بأقلامهم
يسري عبد الحميد يكتب: المواطن الأوروبي يدخل بلادنا بكل أريحية... ونحن المصريون نرى العذاب الأليم من أجل فيزا لأوروبا
أسافر ألمانيا على مدار سنوات منذ 2015 وحتى العام الماضي. وكل رحلاتي لألمانيا هي لأغراض بحثية وعلمية. وأقمت في برلين من يناير 2017 وحتى سبتمبر 2021 للحصول على الدكتوراة في التاريخ والثقافة من جامعة برلين الحرة والحمد لله قد حصلت على درجة الدكتوراة في ديسمبر 2022.
وبطبيعة الحال كمواطن غير أوروبي، وبالتحديد مواطن مصري، فكان لابد من المعاناة في تقديم طلب لدى السفارة الألمانية في القاهرة.
تجربة السفر لألمانيا
وكما يعلم كل من خاض تجربة السفر لألمانيا، فإن تجربة الحصول على فيزا من السفارة الألمانية هي تجربة مؤلمة ومزعجة. فالمتقدم للحصول على الفيزا لابد وأن يقدِّم الكثيرَ من الأوراق والوثائق التي تثبت أنه يَصْلُح للسفر إلى ألمانيا وطبعاً لابد من ترجمة كل هذه الأوراق ودفع مبالغ كبيرة في الترجمة. إلى جانب هذا لابد من ملء استمارات بها تفاصيل كثيرة معقدة.
معاملة جافة
سابقاً كان يتم تقديم الطلب والمستندات اللازمة مباشرة للسفارة وما أدراك ما موظفو السفارة. في أغلب الأوقات تكون المعاملة جافة جداً وفيها وقاحة؛ فموظف السفارة يتعمَّد أن يجعل المتقدم بطلب الفيزا كالتلميذ الذي يقف أمام لجنة امتحان ويخاف أن يرسب. وأحياناً يوجه الموظف أسئلة مستفزة تثير غضبك وعليك أن تتمالك أعصابك. فمثلاً عندما كنت أتقدم للفيزا للسفر لدراسة الدكتوراة أخذ الموظف أوراقي بطريقة فيها استهزاء وغطرسة ونظر إلي وسألني: "هو ايه عنوان الجامعة اللي انت رايحها دي؟" فكان ردي: "العنوان مكتوب أمام حضرتك في خطاب القبول من الأستاذ المشرف". قال لي: "لا أنا عاوزة انت تقولهولي". قلت له: "لما أعوز أوصل للجامعة الجي بي إس حيوصلني فمش مضطر أحفظ العنوان."
رسوم باهظة
الآن لا يُقدَّم الطلب مباشرة إلى السفارة بل عن طريق شركة وسيطة اسمها TLS هذه الشركة طبعاً تتقاضى رسوم على استلام الطلب وتقديمه للسفارة.
وطبعاً داخل TLS يشجعونك على أن تتسلم الباسبور عن طريق شركة توصيل TNT والتي لها مكتب داخل TLS مقابل رسوم طبعاً.
ويوجد مكتب لبيع تأمينات السفر أيضاً. نحن نوفر لك كل شيء حتى تدفع! إنه بزنس متكامل لاستنزاف أموال المسافرين من دولة فقيرة كمصر.
دعك من كل هذه الرسوم التي يمكن تبريرها على أنها خدمات من أجل راحتك لا من أجل الحصول على مالك أيها المصري الفقير! ولكن الأدهى أنك لو أخطأت في بيان أو في معلومة في طلب الفيزا فإن شركة TLS تنتهز الفرصة لتجبرك على حجز موعد من جديد برسوم جديدة وادفع أيها المصري الفقير! إنم يوقفون فتاة على مدخل الشركة لتنظر في الصور الشخصية المطلوبة مع الفيزا وأحيانا "تتلكك" وتطلب صوراً أخرى بحجة أن الصور غير صالحة.
طبعاً توجد خدمة تصوير تابعة ل TLS وادفع أيها المصري الفقير! "هو انت وقعت ولا الهوا رماك". إنك كمصري تشعر بالمرارة أكثر عندما تعلم أن المواطن الأوروبي عندما يسافر إلى مصر فإنه ليس مضطراً إلى شيء من هذه الإجراءات والأوراق. هو فقط يحجز تذكرة الطيران ويسافر ويحصل على الفيزا في المطار في مقابل مبلغ زهيد! هل أنا كمصري لا أستحق أن أعامل بالمثل؟ ألست إنساناً عنده حق التنقل والسفر يا بلاد حقوق الإنسان! أم أن هذا من حق المواطن الأوروبي وحده!
وإن تعجب فعجبٌ ما فعلته السفارة معي مؤخراً. فكما ذكرت سابقاً أنني سافرت على مدار سنوات لأوروبا وحصلت على الدكتوراة من هناك وعدت إلى مصر في النهاية. تقدمت في 15 أغسطس 2023 بطلب الحصول على فيزا لحضور مؤتمر علمي في جامعة هامبورج، وأرفقت بطلب الفيزا المستندات اللازمة والدعوة التي جاءت من المؤتمر التي تبين أن المؤتمر سيدفع لي الفندق وتذكرة الطيران. تخيل ماذا حدث؟ تم رفض الفيزا بتاريخ 20 أغسطس 2023. تسلمت الباسبور وخطاب الرفض بتاريخ 26 سبتمبر 2023 أي حوالي خمسة أيام بين تاريخ الرفض وتاريخ التسليم. ما هذه السرعة في اتخاذ قرار الرفض؟! لماذا هذا التأخر في تسليمي خطاب الرفض رغم سرعة اتخاذ القرار رغم أني دفعت رسوم لشركة TNT لتوصل لي الباسبور والرد على الفيزا ؟ فقد تقدمت يوم 15 أغسطس وصدر الرفض يوم 20 أغسطس، فهل هناك تعمد لتعطيل مصلحتي؟ وسبب الرفض هو أنهم "غير متأكدون من غرض الزيارة وأنني غير قادر على تمويل إقامتي"! وماذا عن الخطاب الذي يبين أني مسافر لحضور مؤتمر علمي وأن منظمي المؤتمر سيتحملون نفقة إقامتي؟ اسألوا جامعة هامبورج إن كنت تشكون في صحة الخطاب!
طلب قيد النظر
تقدَّمت بطلب تظلُّم أطلب فيه إعادة النظر في هذا القرار لم يأت الرد إلى اليوم الخميس 21/9/2023، ويجب أن أسافر الأحد 24 سبتمبر. طبعاً الجمعة والسبت أجازة والسفر يوم الأحد. اتصلت اليوم بالسفارة لأستفسر، فقالت لي السيدة التي ردت على الاتصال إن طلبك قيد النظر والطلب سيأخد من شهر إلى ثلاثة أشهر. وضحت لها أنا تاريخ السفر هو يوم 24 سبتمبر أي بعد يومين. قالت لي لا تتوقع أي جديد حتى يوم الأحد. إذن سيفوتني المؤتمر وستتضيع عليَّ تذكرة الطيران ولا أحد يهتم لأمري طبعاً فأنا مواطن مصري يمكن للمواطن الأوروبي أن يتغطرس عليه ويعطِّل مصالحه ولا أحد يهتم!
إنني أشعر بالحزن العميق نتيجة هذا الاستخفاف بي وما يترتب عليه من تضييع فرصة حضور المؤتمر العلمي الذي كنت سأُلقي فيه ورقة بحثية وألتقي فيه بالأساتذة والزملاء من الباحثين.
إنني أطلب من السلطات في دولتنا الحبيبة مصر أن تَتَّخذ إجراءات من شأنها أن تكون المعاملة بين مصر وأوروبا بالمثل فيما يتعلق بإجراءات السفر بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي. إنَّ المصري ليس بأقل شأناً من الأوروبي كي يتذوَّق العذاب الأليم ليحصل علي فيزا لأوروبا، بينما يسافر الأوروبي إلى بلادنا بكل راحة وسهولة بمجرد فيزا يحصل عليها في المطار.