل الأوسـاط الأمريكيـة عـن تراجـع أهميـة المنطقـة بالنسـبة للمصالـح والأمـن القومي الأمريكـي، وضـرورة إعـادة انتشـار القـوات الأمريكيـة المتواجـدة بالمنطقة، وتوجيههـا لمواجهة النفوذين الروسـي والصيني اللذيـن يهـددان المكانة والنفـوذ الأمريكـي عالمياً.
تعزيز نفوذ القوى الاقليمية والدولية
اسـتغلت قـوى إقليميـة ودوليـة منافسـة للولايـات المتحـدة الأمريكيـة الإخفاقـات الأمريكيـة فـي المنطقـة، والتخطيـط لتقليـل الانخـراط الأمريكـي، لتعزيـز نفوذهـا. فعلـى سـبيل المثـال، سـعت إيـران إلـى اسـتغلال حالـة الفوضـى الإقليميـة نتيجـة السياسـات الأمريكيـة فـي أعقـاب أحـداث سـبتمبر الإرهابيـة، والاسـتناد بصـورة رئيسـية إلـى الخيـار العسـكري للتعامـل مـع أزمـات دول المنطقـة، مـن أجـل تعزيـز نفوذهـا فـي أربـع دول عربيـة (العـراق واليمـن وسـوريا ولبنـان)، وأن يكـون لهـا ميليشـيات مًسـلحة تؤثـر علـى مسـتقبل التسـوية والحـل السياسـي لأزمـات تلـك الـدول، وكذلـك علـى عمليـة صنـع القـرار فيهـا، فضـلا عن طموحهـا النـووي وبرنامجهـا للصواريخ الباليسـتية الذي يسـاهم فـي تعزيـز دورهـا الإقليمـي.
وتحاول روسـيا بدورهـا توسـيع نطـاق نفوذها العسكري والدبلوماسـي فـي دول الصراعـات بالمنطقـة، علـى غرار سـوريا وليبيـا، عبـر تقديـم نمـوذج مغايـر للنظـام الدولـي الراهـن الـذي تقـوده الولايـات المتحـدة الأمريكيـة. وتسـعى الصيـن مـن جانبهـا – أيضـاً - إلـى تعزيـز نفوذهـا الاقتصـادي بالمنطقـة، ليكـون أحـد أدوات الضغـط علـى الولايـات المتحـدة الأمريكيـة
فـي سـياق التنافـس المتصاعـد بينهما.
فشـل عمليـة بنـاء الدول
انطلقت الحـرب الأمريكيـة علـى الإرهـاب من فرضية رئيسـية مفادهـا أن غيـاب الديمقراطية يمثـل أحـد مصـادر انتشـار الإرهـاب العالمـي الـذي وصـل إلـى الولايـات المتحـدة الأمريكيـة فـي 11 سـبتمبر ٢001. ولكـن بعـد عقديـن مـن الحـرب فـي أفغانسـتان والعـراق، والتدخـل العسـكري الأمريكـي فـي عديـد مـن صراعـات وأزمـات المنطقـة، فشـلت الإدارات الأمريكيـة المتعاقبـة فـي نشـر الديمقراطيـة بالقـوة لاسـتئصال الإرهـاب، أو بنـاء دول وفـق النمـط الغربـي. ولكنهـا فـي المقابـل، زادت مـن أتـون الحـروب الأهليـة، والنزاعـات الإثنيـة والعرقيـة داخـل الـدول التـي تدخلـت فيها عسكرياً وحولتها من دول مستقرة لديها سلطة مركزية تسيطر علي اراضيها الي دول فاشلة لا تستطيع فرض سيطرتها علـى أقاليمهـا، بـل أصبحـت مـلاذاً آمنـاً للتنظيمـات الإرهابيـة التـي لـم يقتصـر تأثيرها علـى دول المنطقـة، ولكنه هـدد أمـن واشـنطن وحلفاءهـا حـول العالـم.
فـي النهاية ووفق تقرير التحليل الاستراتيجي الصادر عن مركز العالم العربي للابحاث والدراسات المتقدمة فأنه وعلى الرغـم مـن بعـض النجاحات التـي حققتها الاستراتيجية الامريكية لمكافحة الارهاب بعـد احداث 11 سـبتمبر خـلال عقديـن، إلا أنهـا تسـببت فـي العديـد مـن الأزمـات التـي ما زالـت تفـرض تداعيات سـلبية على أمن واسـتقرار دول المنطقة حتـى الآن.