الفن
فيلم Spiderhead..فرصة ضائعة لتقديم عمل سينمائي مبهر
تم طرح الفيلم الأمريكي " Spiderhead " بطولة كريس هيمسورث و مايلز تيلر و جورني سمولت منذ ما يقرب الأسبوعين على منصة نتفليكس، و حقق الفيلم مشاهدات عالية منذ عرضه بتاريخ 17 يونيو 2022، خاصة في ظل انتظار كبير و شغف كبير من الجمهور في الولايات المتحدة و معظم دول العالم لمشاهدة الفيلم المأخوذ عن قصة قصيرة من مجموعة قصص قصيرة حطمت الارقام القياسية في الأعلى مبيعاً داخل الولايات المتحدة.
فيلم Spiderhead :
القصة القصيرة كانت رائعة و مبهرة، خاصة بأسلوب سردها المميز و فكرتها الجديدة و الأصلية، و لكنها كانت من الأفضل أن تظل بين طيات صفحات الكتب، فانتقالها للسينما لم يضف لجمالها شيئاً، وليس كل فكرة يمكن اقتباسها ، خاصةً في ظل التنفيذ السيء للفكرة و عدم الاستغلال الأمثل لها.
فمشكلة الفيلم الحقيقية أنه ظل متمسكاً بحبكة القصة القصيرة من حيث قلة المواقف الدرامية و قلة الاحداث، و هذا لا يتناسب أبداً مع العرض على الشاشة، فالعرض على الشاشة يحتاج لتفاصيل أكثر و حبكة أكثر تعقيداً و تنقل في الاماكن.
ربما يكون هذا الفيلم ليس قوياً و ربما لم يتم تنفيذه بالطريقة الصحيحة، حيث كان خالياً من الأحداث و التطورات، و العقد الدرامية فكل شيء كان غاية في السهولة ، فبمجرد أن يكتشف "جيف" حقيقة هذه العقاقير ينفذ خطة ساذجة جداً للقضاء على المنظمة و الهروب إلى الخارج، و التخلص من ستيف، فمبجرد وصول الأحداث للذروة تنفرج العقدة بمنتهى البساطة، فكل شيء ينكشف بسهولة و ينتهي بسهولة و عن طريق الحوار المباشر جداً، رغم وجود معظلة أخلاقية شديدة التعقيد و كانت تحتاج إلى تجسيد من خلال قصة قوية يظهر فيها تعارض الهدف من العقار مع حقيقة أثاره الجانبية البشعة.
فيلم Spiderhead :
فالصيدلي المجنون يظن أنه بذلك يستطيع القضاء على الجريمة بجعل الجميع خاضعين للقوانين، في حين أن عقاقير الطاعة العمياء التي يحاول نشرها في العالم، قد تتسبب في انتشار الجريمة أكثر و أكثر، فالعقار يجعل الانسان مطيعاً للأوامر دون تفكير، لكنه لا يجعله طيباً ، و ليست كل الأوامر من شأنها اصلاح المجتمع، فهناك من يأمر بالشر و الفساد و التدمير و الخراب و إذا لم يُحَكم الانسان ضميره و انصاع خلف الأوامر دون تفكير فسيزداد العالم سوءً.
و هنا تكمن المعضلة الاخلاقية التي لم يحسن الكاتب و المخرج استغلالها، و اكتفى بعرض الفكرة و استعراض أثار العقار الجانبية عن طريق الحوار فقط بدون تجسيد المعضلة في حدث كارثي يعقد الأمور، و يخلق الحبكة الدرامية.
و لكن رغم ذلك قدم جميع الأبطال أداء ممتاز للقصة، خاصةً كريس هيمسورث الذي يتخلى عن شخصية ثور التي أخذت من مسيرته الفنية الكثير و ظلمت موهبته الكبيرة، حيث تألق في دور الصيدلي العبقري المجنون الذي يبدو هادئاً مثقفاً و متفهماً و متواضعاً في البداية، إلا أنه يظهر خبثه و شره و نفاقه حتى جنونه في النهاية، بالتدريج الذي يجعلك تتفاجيء بشخصيته بالفعل إن لم تكن من قارئي القصة القصيرة أو لديك فكرة مسبقة عن قصة الفيلم.
فيلم Spiderhead :
فربما لم ينصفه السيناريو و لم يعطه المساحة الكافية لاخراج كل انفعالات الشخصية، فكان من المفترض تجسيد مشاهد انعطفات الشخصية من طفل يعيش في دار رعاية و تخلي والده عنه، لشاب قرر أن يكون ناجحاً، ثم يفقده النجاح و التعمق في العلم عقله ليتحول إلى صيدلي مجنون و ثري، يحاول الانتقام من البشر لما حدث له، ظناً منه أنه بذلك سيحقق العدالة، كما اغفل السيناريو نقطة توضيح كيف حقق ستيف هذا الثراء الفاحش لدرجة ان يملك منظمة بهذا الحجم بعد أن كان طفلاً يعيش في دار رعاية، فتلك الشخصية كان يمكن اخراج قصص و روايات منها، لأنها شخصية دسمة مليئة بالتفاصيل.
إلا ان كريس هيمسورث و من خلال جمل قصيرة اتقن أدائها استطاع أن يظهر جوهر الشخصية و دوافعها و سبب الخلل النفسي الذي يمر به و حتى سبب قيامه بهذا المشروع من الاساس.
كذلك كانت شخصية مايلز تيلر مكتوبة باحتراف شديد و تاريخ الشخصية و مبراتها و دوافعها كانت جيدة، و أدى مايلز تيلر أفضل أداء لها، خاصةً و أن السيناريو أعطى تلك الشخصية حقها و اظهر تاريخها و ماضيها و صراعها النفسي.
في النهاية الفيلم جيد و لكن ينقصه الانتاج السخي الذي اهدر ببخله فرصة تقديم عمل سينمائي مبهر ذو قصة و حبكة مميزة بفكرة جديدة أصلية و غير مقتبسة من عمل أجنبي أو معادة الانتاج، ليبدو الفيلم و كأنه عمل مسرحي محدود الأماكن و المواقف و الشخصيات، وأتمنى اعادة انتاج هذا الفيلم بحبكة أكثر قوة و احكاماً.