أخبار عاجلة
نص كلمة رئيس مجلس الشيوخ أمام مؤتمر مجالس الشورى فى إندونسيا
واصل المستشار عبدالوهاب عبدالرازق رئيس مجلس الشيوخ مع الوفد المرافق له الذى يضم المستشار محمود عتمان أمين عام المجلس مشاركته فى فعاليات مؤتمر مجالس الشورى و المجالس المشابهة فى العالم الإسلامي المنعقد فى مدينة باندونج الاندونيسية من ٢٤ إلى ٢٦ من أكتوبر الحالى
حيث ألقى كلمة أمام أعضاء المؤتمر جاء نصها :
معالي السيد /بامبانج سوساتيو
رئيس المجلس الاستشاري الشعبي بجمهورية إندونيسيا
السيدات والسادة الحضور الكريم؛
في البدايةِ؛ أُعربُ لسيادتكم وللمجلسِ الاستشاريِّ الشعبيِّ بجمهوريةِ إندونيسيا عن امتنانِي لدعوتِكُم الكريمةِ لحضورِ هذا المنتدى الدوليِّ الهام، المُنعقدِ على أرضِ بلدٍ إسلاميٍّ شقيقٍ، جمعتنا به علاقاتُ أُخُوَةٍ ضاربةٍ بجذورِها في أعماق التاريخ، وفي مدينةِ باندونج التاريخيةِ، التي شهدت انعقادَ المؤتمرِ الآسيويِّ الأفريقيِّ عام ١٩٥٥، بدعوةٍ من الرئيسِ الإندونيسيِ آنذاك، أحمد سوكارنو، وحضورِ عددٍ من رؤساءِ الدولِ الآسيويةِ والأفريقيةِ، من بينهم الرئيسُ المصريُ الراحلُ جمال عبد الناصر، وهو المؤتمرُ الذي انطلقت منه حركةُ عدمِ الانحيازِ التي أدت إلى مسيرة الاستقلالِ والتحررِ من الاستعمارِ في كثيرٍ من البلدان.
كما أتقدمُ بخالصِ امتناني على حفاوةِ الاستقبالِ، وكرمِ الضيافةِ، اللذين حبانا بهما أبناءُ جمهوريةِ إندونيسيا الكرامُ منذ وصولِنا وحتى الآن، وهذا ليس بغريبٍ أو جديدٍ على أبناءِ إندونيسيا الذين عهدناهم إخوةً أشقاءً كرامًا، فخالصُ الشكرِ والعرفانِ لكم جميعًا.
ويطيبُ لي أن أنقلَ تحياتِ السيدِ الرئيسِ عبد الفتاح السيسي، رئيسِ جمهوريةِ مصرَ العربيةِ، إلى فخامةِ الرئيسِ جوكو ويدودو، رئيسِ جمهوريةِ إندونيسيا، وإلى سيادتكم، وتمنياتهِ لشعبِ بلدكم الصديقِ بمزيدٍ من التطورِ والازدهارِ.
السيداتُ والسادةُ الحضورُ الكريمُ؛
تضربُ العالمَ الآن عاصفةٌ مكتملةُ الأركانِ، تعيشُ في أجوائِها الإنسانيةُ، وفي غبارِها تشهدُ تطوراتٍ متلاحقةٍ لم تشهدها منذُ وضعت الحربُ العالميةُ الثانيةُ أوزارها، وأعني هنا آثارَ جائحةِ كورونا والحربَ الروسيةَ الأوكرانيةَ.
فلقد أحدثت جائحةُ كورونا موجاتٍ من الصدماتِ، اجتاحت الاقتصادَ العالميَ، وتسببت في أكبرِ أزماتٍ عالميةٍ في العقودِ الأخيرةِ، من ركودٍ حادٍ نتيجةَ توقفِ أو تباطؤِ العملِ والإنتاجِ عالميًا، وبطالةٍ بأعلى معدلاتها، وزيادةٍ حادةٍ في عدمِ المساواةِ داخلَ بلدانِ العالمِ وفيما بينها لاسيَّما الدولِ الفقيرةِ والناميةِ.
وسيكون التعافيِ من هذه الأزمةِ متفاوتًا بقدرِ تفاوتِ آثارها الاقتصاديةِ، إذ تحتاجُ الاقتصاداتُ الصاعدةُ والفئاتُ المحرومة ُاقتصاديًا، وقتًا أطول لتعويضِ ما نجمَ عن الجائحةِ من خسائرَ.
ولأنه من رحمِ اليأسِ يخرجُ الأملُ، فقد قُوبلت هذه الجائحةُ باستجابةٍ كبيرةٍ عززت فرصَ التعاونِ بين الدولِ والحكوماتِ المختلفةِ لمواجهةِ آثارِها، لاسيَّما في مجالِ اختراعِ الأمصالِ والأدويةِ اللازمةِ لمواجهتِها، كما فتحت آفاقًا جديدةً لاستخدام التقنياتِ الحديثةِ في التواصلِ فيما بينها؛ للتعاملِ مع المستجداتِ والأزماتِ؛ لتتمكنَ مؤسساتُها، لا سيَّما البرلمانيةُ، من أداء وظائِفها ومهامِها بفاعليةٍ واقتدارٍ.
وبينما كان العالمُ يكافحُ لتجاوزِ تداعياتِ تلك الجائحةِ، فإذا بالحرب الروسيةِ الأوكرانيةِ تُطِلُّ بنيرانِها، لتضعَ مزيدًا من الغموضِ على مستقبلِ الاقتصادِ العالميِّ، فأضحت أزمةً ثلاثيةَ الأبعادِ: أزمةٌ في الغذاءِ، وأزمةٌ في الطاقةِ، وأزمةٌ في الاقتصادِ، على نحوٍ أثَّرَ سلبًا على جميعِ دولِ العالمِ، ومن بينها دولُ العالمِ الإسلاميِّ، وخاصةً الدولِ الفقيرةِ منها، التي باتت تعاني من تراجعِ معدلاتِ النموِ، ومن التهميشِ الاجتماعيِّ، وارتفاعِ أسعارِ الغذاءِ، والنقصِ الشديدِ في مصادرِ الطاقةِ.
ولذلك أرى أنه، في خضمِّ هذه الأزماتِ، التي لا يعلمُ مداها إلا اللهُ، لم يَعدْ أمامَ العالمِ الإسلاميِّ سوى انتهاجِ استراتيجيةِ تنميةٍ مستدامةٍ، تحققُ التوازنَ المطلوبَ بينَ الحفاظِ على مستوياتِ التقدمِ المنشودِ من جانبٍ، وحقوقِ الأجيالِ القادمةِ في بيئةٍ سليمةٍ من جانبٍ آخر، وتُراعي حقائقَ الواقعِ وتحدياتِه، وتصونُ متطلباتِ المستقبلِ ورهاناتِه، وتُراعي الأهدافَ الإنمائيةَ طويلةَ المدىَ التي اعتمدتها الدولُ الأعضاءُ في الأمم ِالمتحدةِ عام ٢٠١٥ لعام ٢٠٣٠، على أن تكونَ خُطتنا قائمةً على الشراكاتِ الجماعيةِ أو الإقليميةِ أو الثنائيةِ، نتصدى من خلالها للتحدياتِ التنمويةِ، بالاستفادةِ من الإمكانياتِ الكبيرةِ المتاحةِ لدولِ العالمِ الإسلاميِّ، التي تمتلكُ الكثيرَ من الإمكاناتِ والقدراتِ التي تؤهلها كي تتبوأَ المكانةَ اللائقةَ بها، إذا ما أحسنت استغلاَلها، بُغيةَ خلقِ تكتلٍ اقتصاديٍّ قويٍّ يَزيدُ بين أعضائهِ التبادلُ التجاريُّ والاستثماراتُ المشتركةُ؛ بما يُدعمُ قدرةَ هذه الدولِ على المنافسةِ وتحقيقِ التقدمِ المنشودِ.
وأرى أن مجالسَ الشورى والشيوخِ والمجالسَ المماثلةَ، يمكنها أن تضطلعَ بدورٍ بارزٍ في هذا المضمارِ، بضمانِ فاعليةِ تنفيذِ الالتزاماتِ الوطنيةِ للتنميةِ، المنبثقةِ عن التعاونِ الإسلاميِّ المشتركِ، بمتابعتِها وتقويمِها، وإتاحةِ المجالِ للحوارِ والنقاشِ بشأنِها مع الجهاتِ الفاعلةِ الأخرىِ.
السادةُ الحضورُ؛
على الرغمِ من الجهودِ التي تبذُلها حكوماتٌ عديدةٌ في جميع ِأنحاءِ العالمِ، حتي يومِنا هذا، لبلوغِ أهدافِ التنميةِ المستدامةِ، إلا أنه لاتزالُ هناكَ مخاوفٌ بشأنِ التطوراتِ الاقتصاديةِ والبيئيةِ العالميةِ في العديدِ من البلدانِ، وقد زادت من حدةِ هذه المخاوفِ الأزماتُ العالميةُ الأخيرةُ طويلةُ الأمدِ، في مجالاتِ الطاقةِ والغذاءِ والاقتصادِ، ومن هنا برزت فكرةُ الاقتصادِ الأخضرِ، بأشكالِه المختلفةِ، كوسيلةٍ لدعم التنميةِ المستدامةِ، وهى وسيلةٌ لتحقيقِ التكاملِ بين أبعادِها الأربعةِ وهي البيئيةُ والاجتماعيةُ والاقتصاديةُ والتقنيةُ.
السيداتُ والسادةُ الحضورُ الكريمُ؛
إلى جانبِ ما يلزمُ من تعاونٍ اقتصاديٍّ بين الدولِ الإسلاميةِ، فإن التعاونَ في الجوانبِ الثقافيةِ والاجتماعيةِ لا يقلُ أهميةً عنه، خاصةً ما يتعلقُ منها بتطويرِ نظمِ التعليمِ، والحفاظ ِعلى الثقافةِ والهويةِ الحضاريةِ الإسلاميةِ، واستيعابِ متغيراتِ العصرِ، وتعزيزِ دورِ المرأةِ، والحوارِ مع الثقافاتِ الأخرى؛ لإقرارِ القيمِ الإنسانيةِ المشتركةِ.
واسمحوا لي هنا، أن أشيرَ إلى التجربةِ الرائدةِ لمصرَ في كلِّ ما ذكرتُهُ:
ففي مجالِ التنميةِ؛
أطلقت مصرُ عامَ ٢٠٢٠ خطةَ التنميةِ المستدامةِ ٢٠٣٠ بهدفِ تحقيقِ ثلاثةِ أبعادٍ، هي البعدُ البيئيُّ والبعدُ الاجتماعيُّ والبعدُ الاقتصاديُّ.
وأطلقت مبادراتٍ عديدةٍ لتحسينِ حياةِ المواطنين منها مبادرةُ حياةٍ كريمةٍ التي تهدفُ لتطويرِ حوالي أربعةِ آلافِ قريةِ للمقاربةِ بين الريفِ والحضرِ.
وفي مجالِ المرأةِ؛
تحققت للمرأةِ المصريةِ مكتسباتٌ عديدةٌ على الأصعدةِ كافة منذُ تولى السيدُ الرئيسُ عبد الفتاح السيسي مقاليدَ الحكمِ عامَ ٢٠١٤، حيث اشتملَ دستوُر ٢٠١٤ على أكثرِ من عشرين مادةً تؤكدُ حقوقَ المرأةِ في شتى مجالاتِ الحياةِ، وقد تُرجِمت هذه النصوصُ إلى واقعٍ عمليٍّ، فتم إطلاقُ عدةَ إستراتيجياتٍ تخصُ المرأةَ؛ منها الإستراتيجيةُ الوطنيةٌ لتمكينِ المرأةِ المصريةِ سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا، والإستراتيجيةُ الوطنيةُ لمكافحةِ العنفِ ضدَ المرأةِ، والإستراتيجيةُ الوطنيةُ لمكافحةِ ختانِ الإناثِ، والإستراتيجيةُ الوطنيةُ لمناهضةِ الزواجِ المبكرِ، فضلاً عن زيادةِ نسبةِ تمثيلِ المرأةِ في البرلمانِ، وجلوسِها لأولِ مرةٍ على مِنصةِ القضاءِ، وتقلُدها العديدَ من المناصبِ السياسيةِ.
كما انطلقت من القاهرة منظمةُ تنميةِ المرأةِ التابعةِ لمنظمةِ التعاونِ الإسلاميِّ، ودخلت حيزَ النفاذِ، لِتُتَرجِمَ حقيقةَ ما تمثله قضايا المرأةِ بالنسبةِ للدولةِ المصريةِ من أهميةٍ كبيرةٍ.
وفي مجالِ المناخِ؛
فقد أدركت مصرُ خطورةَ قضيةَ التغيراتِ المناخيةِ التي تؤرق ُالعالمَ بأسرهِ، وتشكلُ تحديًا كبيرًا للمجتمعِ الدوليِّ، بما لها من تداعياتٍ خطيرةٍ تهدد الثرواتِ الطبيعيةَ، والكائناتِ الحيةَ على سطحِ الأرضِ، وبما تسببه من كوارثَ طبيعيةٍ وانتشارٍ للأمراضِ والأوبئةِ الناتجةِ عنها، خاصةً مع ارتفاعِ مستوياتِ غازات ِالاحتباسِ الحراريِ في الغلافِ الجويِ.
ولذلك اتخذت مصرُ العديدَ من السياساتِ والإجراءاتِ لمواجهةِ التغيراتِ المناخيةِ، والتكيفِ مع تداعياتِها على المستوى المحليِّ، فأنشأت المجلسَ الوطنيَّ للتغيراتِ المناخيةِ، ليرسُمَ السياساتِ العامةَ للدولةِ فيما يخصُ التعاملَ مع التغيراتِ المناخيةِ، وليربط َالسياساتِ والإستراتيجياتِ والخططَ الوطنيةَ الخاصةَ بتغيرِ المناخِ بإستراتيجيةِ التنميةِ المستدامةِ، كما أطلقت مصرُ الإستراتيجيةَ الوطنيةَ للتغيراتِ المناخيةِ ٢٠٥٠، والتي تهدفُ إلى التصدي بفاعليةٍ لآثارِ وتداعياتِ تغيرِ المناخِ، وتحقيقِ التنميةِ المستدامةِ، والحفاظِ على المواردِ الطبيعيةِ والنظمِ البيئيةِ، وليس هذا فقط؛ بل أطلقت مصرُ الحوارَ الوطنيَّ للتغيراتِ المناخيةِ، والذي يأتي جنبًا إلى جنبٍ مع تلك الإستراتيجيةِ؛ لتعزيزِ ريادةِ مصرَ على الصعيدِ الدوليِ في مجالِ تغيرِ المناخِ.
ومن جانبٍ آخر، فقد شاركت مصرُ بفعاليةٍ في الجهودِ الإقليميةِ والدوليةِ المشتركةِ في مجالاتِ البيئةِ والمناخِ، فضلاً عن رئاستها للعديدِ من المؤتمراتِ المعنيةِ بقضايا البيئةِ والمناخِ.
وسوف تستضيفُ مصرُ مؤتمرَ الأطرافِ لاتفاقيةِ الأممِ المتحدةِ لتغيرِ المناخِ (كوب ٢٧) في الفترةِ من ٦ إلى ١٧ نوفمبر المقبلِ بمدينةِ شرم الشيخ السياحيةِ العالميةِ، بحضورِ رؤساءِ معظمِ دولِ العالمِ، ويُعدُ هذا المؤتمرُ فصلاً جديًدا من فصولِ ريادةِ مصرَ في العملِ المناخيِّ، وتتويجًا لسعيِها نحو توحيدِ جهودِ العالمِ في مواجهةِ آثارِ تغيرِ المناخِ، حيث يعكسُ هذا الحدثُ مدى الثقةِ بمساعي مصرَ الدائمةِ للتكيفِ والتخفيفِ من الآثارِ السلبيةِ للتغيراتِ المناخيةِ، والتي تشملُ تأثيراتُها معظمَ دولِ العالمِ.
السيداتُ والسادةُ الحضورُ الكريمُ؛
أجد هذا المنتدى فرصةً نادرةً للحديثِ عن ظاهرةِ الإرهابِ المقيتةِ التي أُلصِقَت زورًا وبهتانًا بالإسلامِ والمسلمينِ وهما منها براء، وكانت لها آثارٌ سلبيةٌ على قضيةِ التنميةِ.
إن شعوبَ العالمِ تمتلك حقوقًا أساسيةً، في مقدمتها الحقُ في الحياةِ، لكن ظاهرةَ الإرهابِ انتهكتْ هذا الحقَ بلا إنسانيةٍ فقتلت أبرياءَ بغيرِ حقٍ، وأعاقت جهودَ الحكوماتِ نحوَ بلوغِ الأهدافِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ لشعوبها، لأنه لا نفاذ لأيِّ برنامجٍ إنمائيٍّ إلا في مناخٍ يسوده الأمنُ والأمانُ.
ولهذا خاضت مصرُ، ولاتزال، حربًا ضروسًا ضدَ الإرهابِ لما يقاربَ عشرَ سنواتٍ، حربًا أراها بالوكالةِ عن العالمِ بأسرهِ؛ لأن الإرهابَ لا وطنَ له ولا دينَ، وإِنْ لم يُستأصَلْ مبكرًا من بلدٍ امتدَ سريعًا إلى بلدانَ أخرى كالوباءِ الخبيثِ، والواقعُ الذي يعيشه العالم خيرُ شاهدٍ على هذا.
فإذا كُنا جادينَ في التصدي للإرهابِ وجذورهِ، وجبَ أن يكونَ تحركُ العالمِ لمواجهتهِ وفقَ إستراتيجيةٍ شاملةٍ، لا تقتصرُ على المُواجهةِ الأمنيةِ فحسب، وإنما كذلك تشملُ الأبعادَ الاقتصاديةَ والاجتماعيةَ والثقافيةَ والتعليميةَ والتنمويةَ، مع الاهتمامِ بالبُعدِ الفِكريِّ والأيديولوجيِّ باعتباره المُحفزَ الرئيسيَ لارتكابِ الأعمالِ الإرهابيةِ.
كما أن ثمةَ ضرورةٍ، لمُواجهةِ كافةِ التنظيماتِ الإرهابيةِ دون استثناءٍ، وتعزيزِ التعاونِ الدوليِّ لتقويضِ قدرةِ التنظيماتِ الإرهابيةِ على تجنيدِ عناصرَ إرهابيةٍ جديدةً، والتوصلِ إلى اتفاقٍ حول تعريفٍ للإرهابِ، وعدم استبدالهِ بأيِّ توصيفٍ آخر، أو ترسيخِ مُصطلحاتٍ مغلوطةٍ من شأنها التمييزِ غير المُبرَّرِ بين مُختلفِ التنظيماتِ الإرهابيةِ، فضلاً عن ضرورةِ التصديِّ للدولِ التي ترعيَ الإرهابَ وتحتضنُ عناصرَهُ، وتنفيذِ تدابيرَ فعَّالةٍ للتصدي للطرقِ المُستحدثةِ الخاصةِ بتمويلِ الإرهابِ؛ وذلكَ لمُواكبةِ التطورِ النوعيِّ الذي طرأ في هذا الصدد.
وهنا يأتي دورٌ مهمٌ، تقع مسؤوليةُ تنفيذهِ، على عاتقِ العالمِ الإسلاميِّ جميعه، وهو مواجهةُ وعلاجُ ظاهرةِ الإسلاموفوبيا، والتمييزُ ضدَ المسلمين ونشرُ خطابِ الكراهيةِ ضِدهم، تلكَ الظاهرةُ التي تعبرُ عن فكرةِ الخوفِ المفرطِ من الإسلامِ والمسلمينِ، أو أي أمرٍ مرتبطٍ بالدينِ الإسلاميِ، وتُعَدُ هذه الظاهرةُ شكلاً من أشكالِ العنصريةِ والتمييزِ، فلم يعد مقبولاً السكوتُ على خطابِ التمييزِ والكراهيةِ ضد العربِ والمسلمين، ومحاولةِ إلصاقِ تهمةِ الإرهابِ والتطرف بديننا الحنيف.
وإذ نؤكد على أن علاج هذه الظاهرة، يبدأ من خلال حوار بين الشرق المسلم والعالم كله؛ بُغية تصحيح المفاهيم المغلوطة لدى الغرب، وإظهار أن تعاليم الدين الحنيف تؤكـد على التعايش والتسامح وقبول الآخر؛ للوصول الى اتفاق يدعم اتخاذ تدابير على المستويات القانونية والثقافية للحفاظ على كرامة المسلم وحريته، ووقف التحريض والإهانة والتعسف بداعي الإسلاموفوبيا.
فإننا نؤكد أيضًا، على الدور الرائد للأزهر الشريف عالميًا، بتبليغ رسالة الإسلام الوسطية إلى العالم على أتمِّ وجه، فللأزهر الشريف مكانة عالمية مرموقة في دول العالم كافة، شرقًا وغربًا، لعراقة تاريخه، ووسطية منهجه، وعِظم مكانته في الوجدان الإسلامي.
ولا شك أن مجالس الشورى والشيوخ والمجالس المماثلة، بالدول الإسلامية، عليها دور كبير في العمل على مواجهة خطاب الكراهية، والدعوة إلى احترام الآخر، والتعايش السلمي، من خلال وضع التشريعات اللازمة لذلك، وخلق جسور للحوار والتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية، والقيادات والمرجعيات الدينية، من أجل مواجهة التطرف والتعصب، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه.
السيدات والسادة؛
وأنا أنهي حديثي عن الإرهاب، لا بد أن أشير إلى أن سببه الحقيقي هو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في ظل العجز الدولي غير المسبوق، عن إيجاد حل شامل وعادل لهذه القضية، وتصاعد حدة الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والمقدسات الإسلامية، في تحد سافر لقرارات الشرعية الدولية، وانتهاك صارخ للقانون الدولي، على نحو يهدد بتفجير ساحة الصراع والمنطقة برمتها، وهو ما يتطلب منا أن نتكاتف من أجل وقف الانتهاكات الإسرائيلية، وضمان الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقهم في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
ولقد أكدت مصر، في العديد من المحافل الدولية، موقفها الثابت والداعم للحل السياسي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وفق القرارات الدولية لإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على حدود الرابع من يونيو ١٩٦٧، ورفض أية إجراءات أحادية الجانب تستهدف طمس الحقائق وتغيير الواقع، وتقويض فرص تحقيق السلام الدائم والعادل بالمنطقة.
السيدات والسادة الحضور الكريم؛
أمام هذه التحديات التي تواجه العالم أجمع، تتعاظم أهمية مجالس الشورى والشيوخ والمجالس المماثلة، لما تقدمه من مساهمات جادة وفاعلة، في تحديد المشكلات والأزمات، من خلال دراستها دراسة متعمقة، بعقول الكفاءات الفنية المتخصصة والمؤهلة، وبحكمة ذوي الخبرة، سعيًا للوقوف على أسبابها، ووضع التوصيات والرؤى المختلفة بخصوصها، أملاً في الوصول إلى حلول عملية، تبتغي صالح الوطن والمواطن.
ومن هذا المنطلق، ومن خلال هذا المنبر، أدعو حضراتكم إلى تعزيز مجالات التعاون الثنائي، ومتعدد الأطراف، بين مجالسنا في العالم الإسلامي، بما يسهم في دعم وتنسيق الجهود والمواقف المشتركة، وتبادل الخبرات والتجارب البرلمانية، في مجالات الديمقراطية التشاركية، والتشاور حول القضايا المتعلقة بالمصالح المشتركة، على الصعيدين المحلي والدولي واتخاذ التوصيات اللازمة بشأنها.
السيدات والسادة الحضور الكريم؛
سردت على مسامعكم الكريمة، تحديات عديدة، تواجه العالم أجمع، وليس العالم الإسلامي وحده، ونقلت إليكم جزءًا من التجربة المصرية في مواجهة كل تحد منها، كفرصة لتقييم مسيرتنا، ودراسة أوجه التطوير والدعم لآليات عملنا جميعا، كي تتواكب مع معطيات العصر الحديث، ومتطلبات تحقيق السلم والتنمية لشعوبنا، ومقتضيات الدفاع عن صورة ديننا الحنيف.
إن اجتماعنا هذا، تتطلع إليه أنظار الشعوب الإسلامية في مختلف أنحاء العالم، آملين أن نكون على قدر المسئولية والتحديات، التي يواجهها عالمنا الإسلامي، والتي تتطلب منا جميعاً، وحدة الكلمة والصف، كي نصوغ رؤي مشتركة، تكون خطوة على طريق التنسيق والعمل الإسلامي المشترك، بما يلبي طموحات شعوبنا، وفقنا الله جميعاً لما فيه خدمة قضايا الأمة الإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يذكر ان مشاركة رئيس مجلس الشيوخ تلبية لدعوة من رئيس مجلس الاستشارى الاندونيسى تأتى فكرة تأسيس هذا المنتدى انطلاقا من إيمان بأهمية دور البرلمانات فى تعزيز الجهود و دعم التعاون بين الدول الإسلامية نحو مواجهة التحديات و المشاكل التى تواجهه