اهم الاخبار
الثلاثاء 08 أبريل 2025
#الجمهوريةـالجديدة
رئيس التحرير
خالد العوامي

المال ظل زائل | الزكاة في التشريع الإلهي جسر بين الغني والفقير .. معراجاً للروح نحو رضا الله

علي الشرفاء الحمادي : الزكاة سرّ بقاء الأمم واستثمار في رحمة الله .. درعٌ يحمي الأوطان من التمزق والهلاك

علي الشرفاء الحمادي
علي الشرفاء الحمادي

عندما يتكدّس المال في خزائن الأغنياء ، وتئنُّ المجتمعات تحت وطأة الفقر تتهاوى القيم، ويضيع جوهر الإنسانية ، لكن في منظومة التشريع الإلهي، لم يكن المال ملكًا مطلقًا لصاحبه، بل أمانةً في يده، يختبر بها الله القلوب قبل الجيوب ، وهنا تجلّت الزكاة لا كفرضٍ ماليٍّ فحسب، بل كركيزةٍ لصلاح الأمم، وتطهيرٍ للنفوس، وجسرٍ يمتدُّ بين العطاء والبركة، ليقيم ميزان العدالة، ويعصم المجتمعات من شبح التفرقة والهلاك .

  • قاعدة راسخة للتكافل الاجتماعي

ففي منظومة التشريع الإلهي، لا تأتي الأحكام عبثًا، ولا تُفرض الفرائض إلا لحكمة بالغة، وفي قلب هذه المنظومة تتجلى الزكاة كركن أساسي من أركان الإسلام، ليس مجرد عبادة مالية، بل قاعدة راسخة لإرساء التكافل الاجتماعي، وحجر زاوية في بناء مجتمع متماسك، قوي، لا تفتك به أنياب الفقر ولا تزلزله أهواء الطمع والجشع .

.. وفي زمنٍ ضاعت منه معاني العدل والتكافل تبرز أهمية مقالات وكتابات المفكر العربي علي الشرفاء الحمادي لتكون بمثابة نورًا يهتدي به الساعون لفهم جوهر التشريع الإلهي بكلماته العميقة، كلمات تُعيد للزكاة بُعدها الإنساني، كجسرٍ بين الغني والفقير، وأساسٍ لوحدة الأمة، فجعل من قلمه منارةً تُضيء درب الوعي والتنوير .

  • الإنفاق في سبيل الله

ترسخ مؤلفات الحمادي لـ قيم النبل والعطاء وتؤكد علي أن الزكاة إنفاق في سبيل الله وجهاد في مرضاته وحين خاطب الله عباده بشأن الزكاة، جاء التعبير بلفظ  " الإنفاق في سبيل الله " ، إشارةً إلى أن إخراج المال في مواضعه المشروعة ليس مجرد إحسان عابر، بل هو جهاد عظيم، يقاس فيه صدق الإيمان، ويتجلى فيه معنى العبودية الحقة لله .. وهنا يقول الحق سبحانه وتعالي : " مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " .. صدق الله العظيم .

  • الزكاة صدقة وقرض حسن

بهذا التوصيف الرباني، لا يكون الإنفاق مجرد إخراج مال، بل بذرة تطرح الخير مضاعفًا في الدنيا، وثوابًا لا يُحدّ في الآخرة ، وهنا يُطرح السؤال الجوهري : كيف تحولت الزكاة إلى عامل رئيسي في بناء الأمة، وحماية المجتمعات من التفسخ والانهيار ؟ .. سؤال يجيب عليه الشرفاء الحمادي في كتابه " الزكاة صدقة وقرض حسن " ، موضحاً خلال سطوره ان الزكاة طهارة للنفس ونقاء للمجتمع ، وأن الله لم يُسمِّ هذا الركن العظيم بـ " الزكاة " عبثًا، بل اشتُق الاسم من جوهر الحكمة الكامنة فيه ، فهي تُزكّي المال وتُطهره وتُهذّب النفس البشرية، فتجعلها معطاءة كريمة، متحررة من شُحّ الذات، ومنجاةً من الهلاك في مستنقع الطمع .

  • معراج للروح نحو رضا الله

وكما أن الصلاة تطهّر القلوب فإن الزكاة تطهّر الأموال وكلاهما طريقان متلازمان لا ينفصلان، يشكّلان معًا معراجًا للروح نحو رضا الله ، لذلك، جاءت الزكاة في القرآن الكريم مقرونة بالصلاة في أكثر من موضع، تأكيدًا على أنها ليست مجرد التزام مالي، بل عبادة تمثل ميزانًا لصدق الإيمان ، اذ يقول الله سبحانه وتعالي : " وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ " .. صدق الله العظيم .

.. وفي ساحة الاختبار الإلهي، يُوضع العبد على محك الاختبار : هل يُؤثر المال على نفسه ؟ أم يختار العطاء متيقنًا بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى ؟ .. وهنا يقول الله تعالى : " فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى " .. صدق الله العظيم .. إنها معادلة إلهية واضحة ، من أعطى واتقى، فُتحت له أبواب اليسر والبركة، ومن بَخل واستغنى، أغلق على نفسه أبواب الخير، وسار في طريق العُسر والهلاك .

  • صمّام أمان يضمن تماسك الأمم

فالزكاة ليست اختبارًا ماليًا فقط، بل هي مقياس يُحدّد مدى إيمان الإنسان بربه، ويقينه بأن المال الذي بين يديه ليس ملكًا مطلقًا له، بل هو وديعة استخلفه الله عليها، ليؤدي حقها ، فحين شرع الله الزكاة، لم يكن الهدف مجرد إغناء فقير أو سدّ حاجة محتاج، بل كانت صمّام أمان يضمن تماسك الأمم، ويمنع تمزقها بسبب الفوارق الطبقية المهلكة ، لأن المجتمعات التي تغيب فيها العدالة الاقتصادية حيث يُكدّس المال في يد فئة قليلة، بينما تعاني الأغلبية شظف العيش، تظهر الفجوة القاتلة، التي تولّد الصراعات، وتؤدي في النهاية إلى سقوط الحضارات وانهيار المجتمعات.

  • نظام يضمن إعادة توزيع الثروة

فما الذي يُشعل الثورات ويفجّر النزاعات إن لم يكن الفقر والحرمان والشعور بالظلم؟! وما الذي يُنهي هذه الأزمات سوى نظام يضمن إعادة توزيع الثروة بما يكفل للجميع حقهم في الحياة الكريمة؟! ، إن الدول التي تهمّشت فيها هذه القيم، وشاعت فيها الأنانية، وتكدّست فيها الثروات في أيدي قلةٍ جشعة سرعان ما سقطت في أتون الفوضى والصراعات لأن العدالة ليست ترفًا، بل قانونًا إلهيًا لا يمكن لمجتمع أن يستقر إلا بتحقيقه .

  • الزكاة فرضًا لا يقبل التسويف

وفي تحليله العميق لفريضة الزكاة، يذهب الشرفاء الحمادي إلي أن الزكاة فرضًا لا يقبل التسويف ولا المراوغة، يأثم تاركها، ويُعاقَب الممتنع عن أدائها، لأنها ليست صدقة تطوّعية، بل حقّ واجبٌ في مال الأغنياء، يضمن التوازن في المجتمع، ويمنع تسلّل الفقر إلى جذوره .. ويقول الله تعالي في محكم تنزيله : " وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ " .. صدق الله العظيم .

  • كسر أغلال حبّ المال

ولا تقتصر الزكاة على كونها مجرد نظام اقتصادي لضمان توزيع الثروات، بل هي في جوهرها علاج نفسي وروحي للإنسان ، فالمال حين يُكدّس بلا عطاء يتحول إلى قيود تكبّل القلب، وتولد لدى صاحبه شعورًا جارفًا بالخوف من الفقر، مما يدفعه إلى مزيد من الطمع والشحّ ، ولذلك، كان الإنفاق في سبيل الله وسيلة لترويض النفس، وكسر أغلال حبّ المال، وتحويله من سيدٍ متسلط على صاحبه، إلى أداة لنشر الخير، ووسيلة للتقرب إلى الله ، وفي هذا السياق، جاء التحذير الرباني واضحًا من أخطر داء يُصيب النفس البشرية ، بقوله عز وجل : " وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُو۟لَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ " .. صدق الله العظيم .

  • إهمال الزكاة مسمار في نعش الزوال

ويخلص علي الشرفاء الحمادي في رؤيته إلي أن الزكاة ليست مجرد نسبة تُستقطع من المال، بل هي منظومة متكاملة، تعمل على ترسيخ العدالة وضمان استقرار المجتمع، وتعزيز الروابط الإنسانية بين أبنائه ، وحين يؤديها المسلم، فإنه لا يعطي من جيبه، بل يردّ جزءًا من حق الله، ويضع لبنة في بناء مجتمع قائم على الرحمة والتكافل ، إنها ليست مجرد ركن مالي، بل روح حضارة، وقانون بقاء للأمم، فمن عمل بها، ازدهر، ومن أهملها، فقد وضع أول مسمار في نعش زواله.

فالمال ظلّ زائل، والبركة فيه ليست بكثرته، بل بحسن إنفاقه ، والزكاة ليست استقطاعًا من الثروة، بل استثمارٌ في رحمة الله، ودرعٌ يحمي المجتمعات من التمزق والهلاك ، فمن أعطى زكاة ماله، زكّت حياته، ومن بخل بها، حُرم البركة، وسلك درب الخاسرين يوم لا ينفع ندم .. اللهم بلغت اللهم فاشهد .